مقابلات

معارض مصري: اقتربت نهاية السيسي ومنظومته تحتضر (شاهد)

الناشط السياسي محمد سعد خير الله قال إن "السيسي فقد رصيده الدولي بالكامل"- عربي21

* السيسي جاء لتخريب وتدمير مصر عن عمد والجيش احتكر الاقتصاد وسحق المجتمع المدني بالكامل

 

* مَن يحكم مصر الآن "عصابة" معدومة الشرف العسكري ولم أر أحط منها في التاريخ

 

* تبني حركة "قادرين" رؤية أمين المهدي للخلاص والتغيير في مصر سبب رئيسي في اعتقاله

 

* سيتم الإعلان عن تدشين حركة "قادرين" في غضون أسبوعين.. وهؤلاء أبرز أعضائها

 

* قانون "التصالح في مخالفات البناء" سيكون مسمارا في نعش النظام.. والدعم الخليجي للسيسي توقف

 

* ترشح سامي عنان لانتخابات الرئاسة كان فرصة نحو حكم مدني لرغبته الحقيقية في "التطهر"

 

* الصراعات داخل المؤسسة العسكرية "كارثية" و"متقلبة".. وما يحدث حاليا صراع مفتوح لن يهدأ

 

* الأزمة ليست في شخص السيسي لأن كل الجنرالات "سيسي".. وصراعنا الحقيقي مع "دولة يوليو"

 

* لو حدث انقلاب على السيسي لن يخرج بيان واحد من أي دولة ديمقراطية بالعالم يشجب أو يدين هذا الانقلاب

 

قال الناشط السياسي والمعارض المصري، محمد سعد خير الله، إن ما وصفها بـ"نهاية رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي قد اقتربت، وأن منظومته الحاكمة فسدت تماما وباتت تحتضر، خاصة في ظل اتساع حالة الغضب التي تعمّ ربوع البلاد بالكامل، وتوقف الدعم الخليجي له، فضلا عن أنه فقد رصيده الدولي بالكامل".

جاء ذلك في مقابلته الخاصة ضمن سلسلة مقابلات مُصورة تجريها "عربي21"، تحت عنوان (ضيف "عربي21").

وذكر خير الله، في مقابلة مُصورة، ضمن حلقات "ضيف عربي21"، أن "السيسي فقد الرصيد الدولي بالكامل، وأنشطته الخارجية باتت تنحصر في شراء الأسلحة بقروض هائلة تقع على كاهل الأجيال القادمة من المصريين"، منوها إلى أن "السيسي جاء لتخريب وتدمير مصر عن عمد، وأن الجيش قد احتكر الاقتصاد، وسحق المجتمع المدني تماما، وأغلق المجال العام، وقتل السياسة".

 


وأشار خير الله، وهو "عضو رابطة القلم السويدية"، إلى أن "حركة (قادرين) المعارضة من المقرر أن يتم الإعلان عن تدشينها خلال أسبوعين على الأكثر"، مؤكدا أن "الحركة الوليدة لها عدد من المؤيدين بالداخل المصري، لكن الإعلان عن أسمائهم لم يتمّ؛ للأوضاع الأمنية".

ودعا المعارض المصري، المُقيم حاليا في أوروبا، كل مَن وصفهم بالمهمومين بالشأن الوطني إلى العمل بأقصى طاقة ممكنة لإخراج مصر من هذا المأزق الراهن"، مُشدّدا على ضرورة إخراج المؤسسة العسكرية من الاقتصاد والسياسية.

وتاليا نص المقابلة مع "ضيف عربي21":

 

كيف ترى اعتقال المفكر السياسي اليساري أمين المهدي؟ وما هي ملابسات واقعة الاعتقال؟

 

بداية، أنا لا أستطيع أن اختزل تعريف المفكر الحر المستقل أمين المهدي في كونه «مفكر سياسي يساري»، ولا أدري السبب وراء نعته في الكثير من المواقع الإخبارية، والصحف، بهذا التوصيف. أمين المهدي أفكاره عابرة للأيديولوجية، فهو مفكر حر ومستقل تماما، ولا أستطيع تصنيفه: ليبرالي أو يساري.

أما عن أسباب واقعة الاعتقال – سأذكر سبب رئيس وليس كل الأسباب - فقد كلفتُ من قِبل اللجنة التأسيسية لحركة "قادرين" (المعارضة – تحت التأسيس) بعد الاتفاق على تبني رؤية أمين المهدي للخلاص والتغيير في مصر، والمعروفة بـ «إعلان المبادئ للتغيير» لإبلاغه بالأمر؛ حتى نحفظ له حقه الأدبي، ثم تفاجأت بعد التواصل معه بيومين أو ثلاث بنبأ اعتقاله.

توجهت وحدة أمنية كاملة مكونة من سبعة ضباط ولواء من جهاز الأمن الوطني إلى منزله بمدينة سيدي جابر بالإسكندرية في حين كان بالإمكان الاتصال به هاتفيا واستدعائه للحضور، لكنها رسالة غير مباشرة ونقلة نوعية غير مسبوقة، لأن أمين المهدي مفكر ويعتبر من أهم منظري ملف الصراع العربي – الإسرائيلي، وتحديدا ملف السلام، فهو رجل دائما يدعو للسلام، وهو أمر كاشف جدا للزيف الذي يمارسه السيسي، باعتباره رجل داعم للسلام فكيف به يقوم باعتقال أحد أكبر منظري الشرق الأوسط لقضية السلام، والعلاقات والتواصل بين الشعوب، بعيدا عن الاحتكار وتجميد مصطلح السلام لصالح الحكومات؛ فتوجه السيسي واضح مع الجميع بلا استثناء؛ فهذا نهج مُنظم، وتكرار للمسلسل غير المسبوق، والذي وصل لمرحلة لا يستوعبها أي عقل من الهزل والخرف وما تعجز معاجم اللغة عن وصفه، ووصف ما يقدم عليه هو وجنرالاته معدومي تماما الشرف العسكري.

ما موقع "أمين المهدي" من حركة "قادرين"؟ وهل كان سيشغل منصبا تنظيما بالحركة الوليدة أم لا؟


أمين المهدي لم ينتمِ أبدا لتنظيم قادرين، وأظن من واقع علاقتي به – باعتباره أستاذي، وصديقي، وبمثابة والدي – أنه لن يكون له مستقبلا أي موقع تنظيمي في أي حزب أو حركة أو ائتلاف، فهو رجل يطرح أفكار، ومؤخرا تم الترحيب بهذه الأفكار من جماعة في "المنفى"، وتتبنى هذه الأفكار كاملة، مع إضافات تكاد لا تُذكر؛ فنحن نتحدث عن رؤية سنُطبق 99% منها، وليس أقل من ذلك، أما أن يشغل موقعا تنظيميا في أي حركة أو ائتلاف؛ فالرجل منشغلا بأمور أخرى كثيرة.

هل ستتأثر حركة "قادرين" باعتقال أمين المهدي؟ وهل قد يتوقف نشاطها؟


على المستوى الإنساني: أقسم أن خبر اعتقاله هو أسوأ خبر سمعته في حياتي، وكان وقع الخبر عليّ كوقع خبر وفاة والدي بعد معاناته مع المرض وأنا في المنفى، فقد انتابتني مشاعر الألم والحزن، إلى جانب مشاعر الإحساس بالذنب التي شعر بها كل أفراد المجموعة، باعتبارنا سببا رئيسا فيما حدث له، وهناك أسباب أخرى لم أتطرق لها حتى الآن.

على الجانب الآخر، فإن واقعة الاعتقال جعلت على عاتق الحركة – وردها الوحيد –إسراع الخطوات نحو الانطلاق والإعلان عن تدشين الحركة في أقرب وقت، وبعد هذا الرد سيكون هناك خيارات كثيرة مفتوحة، وكما يُقال: «على الباغي تدور الدوائر».

إلى أين وصلت الجهود الخاصة بحركة "قادرين"؟ ومتى سيتم الإعلان عنها؟ ومَن هم أبرز رموزها؟


من المفترض أن تنطلق الحركة في غضون أسبوعين على الأكثر، والإعلان عن الكيان، أما عمَن أُعلن عن أسمائهم - حتى هذه اللحظة – من اللجنة التأسيسية هم: الناشط شريف عثمان (ضابط الجيش السابق والمُقيم بالولايات المتحدة)، والناشط هشام صبري (ضابط سابق بجهاز أمن الدولة، وأستاذ القانون بجامعة إنديانا بالولايات المتحدة)، ومسعد أبو فجر (الروائي، والناشط السياسي السيناوي)، وشخصية نسائية هي إحدى أشهر المدافعات عن قضايا المرأة والقضايا الوطنية، (لا أرغب في الإفصاح عن اسمها الآن)، بالإضافة إلى شخصي المتواضع.

وسنعلن عن هذه الأسماء مع الإعلان عن أسماء أعضاء الأمانة العامة، وبهذه المناسبة أقول: «قادرين» لها عدد من المؤيدين مُرضٍ جدا بالداخل المصري، لكن الإعلان عن أسمائهم هم بمثابة تسليمهم تسليما حرفيا لآلة السحق والإجرام التي لا ترحم، على غرار ما جرى مع أمين المهدي لمجرد أننا قمنا بتبني أفكاره، فما بالنا بما سيحدث مع الأفراد الآخرون؟

كيف تقيم حالة المعارضة المصرية في الوقت الراهن؟


ليس هناك الآن معارضة مصرية، فكل مَن له علاقة بالكتابة أو الاستقلال أو الرأي الحر، أو التفرد أو التميز، أو الابتكار هو داخل السجون والمعتقلات المصرية، ومَن هم بالخارج في أحزاب هزلية، كرتونية، ولي تعبير شعبوي لكنه واقعي، وهو: «أحزاب الكسكسي» التي تسمي نفسها أحزابا مدنية، وهم في الحقيقة تحت أحذية العسكر، ويختصرون النضال في الحصول على مقعد أو اثنين في البرلمان، وبالرغم من إيمان بعض الشباب بخطابات زعامات هذه الأحزاب، إلا أن ذلك لم يشفع لهم وتعرضوا للتنكيل والاعتقال عندما قرر هؤلاء الشباب تكوين ائتلافات حقيقية، أما الزعامات فقد ارتضوا التنسيق بطريقة ما مع "محمود السيسي" أو "أحمد شعبان" (مدير مكتب عباس كامل) ليحصلوا على مقاعد في مجلس الشيوخ، وهو ما سيحدث أيضا للحصول على مقاعد في مجلس النواب.

لم تعد هناك معارضة في مصر، والحل أصبح "حلا خارجيا"؛ فموضوع أن يكون الحل من داخل مصر والتعويل على المعارضة الداخلية بات أمرا مستبعدا ومستحيلا؛ فالمعارضين الذين يملكون "شرفا نضاليا" صامتون، أما مَن يظهرون على الساحة فهم في خدمة الجنرالات، ولهم حدود معينة في المعارضة، ولا يستطيعون الاقتراب من الخطوط الحمراء التي تتمثل في: الحديث بأن مَن يحكم مصر الآن "عصابة" معدومة الشرف العسكري، ورأس هذه العصابة – عبد الفتاح السيسي – عليه الكثير من علامات الاستفهام باعتبار أنه جاء لتخريب وتدمير مصر عن عمد، وأن الجيش قد احتكر الاقتصاد وسحق المجتمع المدني كاملا. مَن يتحدث عن هذه الأمور في مصر له مني التحية والتقدير، لكن لن تجده؛ لأن مصيره سيكون السجون والمعتقلات، أما مَن لا يستطيع أن يتحدث بمثل هذا الكلام فليصمت، لأن حديثه سيخدم الدولة المركزية المنحطة، فلم أر أحط من الدولة والنظام المصري الذي تأسس بعد انقلاب 1952، وأظن أنني لن أرى مثله في العصر الحديث أو حتى في التاريخ كله.

البعض يرى أن مصر حُبلى بـ "ثورة" في ضوء التفاعلات الأخيرة التي تشهدها.. هل تتفق مع هذا الطرح؟


اتفق مع جزء من هذا الطرح، ولكن اختلف في التوصيف. مصر حُبلى بانقلاب، بمعنى: هناك انقلاب قادم في مصر، في غضون شهور على الأكثر، فحتى هذه اللحظة ليس هناك رؤية أو برنامجا طُرح ليعرفه الناس في الأزقة والحواري في العشوائيات يقول إن مصر تتجه لثورة، فمصطلح الثورة في العلوم السياسية يعني الحكم، أما ما هو قادم فهو حراك يودي إلى انقلاب على رأس السلطة وتغييرها بـ "سيسي آخر"، فيمضي سيسي، ويأتي سيسي، وكلهم سيسي دون استثناء، وأي شخص متسق مع ذاته يتيقن من ذلك تماما.

هل قد يكون قانون "التصالح في مخالفات البناء" مسمار في نعش نظام السيسي؟ ومن أين جاء السيسي بكل هذا "الجبروت" الذي يتحدث عنه البعض؟


سيكون مسمارا ضمن مسامير كثيرة في نعش نظام السيسي، وهو أمر فُرض عليه، وقد كتبت حول هذا المعنى وذكرت عشرة أسباب تقريبا لتفعيل هذا القانون، منها توقف الدعم الخليجي، فقد رُفض آخر طلب للاقتراض من الإمارات، ثم تحوّل الطلب لطلب ربط معونة، لكنه رُفض أيضا، كما رُفض طلب قرض مماثل من السعودية، وأيضا ألمانيا عندما اشترطت المستشارة أنغيلا ميركل بربط المساعدات بملف الحلحلة في المشهد السياسي وفتح المجال العام وغير ذلك، إلى جانب ما تعانيه مصر من قلة الاستثمار، وضعف الإنتاج الصناعي والزراعي، وتقلص واردات السياحة إلى الربع تقريبا.

وهو ما يختلف عما كان عليه عهد "مبارك"، فقد كانت الأموال التي تتحصل عليها الطبقة الحاكمة من نهب ثروات الشعب تضخ مرة أخرى في المجتمع، في صورة استثمارات أو شركات أو غير ذلك، فكانت سببا في إنعاش الاقتصاد، أما الآن فالفئة المنتفعة من خيرات المصريين تقوم بتحويل الأموال أو تهريبها إلى خارج البلاد، ثم يقوم النظام بفرض المزيد من الضرائب، ولو استطاع السيسي أن يسن قانون يبيح له بيع أعضاء المصريين لن يتوانى عن ذلك.

هناك مَن يقول إن "الجيش بات حذاء في قدم السيسي"، بينما يرى آخرون أن منظومة "دولة يوليو" أكبر من السيسي بكثير.. أي الرؤيتين أصح؟


منذ انقلاب 1952 وهناك صراعا دائرا بين المؤسسة العسكرية ورأس السلطة في قصر الرئاسة، شوهد ذلك في عصر "عبد الناصر"، وأسفر ذلك تسميم عبد الحكيم عامر، ثم في عصر "السادات" وجد هذا الصراع، والذي أسفر عن اغتياله، وإن صُدّر للمشهد بأن وراء الحادث قوى الإسلام السياسي، إلا أن الحقائق تقول إن جميع المتورطين في الحادث من جهاز المخابرات الحربية، وكان مشهد الاغتيال يُعبر عن الواقع: رئيس دولة يُغتال في عرض عسكري دون أدنى دفاع عنه، فكان الأمر جليا، كما تم الانقلاب على مبارك من خلال استغلال ثورة يناير للانقلاب على مشروع التوريث، وقد ظهر بوضوح حقيقة بعض الحركات التي كانت تتبنى معارضة "مبارك" أنها كانت صنيعة الأجهزة الأمنية للانقلاب على مشروع التوريث، بدليل أن قادة هذه الحركات يعملون الآن تحت أحذية الجنرالات، ولولا فساد جمال مبارك وحاشيته كان الممكن إيجاد نقلة نوعية نحو الحكم المدني بعيدا عن جمهورية ودولة يوليو 52.

وفي عهد السيسي ظهر الصراع خلال مشهد ترشح الفريق سامي عنان للرئاسة، وكانت بالتأكيد فرصة نحو حكم مدني، لرغبته الحقيقية في "التطهر"، وقد كنت قريبا جدا من المستشار هشام جنينة، ومن الدكتور حازم حسني، وأعلم أنه كانت هناك ترتيبات للتحول للحكم المدني، وأن الفريق عنان لم يكن ليستمر أكثر من دورة واحدة، ولا أقول هذا الكلام دفاعا عنه، فلا أحد يعلم عن شيئا عن المرحلة التي تلت ثورة يناير، أما المتعاطفين مع موقف الفريق سامي عنان من القيادات الوسطى أو الصغرى في القوات المسلحة فقد عُصف بهم، ومنهم من اُعتقل بالسجن الحربي، وهو ما حدث مع الضابط أحمد قنصوه، وغيرهم، فلم يبق من القيادات إلا "مسوخ" وهم يشبهون لحد كبير السيسي، ومثل هؤلاء صراعاتهم كارثية، ومتقلبة، وهذا الصراع مفتوحا ولن يهدأ، ولا يستطيع أحدهم حسم الصراع بسبب تحالف القوى الدولية أو الخارجية مع بعض الأطراف، مما يجعل يزيد الأمر تعقيدا بشكل كبير.

وأرى أن قطع "دومينو" السيسي السياسية قد انتهت، وأن اللعبة قد أُغلقت، فليس أمامه حلول أخرى، أما التعبير بأن القوات المسلحة أصبحت حذاء للسيسي فهو تعبير غير دقيق.

لكن ما مدى إمكانية حدوث انقلاب عسكري جديد ضد "السيسي"؟ وماذا لو حدث ذلك بالفعل؟


نحن ماضون نحو انقلاب عسكري، وأظن أن توقيته حال رحيل ترامب عن البيت الأبيض، ولا أستبعد أن الجنرالات قد يقدمون السيسي "قربان" للتقرب من الإدارة الأمريكية الجديدة، ويغسلوا بذلك كل التفريط، والبيع والتنازل عن الأراضي والغاز، وتيران وصنافير، والفساد والاقتراض، وصفقات الأسلحة.. وكل الجرائم المُقترفة بحق المصريين، فيكون بمثابة منديل يُمسح به آثار فساد الجمهورية المهترئة المُجرمة التي تحكم مصر منذ 52، وصناعة صورة جديدة.

البعض يختزل الأزمة المصرية في شخص "السيسي" وأنه فقط يتحمل مسؤولة كل شيء.. ما تعقيبك؟ ومَن هم المسؤولين عن استمرار الأزمة حتى الآن؟


الأزمة ليست في شخص السيسي، بل كل الجنرالات سيسي، والأزمة الرئيسية تتمثل في جيش احتكر اقتصاد المجتمع و"أمّمه"، كما سحق المجال العام، وقتل السياسة، ولا بد من خروجه تماما من هذه المجالات كافة، وأهمية الرؤية التي نطرحها أنها تدعو لذلك من خلال آليات وبنود محددة سهلة التطبيق، لتفكك هذه المنظومة لصالح جميع فئات المجتمع، وهو ما يجب حدوثه؛ فلن ترى مصر خيرا إلا بحدوث ذلك، أما اختزال المشهد في السيسي فهو من الخطأ بمكان، لأن المنظومة الحاكمة فسدت فسادا تاما، وباتت تحتضر، في ظل اتساع حالة الغضب التي تعمّ ربوع البلاد بالكامل، وبالتالي ليس هناك مجالا للمراوغة، بعد أن فقدت كل إمكانيات وآليات المبادرة.

كيف تنظر لموقف المجتمع الدولي من فكرة دعم السيسي وموقفه من التغيير المحتمل بمصر؟


أنا أعيش في أوروبا منذ عامين ونصف العام، أؤكد وأتحدى أنه لو تم الانقلاب على السيسي لن يخرج بيانا واحدا من أي دولة في العالم من الدول الديموقراطية يشجب أو يدين هذا الانقلاب، وهذه معلومات وليس استشرافا سياسيا؛ فالعالم الآن يعلم تماما أن عبد الفتاح السيسي بات يمثل خطرا داهما على الجماعة البشرية، لما يقوم به من قمع مائة مليون مصري تحت تهديد السلاح، عن طريق العصابة الحاكمة في مصر، وأن انفجار الأوضاع سيحول أوروبا إلى جحيم، وقد رأينا الأزمة السورية وما نتج عنها من مراجعة منظومة القوانين بعد موجات الهجرة من أشقائنا السوريين، فنحن نتحدث عن أضعاف هذه الأعداد في دولة قريبة تطل على ساحل البحر المتوسط، لذا فرصيده الدولي قد نفد، ولذلك تجده يخرج من حين لآخر في خطاباته يهدد أوروبا – فخطابه غير موجه للمصريين – وآخر تلك الخطابات عندما قال: «لن تنفع لنا أو لغيرنا»، ولو استطاع أن يضرب المصريين بالبراميل المتفجرة لفعل في سبيل استمراره في الحكم.

وخلاصة ما في الأمر أن الجنرالات وعوا ذلك تماما، وترتيباتهم في إطار أن يتحمل السيسي تبعات كل قراراته منفردا، أما ما يشاهده الناس من تعمد إهانة السيسي لمحمد زكي – وزير الدفاع – هو من باب التفنن في إظهار السيطرة والقوة، وأن السيسي فقد الرصيد الدولي كاملا، لذا فأنشطته على المستوى الدولي تنحصر في شراء الأسلحة بقروض هائلة على كاهل الأجيال القادمة من المصريين، أو قروض مالية بفوائد فلكية.

والمتابع للملف الفرنسي – المصري يجد أن السيسي تدخل لدعم الاقتصاد الفرنسي بطريقة غير مسبوقة، فلا تجد دولة أوروبية دعمت فرنسا كما دعمها السيسي، من خلال شراء الأسلحة والقروض وغير ذلك، فهو يتوهم شراء "الفيتو الفرنسي" عندما يحتاجه، لكن في الحقيقة عند الخطر سيُقال له كما قال أوباما لمبارك: «ارحل، وارحل تعني أمس وليس اليوم»، وأنا لا أفضل مساواة هذا "المسخ" بمبارك؛ فمبارك يمكن تصنيفه إلى حد ما رجل دولة، أما هذا فمكانه عنبر الحالات الحرجة بمستشفيات الأمراض النفسية.

ماذا لو استمرت الأوضاع الراهنة بشكلها الحالي لعامين جديدين؟


أن تستمر هذه الأوضاع لعامين فهذه كارثة سوداء، وأقول هذا الكلام وأنا حزين جدا، فأنا أعشق مصر وأتمنى أن تكون من أفضل دول العالم، فلو استمر هذا الوضع عامين فمن الممكن أن نصبح في يوم ما وقد باع السيسي الأهرامات وأبو الهول، أو منحهم لدولة بنظام حق الانتفاع لمدة 50 عاما، فقد أصدر قرارا جمهوريا منذ أيام قليلة بنقل تبعية قصر المنتزه التاريخي إلى رئاسة الجمهورية، وسيتكرر الأمر مع مبانٍ ومنشآت أخرى على هذا المنوال، وهناك "الصندوق السيادي" الذي لا يملك مفتاحه غير السيسي، وبين الحين والآخر ينقل أصول الدولة لهذا الصندوق الذي لا يعلم عنه أحد شيئا، وقد عين عليه أحد أتباعه، وبهذا النهج لن تستمر هذه الدولة ستة أشهر، فضلا عن عامين في ظل مواجهة خطر داهم يتمثل في الملء الأول لخزان سد النهضة، وقد أوشك الملء الثاني على البدء، وهو ما يعتبر خطر وجودي حقيقي يهدد الدولة المصرية.

لكننا نتمنى خيرا، ونتمنى من كل المهمومين العمل بأقصى طاقة ممكنة لإخراج مصر من هذا المأزق الراهن، والمضي قدما نحو دولة علمانية فيها فصل كامل بين الدين والسياسة، والاقتصاد هو ملك للمجتمع، والجيش مكانه حماية الحدود، وليس أسواق الخضار، ودون أن يشرف على "استقدام الراقصات" لتلك النُزل أو الفنادق التابعة له.