مقالات مختارة

قنوات المعارضة المصرية… الظاهرة النادرة

1300x600

خلال السنوات السبع العجاف الماضية غابت كل وسائل الإعلام المستقلة عن مصر ووصل تكميم الأفواه إلى درجة السيطرة والتحكم على ما يتم نشره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فيما لم ينجح في التغريد خارج السرب سوى عدد قليل من الإعلاميين الشباب الذين يقومون بتشغيل عدد محدود من وسائل الإعلام في الخارج وبإمكانات متواضعة وما تيسر من خبرات.


في إسطنبول توجد ثلاث قنوات تلفزيونية مصرية مستقلة، والاستقلال هنا يعني أنها بعيدة عن هيمنة الحكومة وإملاءات أجهزتها الأمنية كما هو الحال بالنسبة لعشرات القنوات والصحف والمواقع الالكترونية التي تخاطب الرأي العام المصري. هذه القنوات الثلاث استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تشكل منبراً لا يتوفر في أي مكان آخر لعدد كبير من المعارضين المصريين الذين لا صوت لهم ولا مكان لهم في وسائل الإعلام التي يُهيمن عليها النظام في مصر ويبث من خلالها رأياً واحداً بدون أي رأي آخر.


الإعلام المصري المعارض في الخارج يُشكل ظاهرة تستحق المتابعة والدراسة، بل يُمكن إجراء بحوث ماجستير ودكتوراه على هذه التجارب، حيث أن أهم ما يميز هذه القنوات أن القائمين عليها هم «شباب الثورة» الذين كانوا في ميدان التحرير في كانون الثاني/يناير 2011، وأغلب هؤلاء ليسوا من أبناء المهنة التقليديين ولا من خريجي معاهد وكليات الإعلام، ورغم ذلك فقد حققوا نجاحاً كبيراً وتفوقوا على أغلب القنوات المصرية المعروفة، لا بل تفوقوا أيضاً في تغطية الحدث المصري على قنوات إخبارية مرموقة ومعروفة وجذبوا تبعاً لذلك شريحة واسعة من الجمهور.


قناة «مكملين» واحدة من بين القنوات المصرية الثلاث التي استطاعت أن تستقطب جمهوراً واسعاً في مصر والعالم العربي بعد أن تمكنت من الكشف عن ملفات لولا وجود هذه القناة لما عرفها الرأي العام في مصر ولا سمع بها أحد من العرب، ومن بينها تسريبات عباس كامل الشهيرة التي كان ينفرد ببثها الإعلامي المصري أسامة جاويش واحداً تلو الآخر (وجاويش بالمناسبة هو أحد الإعلاميين غير التقليديين الذين تعلَّموا الإعلام ولم يدرسوه، فهو طبيب ممارس ولولا ثورة يناير/كانون الثاني لما خطر على باله أصلاً العمل في مجال الإعلام).


التسريبات التي استحوذت على اهتمام المصريين والعرب لم تكن الملف الوحيد الذي انفردت به هذه القنوات، لكنَّ الأهم من ذلك أنها كانت وما تزال المنبر الوحيد للرأي الآخر في مصر، كما أنها استطاعت أن تقوم بالعديد من التغطيات الإخبارية لقضايا جدلية على الرغم من أنها غير موجودة داخل مصر، وهذا يؤكد أنها تحظى بشعبية وانتشار وشيوع بين المصريين إذ أن من يتابعها يكتشف أن الكثير من التغطيات على هذه الشاشات مصدرها المواطن العادي، أي صاحب الشكوى الذي يلجأ إلى المنصة التي يتابعها ويرغب بأن تكون قضيته معروضة عليها.


ثمة مؤشرات وأدلة عديدة على وجود جمهور واسع لهذه القنوات، ومن بين هذه المؤشرات نجاح حملات شعبية عديدة أطلقتها قناة «الشرق» التي يديرها الدكتور أيمن نور، مثل حملة الكتابة على الأوراق النقدية والتي اضطرت السلطات المصرية لاتخاذ إجراءات من أجل مواجهة الظاهرة، وكذلك حملات سلمية أخرى كان مصدرها بشكل خاص «الشرق» و»مكملين» وهذا ما يكشف التأثير الواسع لهذه القنوات على الرأي العام في مصر وأهمية وجودهم وقدرتهم على أن يكونوا المنبر البديل لشباب الثورة أو قوى المعارضة التي لم تعد تجد لها مكاناً داخل مصر.


والخلاصة هنا هو أن قنوات المعارضة المصرية تشكل ظاهرة نادرة حقاً، فهي قنوات لا يقوم عليها موظفون ينتظررون رواتبهم آخر الشهر ولا صحافيون تعلموا في الكليات والجامعات التي نعرفها وإنما شباب ثوريون آمنوا بيناير 2011 وليس بأي شيء آخر، وهؤلاء يستحقون الرعاية والمتابعة، كما أنَّ هذه الظاهرة تستحق الدراسة بعناية فائقة، مع الأخذ بعين الاعتبار جملة النجاحات التي تمكنت هذه القنوات من تحقيقها على المستوى الإعلامي والتي يمكن لأي متابع أو مشاهد أن يرصدها ويلحظها.

 

(القدس العربي اللندنية)