ملفات وتقارير

خبير أفريقي لـ"عربي21": سد النهضة مشروع مصيري لآبي أحمد

بالنظر إلى أن آبي أحمد يمثل مرحلة انتقالية، مع طموح بالبقاء، فإن مشروع سد النهضة يمثل قيمة إضافية وفرصة لا تعوض- تويتر

سلط خبير أفريقي، في حديث لـ"عربي21"، الضوء على أهمية مشروع سد النهضة بالنسبة لحسابات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، السياسية الداخلية.

ولفت "محمد صالح"، مدير وحدة الدراسات في المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)، إلى اكتساب السد بعدا استراتيجيا يفوق في أهميته الشعارات الوطنية المجردة، ويتجاوز الحسابات السياسية والإثنية، ويعد هدفا يجمع الفسيفساء الإثيوبية، رغم الاختلافات الشديدة.

والمشروع بذاته ليس حديثا، بل إنه يعود إلى ستينيات القرن الماضي، إبان النظام الإمبراطوري، وأعيد إحياؤه في ظل حكم أقلية التيغراي، ووضع حجره الأساس من قبل رئيس الوزراء الأسبق، ميليس زيناوي، عام 2011، فيما حقق آبي أحمد أكبر الإنجازات في مسيرة تشييده.

وقال صالح: "تستطيع أن تقول إن كل مواطن في إثيوبيا له سهم في هذا السد، كشركات ومؤسسات وأفراد، دفعوا أموالا باعتباره قضية أمن قومي استراتيجية، فضلا عن الفوائد المادية المترتبة عليه".

ولفت صالح إلى انسجام جميع المكونات مع المشروع واتحادها خلفه، بمن فيهم المسلمون، الذين كان يتوقع أن يكون موقفهم أقل بروزا بالنظر إلى ما عانوه من ظروف في إثيوبيا طوال السنوات الماضية، وبالنظر إلى أن المشروع يضر مصر.

وبالفعل، برز مشروع السد كطموح يقف خلفه كل الإثيوبيين، رغبة بالحصول على الكهرباء الرخيصة وما يترتب عليها من فرص تنمية صناعية وزراعية، وأمن، فضلا عن تصدير كميات من الطاقة لدول الجوار، بحسب الخبير الأفريقي.

 

اقرأ أيضا: 10 محطات رئيسة في مسار أزمة سد النهضة.. تعرف إليها

وبالنظر إلى أن آبي أحمد يمثل مرحلة انتقالية، مع طموحه بالبقاء، فإن مشروع سد النهضة يمثل قيمة إضافية وفرصة لا تعوض.

وتولى أحمد، القادم من جهاز الاستخبارات، رئاسة الحكومة بصيغة "انتقالية"، عام 2018، بعد مرحلة من الفوضى والاحتجاجات على حكم أقلية التيغراي، الذي استمر منذ مطلع التسعينيات.

وكلفت الحكومة المؤقتة بتهيئة الظروف في البلاد وإنهاء النزاعات لاستئناف العملية الديمقراطية، وقد حقق نجاحات كبيرة، منحته جائزة نوبل للسلام عام 2019. لكن شكوكا حول احترامه التفاهمات التي جاء بموجبها لسدة الحكم، واتخاذه خطوات لتعزيز موقعه أدى أخيرا إلى اندلاع حرب تيغراي العام الماضي، والتي لا يزال يعاني من آثارها، وخاصة المتمثلة بعقوبات أمريكية واتهامات بارتكاب جرائم.

وأكد صالح، في حديثه لـ"عربي21"، أن آبي أحمد تمكن من حصد الكثير من التأييد لمضيه بالمشروع حتى أنجز الملء الأول لبحيرة السد العام الماضي، وبتنا على أعتاب الملء الثاني صيف هذا العام.

 

اقرأ أيضا: ما مخاطر وفوائد سد النهضة الإثيوبي على السودانيين؟

وأشار الخبير بالشؤون الأفريقية إلى ظهور أصوات تأخذ على الحكومة انشغالها أحيانا بشيء من الأخذ والرد مع الأطراف الخارجية، ما دفع أحمد إلى اتخاذ قرار بالمضي وعدم التوقف بغض النظر عن المفاوضات ونتائجها.

وقال: "استكمال السد، الذي تم إنشاء 80 بالمئة منه حتى الآن، والحفاظ عليه، وتنفيذ الاستراتيجية المرتبطة به، يحافظ على درجة عالية جدا من نسبة التأييد وتماسك اللحمة الداخلية الإثيوبية".

لكن صالح لفت إلى أن البعد السياسي لم يكن حاضرا بقوة عندما أعيد إحياء فكرة السد إبان حكم التيغراي، بل طرح كمشروع اقتصادي بامتياز، وهو ما دفع السودان، إلى دعمه سابقا، بل إن خبراء سودانيين اعتبروا أن السد سيكون مفيدا لبلادهم أكثر من إثيوبيا نفسها، بالنظر إلى حجزه كميات من الطمي تتيح للسدود السودانية إنتاجية أكبر من الكهرباء، فضلا عن تنظيم تدفق المياه ما يرفع كفاءة الري، وغيرها.

وبشأن الوصول إلى مرحلة "التشنج" الحالية في ملف السد، وخاصة بين إثيوبيا ومصر، فإن التقاطعات الداخلية والخارجية تبرز بوضوح.

 

اقرأ أيضا: حصص الماء التاريخية لمصر ومخاطر تراجعها بفعل سد النهضة

ولفت صالح إلى أن من الأسباب التي أدت لهذا التشنج الاعتقاد الإثيوبي بأن ما تقوم به مصر في السودان، يستهدفها بالدرجة الأولى؛ "والمتابع للملف يعرف أن الخرطوم كانت داعمة للمشروع، ثم تغيرت نبرتها بعد عام 2019".

ولذلك، بحسب صالح؛ "تعتبر إثيوبيا أن مصر مسؤولة عن ذلك التحول، وأن لها دورا أيضا في أزمة النزاع مع السودان على أراضي الفشقة".

وفي الوقت ذاته، فإن اللهجة المصرية ارتفعت بشكل كبير مؤخرا، ومن ذلك الحديث عن "خيارات مفتوحة" و"خطوط حمراء"، فضلا عن إجراء مناورات عسكرية مع السودان، واتفاقات مع دول أفريقية أخرى.

وتدفع تلك التحركات أديس أبابا لمزيد من التشنج ورفض مقترحات الحل، بما في ذلك المقترح السوداني بجعل الأطراف الدولية المراقبة شريكة على الطاولة، وهو ما رفضته إثيوبيا وشددت على الاكتفاء بالوساطة الأفريقية، تحت شعار "حلول أفريقية للقضايا الأفريقية".

ولفت صالح إلى أن مرحلة التشنج غير المسبوقة هذه تأتي بعد انتهاء أزمة تيغراي في إثيوبيا، ووسط توترات في إقليم بني شنقول الذي يقام فيه السد.

وأضاف: "هنالك فهم لدى الإثيوبيين بأن مصر ليست بعيدة عن تلك الملفات، وهنالك فقدان ثقة حاد بين الجانبين، رغم غياب الاتهام الرسمي المباشر".