مدونات

حاتم علي.. المبدع الذي ترجّل

كاتب آخر
شكل خبر وفاة المخرج السوري حاتم علي فاجعة لدى شريحة واسعة من المجتمع السوري والعربي على حدٍ سواء، فأعمال الفقيد علي المنحدر من منطقة الجولان السوري؛ مثلت علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية والعربية، وأعماله وأفكاره وإنجازاته شاهد حي على مسيرة زاخرة بالنجاحات، بل واستثنائية في العمل التلفزيوني الذي حفر عميقاً في ذاكرة الشعوب العربية.

اختيارات المخرج الفقيد كانت موفقة وهادفة إلى حدٍ كبير، وكلما ذُكر حاتم علي ذكر مسلسل "التغريبة الفلسطينية"، وكذلك مسلسل "عمر"، ومسلسل "صلاح الدين الأيوبي"، في نوستالجيا فريدة خاطبت المخيلة العربية بأسلوب مميز، بالإضافة للعديد من الأعمال الدرامية الأخرى، نذكر منها ثلاثية الأندلس، وهي سلسلة تلفزيونية تاريخية سورية تحكي قصة الأندلس منذ فتحها إلى سقوطها، علماً أن جميع هذه الأعمال التي ذكرت سابقاً لكاتب واحد هو السيناريست الفلسطيني الدكتور وليد سيف، الذي شكل مع الفقيد حاتم علي ثنائية قل نظيرها ما بين كاتبٍ ومخرج.

لقد برع المخرج حاتم علي الذي سكن في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق، بالنبش في ذاكرة الشعب الفلسطيني، عبر إزاحة اللثام عن حقيقة مأساة النكبة الفلسطينية عام 1948، ليعيش الجيل الرابع من أبناء النكبة حياتهم اليومية عبر مشاهد "التغريبة الفلسطينية"، واستطاعت كاميرا حاتم علي تجسيد حالتي الصدمة والضياع بأسلوبٍ أعاد إنتاج المأساة والكفاح بلغةٍ فنية خاطبت العقل والوجدان، ليكون هذا العمل التوثيقي أول إنتاج عربي كبير ومؤثر يتحدث عن مأساة الشعب الفلسطيني في مواجهة سيل من الأعمال الدرامية والمسرحية والسينمائية والتلفزيونية الصهيونية التي استدعت قصص الهولوكوست (المحرقة النازية) لإضفاء "الشرعية" على اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، وممارسة أقسى أشكال القمع والاضطهاد ضده.

ورغم نجاحاته الكبيرة والمتكررة فقد تم فصله من نقابة الفنانين بسوريا، بذريعة عدم تسديد الرسوم المترتبة عليه، فيما الحقيقة تعكس موقفاً مشرفاً للفقيد حاتم علي الذي انحاز مع بداية الأزمة السورية لثورة الشعب السوري، ورفض الظلم والاستبداد، وبالتالي مغادرته بلده سوريا لينهي حياته ومسيرته الكبيرة في العاصمة المصرية القاهرة، بعيداً عن بلد الياسمين.

بحزمٍ، رفض حاتم علي إنتاج أي عملٍ فني لا يحمل قيمة معرفية وثقافية إبداعية يقبلها جمهوره، مشترطاً وجود مساحات من الحرية بعيداً عن أي دور سلبي يلعبه تدخل الرقابة الحكومية في أعماله الدرامية، وأفكاره الإبداعية.