حقوق وحريات

"عربي21" تحاور مقدسيا استهدف الاحتلال عيون أطفاله (صور)

تطلق قوات الاحتلال النار بشكل وحشي على الأطفال المقدسيين- جيتي

حاورت "عربي21" مواطنا فلسطينيا من قرية العيسيوية شرقي القدس المحتلة، استهدف الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية عيون أطفاله.

 

بدأت جراح عائلة "أبو صلاح" عام 2010، حين كان ابنهم البكر في السابعة عشر من عمره، حين تلقى رصاصة من جنود الاحتلال أفقدته إحدى عينيه، وذلك في باحة المسجد الأقصى.

 

وبعد خمس سنوات، فوجئت العائلة بإصابة الابن الثاني خليل (١٧ عاما) برصاصة من سلاح (ام ١٦) في رأسه؛ ما تسبب بإصابته بشلل نصفي قلب حياته رأسا على عقب.


وقبل أيام قليلة أطلق جندي إسرائيلي رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط صوب الابن الثالث عمر (١٨ عاما) لتصاب عينه بشكل مباشر ويوشك على فقدانها.


ويقول والد الأشقاء الثلاثة لـ "عربي٢١" إن الذي مرت به العائلة ليس سهلا أبدا؛ فثلاثة فتية فيها أصيبوا برصاصات الاحتلال التي تركزت على منطقة الرأس والوجه وتحديدا العين.


ويوضح بأن "إصابة عمر كانت أسفل عينه ولا يرى فيها جيدا؛ وأصبحت هناك درجة واحدة بين العمى والبصر، ولكنه ما زال يراجع الأطباء".


ورغم إصابته الشديدة إلا أن قوات الاحتلال اقتحمت منزله بهدف اعتقاله؛ وقام الجنود باستجوابه وهو مصاب وينزف دماً وحاولوا اعتقاله؛ إلا أن إصابته الشديدة منعتهم من ذلك.


ويضيف الوالد: "الإصابات لأبنائي قلبت حياتنا رأسا على عقب؛ فليس من السهل التعامل مع اثنين من العائلة أحدهما فقد عينه والثاني على وشك ذلك؛ والثالث مصاب بشلل نصفي، كله بسبب استهتار الجنود وتوجيه سلاحهم العشوائي صوب الفتية والأطفال".


وحول ملاحقة الاحتلال قانونيا يرى والد الفتية أنه مضيعة للوقت والجهد والمال؛ حيث أن غالبية القضايا التي رفعت بحق الاحتلال قوبلت بالإغلاق وعدم محاسبة الجنود المسؤولين عن الإصابات.


ويعتبر بأن العلاج للفتية أهم من تعويضهم ماليا؛ حيث أنهت الرصاصات أحلامهم ومستقبلهم وباتوا حبيسي المنزل وخاصة خليل الذي لا يتمكن من الحركة وحده.

 

محاكم غير عادلة
عائلة الطفل مالك محيسن من بلدة العيسوية قررت بدورها أن تلاحق الاحتلال قضائيا بعد أن فقد ابنها عينه برصاصة من جندي إسرائيلي صوبها نحوه وهو عائد من مدرسته قبل تسعة أشهر.


ولكن هذه الدعاوى قوبلت بالرفض بعد أن قررت محكمة الاحتلال إغلاق ملف التحقيق في قضية مالك بحجة عدم كفاية الأدلة؛ الأمر الذي رأت فيه العائلة كيلا بمكيالين لأن الاحتلال يقوم باعتقال الفلسطينيين مستخدما أكثر الأساليب تطورا في التحقيق وجمع الأدلة؛ ولا يتوانى عن محاسبتهم حتى لو كانوا أطفالا صغارا.

 

ويقول والد مالك لـ "عربي٢١" إنه رغم إغلاق ملف نجله لم يفقد الأمل بعد في محاسبة الجندي المسؤول عن إصابة طفله وتغيير حياته للأبد، وأنه سيتوجه للمؤسسات الحقوقية والإنسانية محليا ودوليا حتى يتم "وضع الجندي في قفص الاتهام".

 

ويشرح الوالد حالة مالك؛ حيث أصيب وهو يقطع الشارع عائدا من مدرسته واستقرت الرصاصة في رأسه بعد تفجير عينه؛ وعانى بعدها من نزيف في دماغه وأجريت له عدة عمليات جراحية.


ويضيف: "كطفل في التاسعة من عمره لا يفهم مالك أنه فقد عينه للأبد؛ ويردد دائما أنه يريد استعادتها ويريد أن يعود لسابق عهده؛ ونحن نحاول أن نجعله يتأقلم مع الواقع الجديد ولكن الأمر صعب للغاية".


ومنذ إصابته تعطل مالك عن دراسته؛ حيث كان يدرس في الصف الثالث الابتدائي وأدت الإصابة إلى تغيبه عن مقاعد الدراسة؛ وهو ما فاقم الوضع النفسي لديه بشكل كبير.

 

ويرى والده بأن محاسبة الجندي الذي أصابه في عينه ستخفف ولو قليلا على نفسية مالك وستشعره ببعض العدل في قضيته؛ ولكن يبدو أن الحياة مع الاحتلال لا توفر هذا الناحية.


ورغم قناعتها أن محاكم الاحتلال لا تنصف الفلسطينيين؛ إلا أن العائلة تنوي تقديم استئناف على قرار إغلاق ملف التحقيق، وذلك لطرق كل الأبواب في سبيل إدانة الاحتلال واستهتار الجنود.


آثار بعيدة المدى
وفي إحصائية مقدسية جديدة تبين أن أكثر من ٢٠ طفلا وفتى مقدسيا فقدوا أعينهم منذ بداية العام برصاص الاحتلال، ورغم الألم الجسدي المصاحب للإصابات إلا أنها تترك آثارا واسعة لا يدركها الكثيرون.


ويوضح والد الفتية صلاح وخليل وعمر أن الإصابات تؤثر على الجانب النفسي إلى جانب الآلام الحادة والأوضاع الجديدة التي يضطر الطفل للتعامل معها، حيث أن الإصابات تكون في عمر مبكر لا يستوعبون به أن حياتهم تغيرت للأبد.

 

ويشير إلى أن أبناءه كانوا من المتفوقين في مدارسهم ولكنهم بعد الإصابات فقدوا حقهم في التعليم؛ وهذا بدوره أثر كذلك على التحصيل الأكاديمي لأشقائهم الثلاثة الآخرين، بحيث أصبحوا يخافون من كل شيء، وحين يسمعون أصوات إطلاق النار أو الألعاب النارية تصبح لديهم حالة من التوتر والقلق.


أما مالك ورغم أنه حديث العهد بالإصابة إلا أنه يعيش ظروفا نفسية صعبة؛ فكثرة المكوث في المستشفيات والتردد على الأطباء أحدث لديه نوعا من ردة الفعل التي جعلته يبكي كلما يحل موعد مع طبيبه؛ كما أنه يشعر بأن كل هذا العلاج لن يعيد له عينه فيتعامل بطريقة تظهر اليأس من كل هذه الزيارات.

 

ويؤكد والده بأن تركيب عين زجاجية له لم يفلح في تغيير حالته النفسية لأنه يريد عينه ويريد أن يرى بها، موضحا أن العائلة تحاول التعامل مع الواقع الجديد وألا تفقد الأمل.

 

الاستهداف الممنهج
بلدة العيسوية سجلت أعلى معدل في الإصابات بالأعين بين الأطفال والفتية بواقع ستة منهم فقدوا أعينهم، ولذلك أسباب كثيرة أبرزها محاولة إجبار أهلها على مغادرتها لصالح مشاريع استيطانية، بحسب مقدسيين.


ويؤكد مسؤول اللجنة الشعبية في البلدة محمد أبو الحمص بأن الاحتلال يستخدمها ساحة لتدريب جنوده على إطلاق النار؛ وهو ما يفسر تسجيل عدد كبير من الإصابات بين أهاليها.


ويقول لـ"عربي٢١" إن الإصابات عادة ما تتركز على الرأس والصدر، ويكون الهدف أمام الجندي هو أن يصيب الشخص بغض النظر عن عمره أو مكان تواجده.


ويبين أن التدريبات التي يقوم بها الجنود هي لقمع الفلسطينيين ولاستهداف أهالي العيسوية، حيث سجلت منذ بداية العام الحالي أكثر من ست إصابات في العين لشبان وفتية، وهو ما يوضح نية الاحتلال استهداف الأهالي دون الاكتراث لآثار ذلك.


ويرجح أبو الحمص السبب خلف اتخاذ البلدة مركزا لتدريبات الجنود في القدس؛ هو أنها البلدة المقدسية الوحيدة التي لا توجد فيها بؤر استيطانية، وبالتالي فإن الاحتلال يستخدم الرصاص فيها بشكل عشوائي لأن الهدف دائما سيكون فلسطينيا، حسب تعبيره.

 

ويتابع القول: "الهجمة الشرسة التي تعيشها البلدة بلغت ذروتها في هذا العام؛ حيث وصل عدد المعتقلين إلى ١٣٠٠ شاب وفتى خلال عام ونصف؛ هذا إلى جانب الإصابات التي يتم تسجيلها بالعشرات شهريا ما بين اختناقات وجروح".


أما عن تكيف أهالي البلدة مع هذه الاعتداءات؛ فيؤكد أبو الحمص أن لديهم إمكانيات بسيطة في جمع التبرعات لمن يصاب برصاص الاحتلال ويفقد عينه، ولكن اجتماعيا لا يسمح الاحتلال لأي مؤسسة من أي جهة فلسطينية بتقديم رعاية اجتماعية ونفسية للمصابين وعائلاتهم".


ويشير الناشط إلى أن الاحتلال وبعد التسبب بكل هذه الإصابات يتهرب قانونيا ويغلق الملفات المتعلقة بها؛ وهذا ما حصل مع الطفل مالك عيسى الذي اعترف الجندي بأنه كان ينظف سلاحه فانطلقت الرصاصة منه وأصابت الطفل، ورغم ذلك أغلق الاحتلال الملف بالتحقيق بزعم عدم وجود أدلة كافية.


من جانبه يؤكد أبو صلاح بأنه لا مكان آخر يذهب إليه أهالي العيسوية؛ وأن هذه الحملة الممنهجة التي يشنها الاحتلال ضدهم لن تنجح في ترحيلهم عن منازلهم التي عاشوا فيها طوال حياتهم ولا يملكون مكانا آخر يذهبون إليه.