صحافة دولية

كيف قلب فيروس كورونا الانتخابات الأمريكية رأسا على عقب؟

الغارديان: ترامب أراد استغلال احتجاجات مقتل فلويد لتشتيت الشعب فيما يخص الوباء- جيتي

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن تأثير فيروس كورونا على الانتخابات الأمريكية.

وفي بداية تقريرها قالت الصحيفة؛ إنه "في ليلة رأس السنة وعندما وصل ترامب إلى مارا لوغو في فلوريدا قال وهو في حالة معنوية عالية: "أتوقع أن هذا العام سيكون عاما رائعا".

لكن في ذات اليوم وفي وقت سابق، تحدث موقع إلكتروني تابع للحكومة الصينية عن "التهاب رئوي حاد غير معروف السبب" في المنطقة المحيطة بسوق المأكولات البحرية في ووهان. لم يكن بوسع أحد أن يتوقع كيف يمكن لهذا الكائن المجهري أن يقلب العالم رأسا على عقب، ويصيب 15 مليون شخص ويقتل 625 ألف شخص، ويشل الاقتصادات ويمحو أبرز الأحداث المهمة.

وتقول الصحيفة: "وأمريكا ليست استثناء، لقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى قلب الانتخابات الرئاسية، لقد غيرت القضايا، وطريقة خوض المعركة وربما النتيجة".

كما تسبب الفيروس بأكبر أزمة اقتصادية في البلاد منذ 75 عاما، وأسوأ أزمة للصحة العامة منذ قرن. لقد أعاد كتابة قواعد السياسة وترك المؤرخين يحاولون استيعاب مقارنات سنة الانتخابات.

وقال توماس شوارتز أستاذ التاريخ في جامعة فاندربيلت: "على الأرجح لا يوجد شيء مماثل لفيروس كورونا، لا يوجد شيء عالمي يؤثر على مجموعة واسعة من الأمريكيين كفيروس كورونا، هذا جديد بحق".

وبعد فترة وجيزة من احتفال ترامب بليلة رأس السنة، في رأيه على الأقل، كان لديه اقتصاد قوي يمكّنه من إعادة انتخابه، خاصة بعد صراع الديمقراطيين من أجل حصر النتائج في تجمعاتهم في ولاية آيوا، أو الاستقرار على مرشح رئاسي موحد.

لكن الفيروس كان ينتشر ويتوسع، في 22 كانون الأول/ يناير ادعى ترامب أن " الأمور تحت السيطرة الكاملة، وسيكون كل شيء على ما يرام". في الثاني من شباط/ فبراير، أصر على أنه أوقف انتشاره بتقييد السفر من الصين. وفي 27 شباط/ فبراير قال: "ذات يوم سيختفي -مثل المعجزة-"، وهكذا استمر ما يقول النقاد بأنه أسوأ إنجاز تاريخي في الإنكار والفشل في القيادة.

اجتاح فيروس كورونا نيويورك، مما أسفر عن مقتل آلاف الناس، عندها أعلن ترامب نفسه "رئيسا في زمن الحرب"، وعقد جلسات يومية في نيسان/ إبريل، ولكن ما لبث أن "شعر بالملل" وحول تركيزه إلى إنعاش الاقتصاد الذي يُنظر إليه على أنه أمر حاسم في فرص إعادة انتخابه.

لكن المعاناة والموت لهما تأثير مباشر على الاقتصاد نفسه، حيث إنه قدم 52.7 مليون أمريكي مطالبة بطالة خلال الأشهر الأربعة الماضية.

وأضاف شوارتز: "عندما كان ترامب يحكم الاقتصاد بنجاح، كان لديه حجة قوية تنوب عنه، فعلى الرغم من الاضطراب وعدم الارتياح، كان الناس على ما يرام وكانت الأمور تمضي قدما، لكن انظر إلى ما يحدث الآن لتعرف ما إذا كانت البلاد تسير في الاتجاه الجيد أو السيئ".

يمكن القول بأن ترامب كان رئيسا محظوظا بشكل غير معتاد خلال سنواته الثلاث الأولى، حيث لم يضطر لمواجهة أي نوع من أنواع الأزمات الكبرى التي واجهت العديد من أسلافه، مما مكنه من الاستمرار كنجم تلفزيوني لامع، يغرد عن المشاهير بدلا من قراءة ملخصات الأمن القومي، ولكن مع اندلاع فيروس كورونا، نفد هذا الحظ منه بشكل مذهل.

يوجد في أمريكا الآن 4 ملايين إصابة وأكثر من 140 ألف حالة وفاة، وهو أعلى رقم في العالم. وقد تضاعفت الحالات في الأسابيع الستة الماضية حتى مع استقرار المنحنيات في أوروبا.

ومع ذلك، يواصل الرئيس دفاعه عن نفسه مشيرا إلى قيود السفر التي فرضها، والـ 50 مليون اختبار التي أجريت، وتوزيع أجهزة التنفس على نطاق واسع، وقال يوم الأربعاء الماضي: "نحن في هذا معا، وكأمريكيين سنفعلها بالطريقة الصحيحة، ظهر الفيروس في بعض الولايات التي لم نكن نتوقعها مثل فلوريدا وتكساس، ولكننا نعمل مع أشخاص موهوبين للغاية ولامعين، كل الأمور ستنجح".

لكن ابنة أخته ماري ترامب، مؤلفة مذكرات عائلية جديدة، قالت إن تعامله مع الوباء كان "إجراميا"، مضيفة أنه "كان من الممكن تجنبه، والإحصائيات كانت واضحة للغاية، قبل أسبوعين فقط كان من الممكن تجنب 90% من الوفيات. لكنهم لم يفعلوا ذلك، ببساطة لأنه رفض ارتداء القناع لأنه بارتدائه كان سيعترف بأنه كان مخطئا".

وكان من الممكن أن يكون الوباء اللحظة التي سيفاجئ فيها ترامب العالم ويثبت خطأ المشككين فيه. لكنه لم يرق إلى مستوى التحدي في أعين النقاد. فشل في وضع استراتيجية وطنية للاختبار، وتجنب التحدث عن الضحايا إلا ما ندر، ورفض ارتداء القناع حتى وقت قريب، وقوض كبار خبراء الصحة العامة مثل الدكتور أنتوني فوسي.

وقال ليون بانيتا، وزير الدفاع السابق ومدير وكالة المخابرات المركزية: "إذا كان عمله على أساس أن الأزمة ستحدد قيادته، فعلينا القول بأن هذه الأزمة قد حددت فشل قيادته ولا شك أن ذلك أثّر على السياسة في هذا البلد".

وتابع: "من الواضح أن هناك العديد من الدوائر الانتخابية التي تشعر بفشل القيادة بأزمة كورونا، وقال في وقت من الأوقات إنه لا يتحمل مسؤولية ما يحدث، وأعتقد أنه بذلك بعث رسالة واضحة للبلاد مفادها أن الرئيس رحل دون سابق إنذار عن البلاد في وقت الأزمات".

وقال فيلمون فيلا، عضو الكونجرس الديموقراطي من جنوب تكساس: "منذ بداية الوباء اتخذ الرئيس ترامب وحاكم الولاية جريج أبوت، قرارات تكتيكية أدت إلى قتل تكساس بشكل جماعي. سيكون أي شخص تفكيره عقلاني من تكساس مجنونا إذا صوت لدونالد ترامب".

وتابع: "في جميع أنحاء الولاية الوضع كارثي، وحدات العناية المركزة ممتلئة، يضطر المرضى للانتظار في غرف الطوارئ، بل وأحيانا في سيارات الإسعاف لأنه لا يوجد مكان في غرفة الطوارئ، أعتقد عندما يحل تشرين الثاني/ نوفمبر، سيتذكر شعب تكساس ذلك".

وسعى ترامب مرارا وتكرارا لتشتيت الشعب فيما يخص الوباء، لقد استغل احتجاجات "حياة السود مهمة" ضد قتل الشرطة لجورج فلويد بمحاولة تأجيج انقسامات "الحرب الثقافية" حول الجريمة والتماثيل الكونفدرالية، ومع ذلك استمر الوباء، وفقا للغارديان.

وتابعت الصحيفة: "لم ينتقل الوباء فقط إلى جوهر الانتخابات بل أيضا إلى أسلوبها؛ حيث كان الديمقراطيون محظوظين لأنهم خرجوا من معظم الانتخابات التمهيدية، وتوحدوا في الغالب خلف مرشح واحد قبل أن تضرب العاصفة. كما أن الطقوس الأخرى لتقويم السنة الانتخابية من - تجمعات الحملة، وخطابات المؤتمر، والمناقشات الرئاسية- لن تكون معروفة. ولكن حتى الآن، يبدو أن المشهد المتغير يؤذي ترامب ويساعد بايدن.

وقال بيل جالستون، مستشار سياسي سابق للرئيس بيل كلينتون: "لم يشهد أحد شيئا كهذا، ولا أحد يعرف ما سيكون تأثيره. لا أعرف إلى أي مدى كانت مسيرات ترامب الصاخبة عام 2016 مفيدة في نجاحه، ولكن ما نعرفه هو أنها ليست الاستراتيجية التي يمكن تكرارها في عام 2020".

ولكن قد لا يكون هناك دليل على مدى انتشار الوباء أكثر من يوم الاقتراع نفسه المقرر إجراؤه في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر وسط مخاوف صحية، وتصاعد فكرة التصويت بالبريد.

وانضمت هذا الأسبوع أكثر من 30 مجموعة إلى "Protect the Results" وهو مشروع لحشد ملايين الأشخاص في حال "اعترض ترامب على نتائج الانتخابات، أو رفض التنازل بعد خسارته، أو ادعى النصر قبل فرز جميع الأصوات".

وقد استمع بانيتا رئيس الأركان السابق للبيت الأبيض إلى عدة أحاديث مشابهة قائلا: "عبر الكثير عن قلقهم بأن هذا الرئيس الذي لم يبد أي ميل للعمل على قبول أي درجة من درجات الهزيمة، قد يقبل بهزيمته في نتائج الانتخابات خاصة إذا ما كانت متقاربة".

وأضاف: "أعتقد أن الأمل بالنسبة للكثير من الأشخاص الذين تحدثت إليهم، هو أن تكون نتائج الانتخابات واضحة لدرجة لا يمكن إنكارها، مما سيجعل من الصعب عليه التظاهر بأن التصويت كان خاطئا بطريقة أو بأخرى".

 

اقرأ أيضا: 100 يوم على انتخابات أمريكا.. من ينقذ ترامب؟