قضايا وآراء

لقاح كورونا المصري.. هل يدعمه السيسي ماليا بدل بناء القصور؟

1300x600

في حوار متلفز تم بثه من القاهرة مساء يوم الخميس 19 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري، كشف وزير التعليم العالي المصري عن إنتاج لقاح مصري لـ"كورونا" قائلًا: "بدأنا إنتاج لقاح مصري ضد كورونا تجاوز مرحلة التجارب قبل الإكلينيكية"، موضحًا أن العام المقبل سيشهد لقاحًا مصريًا ضد "كورونا"، مشيرًا إلى أن الأجسام المناعية التي توافرت في أجسام الحيوانات بسبب اللقاح المصري كانت عالية ومستمرة لفترات طويلة. 

ومن جانبها أعلنت وزيرة الصحة عن اتفاق مصر مع التحالف الدولي للقاحات والأمصال  GAVI للحصول على 20 مليون جرعة من اللقاحات التي ستنجح في الحصول على موافقة الطوارئ من منظمة الصحة العالمية.

وهذا يعني وجود أمرين في منتهى الأهمية بالنسبة للمواطن المصري؛ الأمر الأول هو الأبحاث حول إنتاج لقاح مصري والثانية هي التفاهم مع منظمة الصحة العالمية لتسهيل حصول مصر على حصة معينة من اللقاحات الدولية المعتمدة.
  
وتعتبر المناعة المكتسبة عن طريق اللقاحات واحدة من أهم أساليب الوقاية من الأمراض المعدية، وتقوم فكرة اللقاحات بصورة عامة على إنتاج عقار يمكن له تحفيز رد مناعي عن طريق حقن جزء من شفرة الفيروس الجينية أو الفيروس الميت أو الضعيف داخل جسم الإنسان حسب نوعية التكنولوجيا العلمية المستخدمة في إنتاج اللقاح.

وفي تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط يوم الثاني من شهر شباط / فبراير 2020، أكد المشرف على مركز التميز الفيروسي بالمركز القومي للبحوث وهي مؤسسة علمية حكومية مصرية؛ أن المركز يمتلك تكنولوجيا الهندسة الوراثية العكسية اللازمة لعزل جميع الفيروسات ومن بينها فيروس كورونا المستحدث، مؤكدا على حاجتهم لتعاون أجهزة الدولة والدعم الحكومي وإتاحة التمويل.

 

فى حين أصبح توفير لقاح كورونا هو حديث العالم أجمع حاليا بعد ثبوت فشل نظرية مناعة القطيع على أرض الواقع دون وجود تحصينات فعالة للوقاية من المرض، وفي حين بدأت الموجة الثانية تضرب جميع دول العالم،

 



قامت جامعة القاهرة بالفعل بتوفير مبلغ 40 مليون جنيه مصري (أي ما يعادل 2.5 مليون دولار أمريكي فقط) بحسب تصريحات رئيس الجامعة في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، والتي أعلن فيها أن الانتهاء من إنتاج اللقاح المصري سوف يمتد لفترة ومنية قد تبلغ الست سنوات. 

وهذه الفترة الزمنية الطويلة تتوافق مع المعروف عالميا بأن عملية تصنيع اللقاحات ليست عملية مكلفة فحسب، بل إنها بطيئة عادةً، حيث تستغرق في العادة سبع سنوات لتصميم اللقاح وتطويره والموافقة عليه ثم بدء التصنيع التجاري في منشأة لإنتاج لقاح متعدد التكافؤ بثلاثة منتجات وفقًا للدراسة المذكورة أعلاه. 

ولعل أحد الأساليب الممكنة لمواجهة هذه التحديات هو تطبيق ما يعرف باسم "تقنية تكثيف العملية"، وهي تقنية تصنيع مصممة لتقليص الوقت والمساحة اللازمين لصنع اللقاحات، مع خفض مستوى تعقيد العملية أيضًا. ولكنها تطلب تمويلا عالي التكلفة، وفقا لما تم نشره عام 2017 في مجلة اللقاح الأمريكية.

وفى سياق تناول موضوع التمويل؛ وفي حديث له مع موقع Al-Monitor، الأمريكي قال أحد الباحثين  في برنامج الحق في الصحة التابع للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إنَّ مصر تشارك في العديد من المبادرات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية، التي تهدف بالأساس إلى ضمان التوزيع العادل للقاح الفيروس التاجي، وضمان وصوله إلى الدول النامية مثل مصر التي لا تستطيع تحمل تكلفة اللقاح. رغم أنَّ المشاركة في مبادرات منظمة الصحة العالمية لا تكفي لضمان تطعيم أكبر نسبة من السكان في ظل معوقات كبيرة أبرزها نقص التمويل.

تلزم الإشارة إلى أن جميع اللقاحات التي تم الإعلان عنها حاليا تعرضت لنفس المشكلة ولكن تم التغلب عليها بطرق مختلفة؛ حيث حصلت شركة مودرنا على تمويل مباشر قدره 1.3 مليار دولار من الحكومة الأمريكية، وشركة بيونتك الألمانية توافقت مع شركة فايزر الأمريكية على عقد شراكة لإنتاج اللقاح، وقامت شركة فايزر من جانبها بالحصول على تمويل مالي من الحكومة الأمريكية مقابل توريد 100 مليون جرعة من اللقاح حين الموافقة عليه، وجامعة أكسفورد الإنجليزية العريقة اتفقت مع شركة أسترازينيكا السويدية الضخمة على انتاج اللقاح المشترك، في حين يلقى اللقاح الروسي واللقاح الصيني دعما مباشرا من الحكومة في بلديهما وتحت إشراف الجيش مباشرة باعتباره هدفا استراتيجيا ضمن أهداف الأمن القومي لكل دولة، وهو نفس الهدف الذي سبق وأن أعلن عنه الرئيس الأمريكي منذ بداية الإعلان عن الجائحة أو وباء كورونا.

وفي خطوات متوازية مع الإعلان عن أبحاث وتجارب معملية حول لقاح كورونا المصري، فقد أعلنت الحكومة عند بدء التجارب السريرية على متطوعين مصريين تم حقنهم بالفعل بلقاح من إنتاج شركة سينوفارم الصينية؛ حيث تتولى الحكومة والشركة الصينية الجانب العلمي في الإنتاج، بينما تتولى شركة (G42) الإماراتية للرعاية الصحية عنصر التمويل. 

وفى حين أصبح توفير لقاح كورونا هو حديث العالم أجمع حاليا بعد ثبوت فشل نظرية مناعة القطيع على أرض الواقع دون وجود تحصينات فعالة للوقاية من المرض، وفي حين بدأت الموجة الثانية تضرب جميع دول العالم، وفي حين بدأت أرقام الإصابات الرسمية المصرية في الارتفاع رغم تقييد عدد الاختبارات لتشخيص مرض كوفيد ـ 19 بين المواطنين بصورة عامة، وفي حين وصلت مصر إلى مرتبة متقدمة في ارتفاع نسبة الوفيات في إفريقيا ومنطقة شرق المتوسط، فهل تتنبه الحكومة إلى أهمية اعتبار أن اللقاح مسألة أمن قومي، وهل يأمر السيسي بتوجيه الاعتمادات المالية اللازمة نحو صحة المواطنين، أم أنه سوف يستمر في سياسة إنشاء الكباري وبناء القصور، ويصر على مقولته المشهورة "أيوه أبني قصور،،، وسوف أبني وأبني"..