كتاب عربي 21

حفتر والقبائل والرسائل المشفرة

1300x600

جاء لقاء خليفة حفتر بتجمع لممثلي القبائل في ظروف سياسية وأمنية خاصة تحمل في طياتها ما لا يطمئن له حفتر، فكان الترتيب لهذا التجمع، والذي لم يقع بمبادرة ورغبة من الحضور كما أعلن، بل بترتيب من حفتر وداعميه.

الأحداث والوقائع تتبلور وتتطور بشكل سريع منذ هزيمة قوات حفتر في طرابلس، واتجاه حركتها لا يتناغم مع طموح حفتر وسقف تطلعاته، بل بدا أنه لا وجود ولا أثر لنفوذه في خضم التفاعلات السياسية والأمنية والتي انتهت بوقف إطلاق النار واختيار سلطة تنفيذية باتت أمرا واقعا في الداخل ومدعومة من الخارج.

فقد تم ترتيب الوضع السياسي وتشكيل الحكومة وتوافق البرلمان المنقسم على منحها الثقة واضطر حفتر للاعتراف بها، ولأن ملف توحيد المؤسسة العسكرية من ضمن أولوياتها، ولأن التيار قوي وأمواجه عالية فإن حفتر يحتاج أن ينعش وجوده ويعزز نفوذه من خلال تفعيل القاعدة الاجتماعية وإبراز قوته العسكرية، فجاء ملتقى القبائل لإرسال الرسالة الأولى، وكانت المناورات العسكرية لأجل الثانية.

وهو ما يفسر الإشادة بحفتر بشكل مبالغ فيه في الملتقى، فما وقع أشبه بدعاية إعيائية مقصودة تتطلبها المرحلة الصعبة التي يمر بها مشروعه ويواجهها نفوذه.

الغطاء الاجتماعي والمشروعية

تقوم فلسفة بقاء وتحكم القوى التسلطية في مواجهة التحديات الداخلية على استخدام القوة عبر تفويض تمنحه واجهات سياسية واجتماعية موالية لها، حيث يتم إقصاء كافة المجموعات المناوئة لها ومن ثم قمعها بمباركة من تلك الواجهات، فيخلو الأمر للسلطة المتنفذة وتمنحها تلك الواجهات المشروعية التي تريدها في سبيل مواجهة المزيد من التحديات الداخلية.

 

التصدع في قاعدة حفتر الاجتماعية وحتى العسكرية يشكل تهديدا يمكن أن يتعاظم في حال نجحت حكومة الوحدة الوطنية في ترتيب السلطة واحتكار القرار في كافة ربوع البلاد،

 



في هذا السياق يمكن تفسير التجمع الكبير لممثلي القبائل، ولهذه الغاية تم عقده، فحفتر ليس فقط قلق من الضغوط السياسية الناجمة عن التحولات المهمة التي وقعت على المسارين السياسي والأمني، بل يواجه تصدع قاعدته الاجتماعية في الشرق، وصار الصوت الرافض لتفرده بالقرار ولإطلاق العنان لأبنائه ليصبحوا سلطة أمر واقع فوق القانون وضد حتى المتعارف عليه اجتماعيا جهوريا.

التصدع في قاعدة حفتر الاجتماعية وحتى العسكرية يشكل تهديدا يمكن أن يتعاظم في حال نجحت حكومة الوحدة الوطنية في ترتيب السلطة واحتكار القرار في كافة ربوع البلاد، ولأن الإدارة الدولية الداعمة لحكومة الوحدة الوطنية تسير في هذا الاتجاه، فإن التصدع في جبهة حفتر قابل للزيادة وهو ما يمثل القلق الأكبر له، ولهذا احتاج إظهار التأييد الشعبي والاجتماعي "الواسع"، وأنه قادر من خلال هذا التأييد على رأب الصدع ومعالجة الشرخ الكبير في جبهته.

خطاب التحذير ورسائل التهديد

كلمة حفتر المقتضبة والمعدة بعناية تطلب تفويضا لسياسة تعزيز النفوذ وإسكات الأصوات المعارضة من داخل معسكر الكرامة، ومنع اختراق حكومة الوحدة الوطنية لجبهة حفتر ونفوذه في الشرق، ذلك أن سياسة تفكيك المعارضة الداخلية عبر العمليات المحدودة كالتصفية لن تجدي في مواجهة المجموعات التي تتحدى سلطة حفتر وتقاوم تفرده المطلق بالقرار في الشرق الليبي، وبات هناك ضرورة لسياسة معلنة تحظى بغطاء اجتماعي قوي حتى يستعد حفتر للمرحلة القادمة سواء ما تعلق بتحديات ترتيب الوضع الأمني والعسكري، أو الاستعداد للانتخابات العامة.

اتسع الخرق على الراقع

التحديات التي يواجهها حفتر لا تقتصر على المعارضة من داخل جبهته أو انعزال مكونات اجتماعية مهمة عن خطه السياسي مثل العبيدات والعواقير وغيرهم، فالتحدي يرجع أيضا إلى تغول بعض الفواعل الأمنية من بينهم أبناؤه، وهناك مؤشرات واضحة على أن ما يقع من ردود فعل عنيفة ضد المعارضة الداخلية إنما هو بأمر من أبنائه أو بعض النافذين الأمنيين ضمن منظومته، ويعد هذا الخلل من أبرز مظاهر أزمة نفوذ حفتر ومن أهم أسباب تنامي السخط عليه داخل المكونات الاجتماعية في بنغازي وغيرها من مدن الشرق.

عليه يمكن القول إن تحركا سياسيا وأمنيا لحفتر سوف يتبلور بشكل أوضح خلال الأسابيع القادمة، وسيكون له أثره السلبي على المسار السياسي والأمني، وبالقطع سيفضي إلى مزيد من التصدع داخل معسكره.