سياسة عربية

ما دلالة توقيت عرض "الاختيار 2" بالتزامن مع أزمة سد النهضة؟

جثامين ضحايا مذبحة رابعة داخل أحد المساجد بعد فض الاعتصام- الأناضول
تتجاوز أزمة عرض المسلسل المصري "الاختيار 2" الذي يتناول أحداث فض اعتصام ميدان رابعة في أعقاب الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي، من وجهة نظر النظام الأمنية، التدليس والتزوير والتضليل إلى مرحلة أخطر من ذلك.

ويقول سياسيون ونشطاء وحقوقيون معارضون إن مصر تعيش خطرا وجوديا – حياة أو موتا – بسبب استمرار فشل مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وتمر بظروف حرجة تتطلب توحيد المجتمع و اصطفافه في مواجهة كارثة "شح المياه".

ويرى هؤلاء أن النظام المصري يقوم بالتحريض على تعميق الانقسام المجتمعي من خلال إعادة التذكير بـ"مذبحة القرن"، من خلال المسلسل الدرامي "الاختيار 2" بعد 7 سنوات من فض اعتصام رابعة الذي خلف آلاف الضحايا والمفقودين والمصابين والمعتقلين.

المسلسل الذي أنتجته شركة "سينرجي" المملوكة للمجموعة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، التابعة للمخابرات العامة المصرية، وفق تقارير صحفية متعددة، يبرز أحداث ما بعد انقلاب 30 تموز/ يوليو 2013 وفض اعتصام "ميدان الرابعة" من وجهة نظر النظام الأمنية.

فهل أخطأ نظام السيسي بنكء جراح مذبحة القرن "رابعة" وتعميق الانقسام في ظل أزمة سد النهضة، وما دلالة استحضار أحداث المذبحة والفض في أذهان المصريين بعد سنوات من وقوعها في هذا التوقيت، بل وتزوير الأحداث والتدليس على المشاهدين وفقا لمئات التعليقات والتغريدات التي تحدثت عن ذلك.

 

 


 

 


 

 


الناقد الفني والمخرج المسرحي، حسام الغمري، أحد الذين ساهموا في إنتاج أعمال درامية قصيرة تبرز حالة الانقسام المجتمعي التي خلفتها مذبحة رابعة داخل الأسرة المصرية الواحدة من خلال الفيلم القصير "التوأم"، وصف "الاختيار 2 بالساقط فنيا وأخلاقيا".

وتدور قصة المسلسل حول شقيقين توأم تتباين وجهة نظرهما إزاء ما كان يجري من عمليات فض بالقوة للمعتصمين السلميين في 14 آب/ أغسطس 2014، بين مرحب ومعارض، ولكنه استطاع في نهاية المطاف أن يقنع شقيقه بأن ما يجري "انتهاك لحقوق الإنسان وانهيار لمبادئ المواطنة".

وإذا ما كانت هناك ضرورة فنية لإنتاج مثل هذا العمل، أكد الغمري لـ"عربي21" أنه "لا توجد أي ضرورة فنية لإحياء أحداث المجزرة في عمل فني، لكنها ضرورة سياسية خاطئة وساذجة و تكلف النظام الكثير".

السبب الحقيقي لإنتاج العمل وفق الغمري هو أن "الموضوع أشبه بحقبة مبارك عندما شعر بغضب الشعب ضد الفساد وتجبر الأجهزة الأمنية، سعى هذا النظام لإشعار الشعب بدوره في حفظ الأمن فقال إما أنا أو الفوضى، كذلك نظام السيسي يعلم أن هذا العام سيتم الملء الثاني لسد النهضة ويعلم أن الشعب سوف ينظر له نظرة المفرط المقصر ويريد أن يعيد تذكير الشعب بدوره في حمايته من الإرهاب".


وأعلنت إثيوبيا عزمها على بدء الملء الثاني لسد النهضة في تموز/ يوليو المقبل واحتجاز مياه النيل بكميات كبيرة ما يؤثر على تدفقها في النهر رغم رفض دولتي المصب مصر والسودان الإجراء الأحادي دون التوصل إلى اتفاق ملزم لجميع الأطراف.

وتعتمد مصر على مياه نهر النيل بنسبة 97 بالمئة لتلبية احتياجاتها من ماء الشرب والري والصناعة، إذ إن نحو 92 من أراضيها صحراء قاحلة باستثناء الدلتا والوادي بسبب مرور نهر النيل داخلها منذ ملايين السنين ما خلق على ضفافه حضارات إنسانية قديمة.

مخطط إلهاء العسكر

في اعتقاده يقول السياسي المصري والبرلماني السابق، محمد عماد صابر، إن "مسلسل الاختيار وغيره من مشاريع الإلهاء لا تنفصل عن أزمة فشل مفاوضات سد النهضة والتي تنذر بعطش وهلاك المصريين الذين يعتمدون على مياه النيل بشكل رئيسي".

وأكد لـ"عربي21": "ليس من قبيل الصدفة اختيار هذا التوقيت من أجل عرض المسلسل المثير للانقسام مع استمرار مخطط ضياع حقوق مصر في مياه النيل بمشاركة السيسي نفسهه والصهاينة ودول خليجية، ولذلك فإننا لا يجب أن ندخل نفق الإلهاء الذي بناه النظام العسكري".

 وطالب باستمرار "الحراك على وسائل التواصل الاجتماعي لتذكير الشعب بحقوقه التاريخية في مياه النيل، وبفشل زمرة العسكر الحاكمة في الحفاظ عليها، والتحذير من تبعاتها على الإنسان والحيوان والأرض والواقع والمستقبل القريب والبعيد، يجب إعادة ترتيب أولوياتنا".

تعزيز الانقسام

يرى الكاتب الصحفي ومؤسس حركة "صحفيون ضد الانقلاب"، قطب العربي، أن أزمة المسلسل "الاختيار 2" تتجاوز حدود التزوير والتدليس إلى ما هو أخطر من ذلك ألا وهو الانقسام الداخلي، قائلا: "بدل من أن يعمل نظام السيسي على توحيد المصريين إزاء الأزمة الوجودية التي تهدد حياتهم جراء فشل مفاوضات سد النهضة فهو ينكأ جراح المصريين ويفت في عضدهم".

وحذر في تصريحات لـ"عربي21" من مغبة تعزيز هذا الانقسام وتكريسه في ذلك التوقيت: "المسلسل معول للهدم المجتمعي في مصر من ناحية، ورسالة طمأنة الجانب الإثيوبي من ناحية أخرى، فحواها أنه لا نية حقيقية للجوء إلى الخيار العسكري في مسالة الخلاف حول ملء سد النهضة".