كتاب عربي 21

الخلاف حول القاعدة الدستورية.. أين الخلل؟

1300x600
تزداد حدة الخلاف بين الفرقاء السياسيين في ليبيا مع اقتراب موعد الانتخابات والدخول في متطلباتها، والتي من أهمها القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات، ومع الشروع في مناقشة القاعدة الدستورية الأصوب والأنسب أطلق المشوشون والمرجفون حملات التضليل، مع التنبيه إلى أنها حملات مستهلكة لم تعد تجرف الجموع كما جرفتها منذ العام 2013م، وهذا مؤشر على ارتفاع الوعي العام نسبيا.

الخلاف، كما ظهر في الجلسة الأخيرة لملتقى الحوار السياسي الليبي، تمحور حول الأساس الدستوري الذي تقوم عليه الانتخابات، ما بين الدعوة إلى إقرار قاعدة دستورية استثنائية تُضمَّن في الإعلان الدستوري، أو إجراء استفتاء على مسودة الدستور التي أعدتها الهيئة التأسيسية.

يرافق ذلك تعارض مواقف الأعضاء حول الانتخابات الرئاسية من حيث مزامنتها للانتخابات البرلمانية، وإذا ما انتخب الرئيس مباشرة من الشعب أو بشكل غير مباشر من قبل المجلس التشريعي.
تجاهل مقررات الانتقال الديمقراطي والاستحقاق الدستوري سيقوض عملية التحول وسيصادم الاستقرار وسيفتح الباب أمام الجميع للاعتراض ورفض أي استحقاقات وتوافقات

والرأي عندي بخصوص الأساس الدستوري هو الالتزام بالمسار الانتقالي الذي أوجد كل الأجسام الراهنة المختلفة والمتضادة، فما أدري بأي منطق دستوري أو ديمقراطي يتم تجاهل خطوة أساسية تأسيسية من مراحل الانتقال التي حددها الإعلان الدستوري، وهي مرحلة إعداد الدستور والذي تم من خلال انتخاب هيئة من قبل الشعب قامت بإقرار مسودة بواقع 43 عضوا من مجموع 44، وعضدتها أحكام قضائية أهمها حكم المحكمة العليا الذي قضى بأن لا تعقيب على المسودة من قبل أي جسم قائم، تشريعي أو تنفيذي أو قضائي، وأن الكلمة الفصل في المسودة ترجع للشعب عبر استفتاء عام.

وأعود وأقول كلاما كررته مرات ومرات من أن تجاهل مقررات الانتقال الديمقراطي والاستحقاق الدستوري سيقوض عملية التحول وسيصادم الاستقرار وسيفتح الباب أمام الجميع للاعتراض ورفض أي استحقاقات وتوافقات مهما علت وتسامت، ذلك أننا قبلنا بالقفز على تلك الاستحقاقات والتوافقات مرة ومرتين وثلاث، فبأي حجة ننكر على من يعترض عليها ويعرقلها بعد ذلك؟!

أما الخلاف حول انتخاب الرئيس بشكل مباشر أو غير مباشر، فهو يرجع إلى غياب الثقة تماما بين الأطراف المتنازعة، فكل طرف موقن بأن انتخاب رئيس من الجبهة الأخرى سيكون على حساب حقوقه وتوجهاته ومصالحه، ويغيب هنا الضامن في أن لا يتغول الرئيس المنتخب ويتجاوز مسؤولياته وصلاحياته وينفرد بالقرار.

والحقيقة أن ذلك محتمل جدا، والدليل عليه ليس فقط تجارب دول الجوار حولنا في مصر تونس وغيرها، بل هي تجاربنا التي خبرناها خلال السنوات العشر الماضية، وانظر إلى أداء وممارسة رئيس هرم السلطة في ليبيا منذ اندلاع الثورة بداية من المجلس الانتقالي مرورا بالمؤتمر الوطني فالبرلمان وصولا إلى المجلس الرئاسي، فسيتأكد لك أن الانفراد محتمل جدا، مع التأكيد على التفاوت في النزعة الاستبدادية بين من تولوا تلك المناصب منذ شباط/ فبراير 2011م.
التحدي الكبير والآفة الخطيرة في هذا الخضم هو استعداد شريحة واسعة من النخبة السياسية والفكرية وغيرهم من الفواعل المدنية والعسكرية للميل عن المسار الديمقراطي والتعدي على الأساس الدستوري والقانوني، ضمانا لمصلحتهم

عليه فقد يكون النظام البرلماني أنسب للحالة الليبية، وإذا ما أُقر الجمع بين الرئاسي والبرلماني فالرأي الأقرب لنزع فتيل الخلاف هو انتخاب الرئيس من الشعب كما ترى الأكثرية في ملتقى الحوار السياسي مع منح البرلمان صلاحية تقييد سلطته، أو حتى إقالته في حال تخطى الدستور أو وقع في ما هو تجاوز كبير أو انتهاك صارخ.

التحدي الكبير والآفة الخطيرة في هذا الخضم هو استعداد شريحة واسعة من النخبة السياسية والفكرية وغيرهم من الفواعل المدنية والعسكرية للميل عن المسار الديمقراطي والتعدي على الأساس الدستوري والقانوني، ضمانا لمصلحتهم أو مصلحة التيار الذي يمثلونه. وهكذا آفة لا يجدي معها دستور أو ديمقراطية أو توافقات، ومثالها الحاضر رئيس البرلمان والأعضاء حوله الذين يشكلون أقلية قليلة في المجلس التشريعي، إلا أنهم فرضوا واقعا مناقضا للإعلان الدستوري وللمسار الديمقراطي.

ففي حين أجرى المجلس الأعلى للدولة ثلاثة انتخابات لرئاسة المجلس، فقد تمترس رئيس البرلمان خلف كرسيه وعارض الدستور واللوائح المنظمة لعمل البرلمان، وصادم التوافقات التي تقضي بأن تؤول رئاسة البرلمان إلى الجنوب.
لأن العقلية المتمردة والرافضة لفلسفة التحول والمتعالية على اشتراطات الانتقال الديمقراطي موجودة ونافذة، فإن الأمل في أن يقع انتقال ديمقراطي سلس وندخل مرحلة الاستقرار ما يزال باهتا

والوضع أكثر وضوحا مع حفتر الذي أعلن انقلابه على السلطة الشرعية في شباط/ فبراير 2014م، ثم تمرد عليها في 2015م بإطلاقه عملية الكرامة، بل تحدى سلطة العالم ممثلة في الأمم المتحدة وتوافقات الأطراف الدولية حول النزاع الليبي بشنه العدوان على طرابلس في نيسان/ أبريل 2019م.

ولأن العقلية المتمردة والرافضة لفلسفة التحول والمتعالية على اشتراطات الانتقال الديمقراطي موجودة ونافذة، فإن الأمل في أن يقع انتقال ديمقراطي سلس وندخل مرحلة الاستقرار ما يزال باهتا.