صحافة دولية

الغارديان: هكذا تستغل الصين صحفيين مسلمين بقمع الأويغور

عشرات الصحفيين العرب والمسلمين تتم استضافتهم لاستخدامهم في ترويج الرواية الرسمية- جيتي

سلطت صحيفة "الغارديان" البريطانية الضوء على ما اعتبرته "تواطؤا" من صحف "مسلمة" مع الصين، في قضية انتهاكات الأخيرة بحق أقلية الأويغور المسلمة.


وجاء في تقرير للصحيفة، ترجمته" عربي21"، أن الصحفي والمصور المصري، شريف سنبل، كان يلتقط صورا للرقص الشعبي خلال رحلة رسمية إلى إقليم شنجيانغ (تركستان الشرقية)، عندما لاحظ وجود عدد من النساء الأويغوريات في غرفة وهن يتدربن على استخدام آلات الخياطة، واكتشف أنه في معسكر من شبكة التثقيف أو إعادة التعليم التي أقامتها بكين لتغيير هوية السكان المسلمين بالإقليم، حيث تقول الأمم المتحدة إن الصين تحتجز فيها أكثر من مليون مسلم.


وكان سنبل واحدا من 80 صحفيا تمت استضافتهم منذ عام 2015 إلى شنجيانغ فيما يعرف بـ"جولة الصين السياحية لطريق الحرير"، وعاد مقتنعا بأن الروايات عن إساءة معاملة المسلمين غير صحيحة.

 

وقال، بحسب الصحيفة البريطانية: "أسمع كثيرا من الناس يتحدثون عن مراكز التعليم حيث يتعرضون للتعذيب"، ولكن حماس الراقصات أعجبه، "انظر إلى وجوههن وترى ناسا فرحين".

 

وتعلق الصحيفة بالقول إن سنبل هو واحد فقط من المستفيدين من برنامج الحكومة الصينية للتواصل مع الصحفيين غير الناطقين بالإنجليزية، في محاولة قوية للدفع من أجل بناء التأثير.


ففي السنوات الأخيرة وجهت بكين نظرها نحو العالم الإسلامي وأحضرت أكثر من 30 صحفيا من الدول الإسلامية إلى شينجيانغ، في محاولة لـ"دحض" العناوين في الصحافة الغربية التي تتحدث عن انتهاكات حقوقية.

 

وتخدم الجولات الصحفيين هدفين، بحسب "الغارديان"، فالصحافة الصينية تقوم بالتركيز على الزيارات في الصحف القومية وقنوات التلفزة، والتي يتم النقل فيها عن الزوار دعمهم للسياسة المتشددة التي تنتهجها بكين في الإقليم، ومن جهة أخرى، يتم التأثير من خلال "الضيوف"، بعد عودتهم، على مواطني الدول العربية والإسلامية.


وفي مقابلة مع ثلاثة صحفيين مسلمين شاركوا بتلك الجولات، قالوا فيها إن الدولة وفرت لهم مترجمين وفتحت المجال أمامهم للتواصل مع كبار المسؤولين ومقابلتهم وتمت مراقبتهم طوال اتصالهم مع السكان.

 

وقال سنبل إنه قابل فتاة حكم عليها ثلاث سنوات في معسكرات إعادة التعليم بعد أن هاجمت امرأة أخرى لأنها لم ترتد الحجاب.

 

وعلق قائلا: "لقد ارتكبت جريمة.. وافقت على الذهاب إلى معسكر إعادة التعليم، وما الخطأ في هذا؟".

 

وبالنسبة لسنبل ومجموعة الصحفيين المكونة من 12 شخصا، فقد كان مركز إعادة التعليم هو آخر محطة لهم في جولة بدأت من بكين وشملت زيارة روضة أطفال ومسجد وكلية إسلامية بتركستان الشرقية.

 

وتتهم الصين بأنها تريد محو ثقافة المسلمين الأويغور، لكن سنبل يقول إن ما شاهده هو العكس.

 

وبالمثل، فقد أشار مراد يلماز، مراسل صحيفة "حرييت" التركية، أنه شارك في رحلة مماثلة عام 2017، وكتب عنها تقريرين تحدث فيهما بإعجاب عن النمو الصيني داعيا لمزيد من التعاون بين البلدين، خاصة في "مبادرة الحزام والطريق".

 

وردد "يلماز"، بحسب "الغارديان"، ما تقوله الصين في رسالة إلكترونية "شاهدت الصين بأم عيني وحصلت على المعلومات الصحيحة".


لكن صحفيا واحدا كان لديه رد فعل مختلف، وهو الكندي- الألباني، أولسي جيزكسا. ففي آب/أغسطس 2019 سافر إلى شينجيانغ في جولة لمدة ثمانية أيام مع 19 صحفيا من 16 دولة. 

 

اقرأ أيضا: CNN: الصين تمارس "تعقيما قسريا" على الأويغور 


وطالما عارض الصحفي الولايات المتحدة، وعندما اتصل مع السفارة الصينية في تيرانا كان لديه هدف واحد: "كنت أريد كتابة تقرير جيد عن الصين.. أريد أن أثبت للعالم أن الأمريكيين كذبوا عن الصين كما كذبوا عنا في البلقان".

 

وكانت دراسة جيزكسا هي التاريخ، وشك منذ البداية بالرواية التي قدمها الخبراء الصينيون لمجموعة الضيوف، قائلا، بعد ذلك: "وصف مسؤولو الحزب إقليم شينجيانغ بأنه كان على الدوام جزءا من الصين، فيما تم تصوير الأويغور والأقليات الإثنية التركية بأنهم مهاجرون في المنطقة. وتم وصف الإسلام على إنه دين أجنبي فرضه أجانب على الأويغور".

 

كان ما سمعه دعاية وليس تاريخا، ولم يرتح من طريقة تصوير المسلمين في متاحف الدولة حيث تم عرضهم كبدائيين وقذرين. إلا أن اللحظة المهمة جاءت بالنسبة لجيزكسا أثناء زيارة لمركز تدريب المهارات المهنية في منطقة "وينسو" ومركز إعادة تعليم في محافظة "أكسو".


وعندما وصلت المجموعة شاهدوا وصلات من الرقص والغناء، وبعد 15 دقيقة طلب جيزكسا الإذن بمحادثة بعض المحتجزين، واقتيد إلى غرفة دراسة وقيل له إنه لا يستطيع إدارة المحادثات بدون مراقبة، حيث لاحظ أنه كلما تحدث مع المحتجزين بلغتهم ردوا باللغة الصينية (المندرين) واكتشف أنهم خائفون، وعلق قائلا: "فهمنا أن هؤلاء لا يسمح لهم حتى بالتحدث بلغتهم الأم". 


ومن خلال حديثه مع المرافقين له استطاع اكتشاف أن ممارسة الشعائر الإسلامية ممنوعة في المعسكرات وأن المحتجزين لا يسمح لهم باستخدام الهواتف ولا الاتصال مع عائلاتهم، وتعرف على بعض الأسباب التي قادت إلى اعتقالهم مثل ارتداء الحجاب، الصلاة في الأماكن العامة، وقراءة القرآن.

 

وعلق قائلا: "ما وجدناه في شينجيانغ هو أن ممارسة الإسلام تعتبر جريمة".


وفي الليلة التي وضع فيها لقطات فيديو على يوتيوب التقطها وهو يجري مقابلات مع سجناء في حالة غير مريحة ويحيط بهم المرافقون انزعج المسؤولون الصينيون وتساءلوا عن سبب تسجيله لقطات الفيديو.

 

وفي اليوم التالي زارت المجموعة معسكر تعليم آخر في "كاشغر" حيث لاحظ أن المحتجزين يرتدون الزي التقليدي الأويغوري. ويقول معلقا: "وفي رحلتنا قدموا هذا العرض الزائف.. علمنا كلنا أن الحزب الشيوعي الصيني رتب لنا هذا العرض. وكانوا يريدون منا بيع العالم هذه القصة الكاذبة". 


ورغم ملاحظة جيزكسا بكاء بعض الصحفيين مما شاهدوه في الزيارة إلا أنهم لم يتحركوا. وكتب معظهم تقارير لا يمكن نشرها في بلادهم فيما التزمت البقية بالصمت.


وردت وزارة الشؤون الخارجية الصينية ببيان قالت فيه إن تصريحات جيزكسا لا أساس لها من الحقيقة "وهي مجرد تشهير وشائعات، ونأمل الا تعمى الصحافة بتعليقاته". وجاء في البيان أن "المركز يطبق المبادئ الأساسية لحماية حقوق الإنسان في الدستور الصيني والقوانين المرتبطة به.. الجميع يستخدمون اللغة الوطنية ولغة الأقلية في نفس الوقت". 


ويقول مايكل رسكا من جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة إن الرحلات الصحافية هي شعبة من استراتيجية بكين في حرب المعلومات. وقال إن "حرب المعلومات هي عن اجبار الآخرين القبول بمصالحك" ولكن "الجديد الآن هو التحول في استراتيجيات الصين للتأثير المعلوماتي والسياسي. وهي اليوم شاملة وناشطة للسيطرة على الخطاب". 


ومن الصعب التعرف على نجاح الجولات الصحفية، فمن ناحية رجع سنبل مقتنعا بدوافع بكين وأنها إنسانية وأن الغرب عامل الصين بدون إنصاف، ورغم عدم اقتناع جيزكسا إلا أنه يرى أن الصين تعمل ما عملته بريطانيا وأمريكا وهو "إنتاج قصص مزيفة خدمة لإمبرياليتها".