كتاب عربي 21

رسالة مصرية أم روسية؟

1300x600
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الأسبوع الماضي، اجتماع الطرفين الروسي والمصري من أجل التحضير للمناورات البحرية المشتركة التي ستجري في البحر الأسود باسم "جسر الصداقة 2020". وكانت روسيا ومصر قد أجرتا في كانون الأول/ ديسمبر 2019 مناورات بحرية في البحر الأبيض المتوسط بذات الاسم. ومن المتوقع أن تجري المناورات التي لم تعلن عن موعدها، قبل نهاية هذا العام.

البحرية المصرية ستشارك لأول مرة في تاريخ البلاد في مناورات عسكرية في البحر الأسود، إلا أن الممر البحري الوحيد من مصر إلى البحر الأسود يمر عبر مضيق الدردنيل وبحر مرمرة ومضيق البوسفور، ما يعني أن السفن الحربية المصرية سوف تمر بكامل أسلحتها من داخل تركيا.

إسطنبول شهدت عملا استفزازيا قام به أحد الجنود الروس في كانون الأول/ ديسمبر 2015، حين كانت سفينة الإنزال الروسية "سيزر كونيكوف" تبحر من البحر الأسود إلى بحر مرمرة عبر مضيق البوسفور، وظهر على متنها جندي روسي حاملا على كتفه قاذف صاروخ أرض-جو موجها إلى سواحل المدينة. ومن المحتمل أن يتكرر مثل ذاك الاستفزاز أثناء عبور السفن الحربية المصرية مضيق البوسفور.

المؤيدون لانقلاب الجيش المصري بقيادة عبد الفتح السيسي على الرئيس الشرعي المنتخب وإرادة الشعب المصري الديمقراطية، يعتبرون مشاركة البحرية المصرية في مناورات عسكرية في البحر الأسود "رسالة إلى أنقرة"، مفادها أن تركيا إن تدخلت في ليبيا فإن مصر ستجري مناورات عسكرية بالقرب من حدودها، كما يلفتون إلى أن السفن الحربية المصرية سوف تدخل المياه التركية وتمر من قلب مدينة إسطنبول.

الرسالة التي يدعي أنصار السيسي بأنها موجهة إلى تركيا لا معنى لها، كما أن مشاركة البحرية المصرية في مناورات عسكرية في البحر الأسود لا تتعدى كونها مجرد "استعراض صبياني"، كالذي قامت به الإمارات خلال مشاركتها في المناورات العسكرية المشتركة مع اليونان في البحر الأبيض؛ لأن المناورات، مهما كانت تحاكي أوضاع الحروب، فإنها في الحقيقة ليست حروبا. وقد تشارك السفن الحربية المصرية الآن في مناورات عسكرية في البحر الأسود، إلا أنها في حالة حرب ضد تركيا لن يُسمح لها بالمرور من مضيقي الدردنيل والبوسفور، ولن تصل إلى البحر الأسود.

مشاركة البحرية المصرية في مناورات عسكرية مع روسيا في مياه البحر الأسود رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى الرأي العام المصري، للتغطية على فشل الانقلابيين في مواجهة الأخطار التي تهدد البلاد، على رأسها سد النهضة. ومن المتوقع أن يستغل إعلام الثورة المضادة كل ما يتعلق بهذه المناورات لتلميع سمعة السيسي، وتصويره كقائد كبير حقق انتصارا عظيما ضد الأعداء.

مناورات "جسر الصداقة 2020" إن كانت رسالة موجهة إلى تركيا فإنها رسالة روسية قبل أن تكون مصرية. ومن المؤكد أن موسكو كلما أرادت الضغط على أنقرة استدعت أحد خصوم تركيا إلى الساحة كنوع من الابتزاز. ويكون ذاك الخصم أحيانا تنظيما إرهابيا، كحزب العمال الكردستاني، وأحيانا نظاما معاديا لتركيا، كنظام السيسي الانقلابي.

العلاقات التركية الأمريكية تشهد توترا منذ فترة طويلة بسبب دعم الولايات المتحدة لحزب العمال الكردستاني في سوريا واحتضانها لفتح الله كولن، زعيم تنظيم الكيان الموازي الذي قام بمحاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2016، كما أن واشنطن امتنعت عن بيع منظومة الباتريوت إلى تركيا، رغم طلب الأخيرة شراءها بإلحاح، الأمر الذي دفع أنقرة للبحث عن بديل لسد حاجتها الماسة إلى الدفاع الجوي، ووجدت ضالتها في منظومة أس-400 الروسية.

وإضافة إلى هذه الصفقة، توصلت تركيا وموسكو إلى تفاهمات في الملف السوري، سواء في القمم الثلاثية التي شاركت فيها إيران أو الثنائية التي حضرها الرئيسان التركي والروسي. وفسر بعض المحللين هذه التطورات بأنها دليل على تحالف تركي روسي، إلا أن هناك مؤشرات عديدة، كمناورات "جسر الصداقة 2020"، تشير إلى عدم وجود مثل هذا التحالف إلا في مخيلات هؤلاء المحللين.

الملفات الإقليمية شديدة التعقيد، وقد تتعاون دول في ملف لتقارب مواقفها، ثم تقف ذات الدول على طرفي النقيض في ملف آخر بسبب تعارض مصالحها. ومن المعلوم أن تركيا تدعم وحدة تراب أوكرانيا وترفض الاعتراف بضم روسيا شبه جزيرة القرم. وتطالب أذربيجان بمشاركة تركيا في المباحثات المتعلقة بإقليم قره باغ المحتل، إلا أن موسكو ترفض ذلك، وتصر على أن يبقى الملف بيد مجموعة مينسك التي ترأسها روسيا والولايات المتحدة وفرنسا بشكل مشترك. وتنسف كل هذه المواقف والتطورات مزاعم محللين حول إقامة تحالف تركي روسي.

twitter.com/ismail_yasa