كتاب عربي 21

ذكرى الانتفاضة العربية ومسؤولية الإخوان

1300x600

تمر هذه الأيام ذكرى انطلاق شرارة الانتفاضة العربية قبل عشرة أعوام في ديسمبر/ كانون الأول 2010 في تونس.

 

وكما في مثل هذا الوقت من العام الماضي والأعوام التي سبقته، ولعل ذلك يتكرر في مثل هذا الوقت من أعوام قادمة عديدة، يكتب أصحاب الرأي والخبرة والاهتمام عما آلت إليه الأوضاع في العالم العربي منذ ذلك الحين، وبشكل خاص بعد نجاح الهجمة المضادة في إحباط آمال العرب في التخلص من الاستبداد والفساد.
 
ومن ذلك ما نشره موقع ميدل إيست آي من مقال باللغة الإنجليزية للباحث المصري خليل العاني، نشرت له ترجمة في موقع عربي21. ولقد لفتت نظري في مقاله الفقرة التالية:
 
"وفشل الإخوان المسلمون في مصر في الحكم بسبب قلة الخبرة في إدارة شؤون الدولة، ونتيجة لذلك تآمرت عليهم قوى النظام القديم، فاتسعت هوة الشك والريبة واختارت الحركات العلمانية التحالف مع العسكر للتخلص من الإخوان المسلمين.

 

وما زالت هذه الانقسامات بين الإسلاميين والعلمانيين تؤدي دورا مهما في إدامة الأزمة في مصر، بعد مرور سبعة أعوام على الانقلاب."
 
فيما عدا هذه الفقرة وأسطراً قليلة تسبقها أو تتبعها، يتحدث الكاتب في مقاله أساساً عن حتمية عودة الربيع وانطلاق موجة جديدة من الثورات، حيث إن الأسباب التي فجرت الثورة ابتداء مازالت موجودة، وبشكل أشد.
 
لم يكن من داع للفقرة المذكورة أعلاه إذن، إلا أن يكون الكاتب أراد بها توفير صمام الأمان أو تقديم القربان الذي بات لابد منه كلما تكلم أكاديمي أو ناشط سياسي عن الثورات العربية.

 

بات مألوفاً أن كل من يكتب في الموضوع، وخاصة باللغات الأجنبية، لابد أن يلمز بجماعة الإخوان المسلمين محملاً إياها بعضاً من المسؤولية – وفي بعض الحالات جلها – عن الإخفاق الذي حصل.
 
تقديم مثل هذه القرابين لا يقتصر على مراقبين من الخارج، بل فعله كذلك بعض الإخوان أنفسهم، ومنذ الأسابيع الأولى بعد الانقلاب على الديمقراطية في مصر في يوليو/ تموز 2013.

 

وأذكر أن بعضهم فعل ذلك نزولاً عند نصيحة من ظنه ناصحاً أميناً، بأن الحديث عن الانقلاب ينبغي أن يشتمل على اعتراف بأخطاء ارتكبها الإخوان حتى يضمن المتحدث أن الآخر، وخاصة في الغرب، يستمع إليه ويقدر له ما يقول.

 

ولكن بعضهم فعل ذلك من باب الإحباط أو من باب الرغبة في الانتقام للذات، لأسباب ذاتية لا علاقة لها بأداء الإخوان على الإطلاق، والأغلب أن لها علاقة بخلافات شخصية.
 
بالعودة إلى الفقرة أعلاه في مقال خليل العاني، يرى الكاتب أن فشل الإخوان في الحكم بسبب قلة الخبرة في إدارة شؤون الدولة نجم عنه تآمر قوى النظام القديم.

 

يشبه هذا الزعم بعضاً من المزاعم التي سمعناها تقال على مدى الأعوام السبعة الماضية دون أن يقدم أصحابها دليلاً واحداً عليها.
 
كيف يمكن للمرء، وخاصة إن كان باحثاً في علوم السياسة، أن يثبت أن الإخوان فشلوا في الحكم؟ وهل من المألوف حتى في أعرق الديمقراطيات أن تصدر أحكام على حكومة منتخبة بأنها فشلت بعد عام واحد فقط في الحكم رغم أن فترة حكمها التي انتخبت من أجلها من المفروض أن تمتد إلى أربعة أعوام؟ وهل يستوى أن تتهم حكومة بأنها فشلت إذا كان الذي أسقطها انقلاب عسكري دموي ممول من قبل قوى إقليمية مستبدة وبتواطؤ من قبل قوى دولية كبرى وليس بسبب انتخاب حر عبر صناديق الاقتراع؟
 
لو أردنا أن نشبه ما وقع من انقلاب في مصر بجريمة يُجمع العالم على استنكارها، يمكننا أن نستحضر حالة فتاة تتعرض للاغتصاب في وضح النهار ثم يخرج البعض بتحليلات تعطي الانطباع بأن الفتاة تتحمل جزءاً من المسؤولية – أو جلها – عن الجريمة التي ارتكبت بحقها، تتراوح بين من يقول إنه ما كان ينبغي لها أن تخرج من بيتها، ولو لم تخرج لصانت نفسها، وبين من يقول إنها لو لم تكن مرتدية لزي كذا وكذا ولم تظهر بالشكل الفلاني لما حرضت عليها مغتصبها.
 
إن من المعيب أن يصدر عن أي إنسان ما يعطي الانطباع بأن ضحية جريمة بشعة كان هو السبب في ما تعرض له من عدوان سافر.
 
إن مما يرسخ القناعة لدي بأن الإخوان في مصر لم يفشلوا، بل كانوا يحققون إنجازات ونجاحات باهرة رغم كل الصعاب، أن خصومهم خشوا من أن تستمر هذه النجاحات على مدى الأعوام الثلاثة المتبقية لهم في الحكم وأن تتعزز بذلك مسيرة التحول الديمقراطي في أهم قطر عربي على الإطلاق، فعاجلوا الجماعة بضربة قاضية على الرأس، فأسقط الرئيس المنتخب ديمقراطياً، وزج به وبعشرات الآلاف من إخوانه في المعتقلات – ما لبث أن قضى هو وقضى كثيرون منهم نحبهم في عقاب جماعي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة – وذبح المئات من المعتصمين السلميين بدم بارد في رابعة والنهضة وغيرهما، وشرد عشرات الآلاف منهم إلى أقاصي الأرض.
 
لو أن الإخوان فشلوا فعلاً لاكتفى بذلك خصومهم، ولتركوهم للشعب ليصدر حكمه عليهم، وحكم الشعب على من يفشل أشد وأخطر.

 

ولكن أدعياء الليبرالية في مصر، وحراس الاستبداد في أبوظبي والرياض خشوا من استمرار الرئيس مرسي يوماً واحداً في الحكم، لأن مضاجعهم كانت تزداد أرقاً مع مرور كل يوم جديد له في الرئاسة ولحكومته في تنظيف البلاد من عقود من الترهل والفساد والتبعية والوضاعة.
 
لم يكن لا رئيس مصر المنتخب رحمه الله ولا أحد من أعضاء الجماعة التي ينتسب إليها معصوماً عن الخطأ، بل هم بشر ممن خلق الله يجتهدون فيصيبون أو يخطئون، وينتابهم ضعف أحياناً فيزلون، ومثلهم مثل غيرهم من الجماعات قد تتباين بينهم وجهات النظر، وقد يختلفون فيما بينهم فيخرج من صفوفهم كرام لا ينسون فضلاً كان بينهم وبين إخوانهم، ويخرج من صفوفهم من يفجر بعد خصومة، وقد رأينا نماذج معيبة من ذلك داخل مصر وخارجها.
 
لكن ما وقع من انقلاب في مصر وانحسار لمسار التحول الديمقراطي لا علاقة له بما يمكن أن يكون الإخوان قد وقعوا فيه من ضعف أو خطأ، لأنه حتى لو كان رائد المسيرة الديمقراطية علمانياً أو من أي ملة، ولكنه كان صادقاً مخلصاً للشعب يناضل من أجل حريته وكرامته وازدهاره لتعرض لنفس المؤامرة ولوجهت له نفس سهام الغدر.
 
وقد يفهم القارئ من تلك الفقرة في مقال العاني أن فشل الإخوان في الحكم وفر أيضاً مبرراً لتحالف الحركات العلمانية مع العسكر في ما ارتكبوه من جريمة بحق مصر الدولة والشعب، بل وبحق الأمة قاطبة، وأنه كان سبباً في استمرار الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين مما عمق الأزمة وأدامها حتى اليوم.

 

إن الذين تحالفوا مع العسكر أو تواطأوا معهم – أياً كان فكرهم أو كانت ملتهم – إنما هم شركاء للعسكر في الجريمة.

 

هؤلاء، وإن فعلوا ما فعلوه كراهية للإخوان أو حسداً منهم، لا يؤتمنون على مصير البلد ولا على مصالح الشعب.

 

هؤلاء كذبوا إذ رفعوا شعار الليبرالية وتشدقوا بالديمقراطية، وهم في ذلك لا يقلون نفاقاً عن محبيهم في الغرب الذين لم يكتفوا بالسكوت على جريمة السيسي بحق الشعب المصري بل راحوا من بعد يؤازرونه ويوفرون له الغطاء السياسي والدعم الاقتصادي والعسكري، ويغضون الطرف عن انتهاكات نظامه البشعة لحقوق الإنسان.

 

والخلاف في مصر ليس خلافاً فكرياً أو عقائدياً، بل هو خلاف على منهج، هناك من يريد الحرية للناس وهناك من يتواطأ على إدامة استعباد المؤسسة العسكرية لهم. هذا هو الخلاف، ولا خلاف سواه.
 
وأخيراً، وكأني بمن ينسب الفشل إلى الإخوان يرى أن ثمة نجاحاً كان قبلهم أو من بعدهم. لو كان مبارك ناجحاً في إدارة شؤون مصر، فلم ثار الشعب عليه وأسقطه وطالب بمحاكمته هو وزبانيته؟ وأين هم المصريون الذين يرون اليوم أن السيسي نجح حيث أخفق مرسي؟ هل يرى هؤلاء أن السيسي نجح في توفير رغد الحياة للشعب المصري وضمن الحرية والكرامة للناس؟ هل مصر اليوم أحسن حالاً مما كانت عليه أيام المخلوع مبارك؟
 
ما لكم كيف تحكمون؟