ملفات وتقارير

حملة تحريض كبيرة ضد منطقة سُنية في بغداد.. دعوات للتهجير

الطارمية تمتاز بموقع إستراتيجي كونها تربط العاصمة بغداد بمحافظتي ديالى وصلاح الدين ويصل عدد سكانها إلى أكثر من 90 ألفا

منذ ثلاثة أيام، تشهد مدينة الطارمية شمال بغداد حملة تحريض كبيرة من سياسيين ووسائل إعلام قريبة من إيران، وذلك باتهام سكانها بالعمل مع تنظيم الدولة، وأن شخصيات سياسية تستر على "الإرهابيين" وتمنع أي عملية عسكرية في المنطقة.

وانطلقت هذه الحملة بعد مقتل العميد الركن علي الخزرجي آمر اللواء 59 في الجيش العراقي بنيران قناص في منطقة الطارمية ذات الغالبية السنية، حيث طالب البعض بجعلها "منزوعة السكان" على غرار مدينة جرف الصخر شمالي بابل، التي تسيطر عليها حاليا المليشيات الشيعية الموالية لإيران.


"أجندات طائفية"

ولمعرفة الهدف من وراء هذه الحملة وتوقيتها، قال السياسي والنائب السابق بالبرلمان العراقي أحمد المساري لـ"عربي21" إن "الدعوات لإفراغ هذه المدينة من أهلها تقف وراءها أجندات طائفية من بعض قوى وشخصيات سياسية لديها نفس طائفي".

وأضاف المساري أن "هذه الدعوات هي امتداد لمحاولات كثيرة بدأت منذ عام 2003، الهدف منها إفراغ حزام بغداد من عشائره وأهله"، مؤكدا أن "أهالي المنطقة وعشائرها ليسوا متهمين باغتيال الخزرجي، خاصة أن علاقة طيبة كان تربطهم به".

وأشار إلى أن "المنطقة كانت غير مستقرة وتشهد اضطرابات، لكن بمجيء الخزرجي استقرت وأصبح هناك تفاهم بين العشائر والقطاعات الأمنية، واعتقد أن هذا الاستقرار والتفاهم كان سببا في اغتيال العميد الراحل".

ولم يستبعد المساري أن "يكون الهدف من افتعال هكذا أزمة في الطارمية واستهداف القائد العسكري، تقف وراءها دوافع سياسية لخلق أزمات أمام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لأن هناك من لا يريد أن ينجح في عمله".

وكشف النائب السابق عن تحركات تجريها قوى سنية على مستويات عدة، سواء على بالتواصل مع القائد العام للقوات المسلحة، أو مع القوى السياسية الفاعلة "للوقوف بوجه هذه الأصوات النشاز التي تطالب باستهداف عشائر المنطقة على إثر اغتيال آمر اللواء".

وأكد المساري أن القوى السنية ستقف بقوة بوجه هذه الأصوات النشاز، والعمليات التي تحدث حاليا في المنطقة من استهداف بالهاونات، لافتا إلى أن آمر اللواء استهدف بنيران قناص، ولا يعقل أن تستهدف الطارمية بعشائرها لإثارة الزعزعة وإعادة عدم الاستقرار للمنطقة.

"معالجات استخبارية"


من جهته، قال الخبير الأمني أحمد الشريفي في حديث لـ"عربي21" إن "هناك تعقيدا في جغرافيا المنطقة، لكن هذا لا يبرر إفراغها من سكانها، لأن هذا إجراء تعسفي يفضي إلى خلق نقمة جماهيرية ربما تأخذ بعدا طائفيا".

ورأى الشريفي أن "الوضع الطبيعي في المنطقة التي تحضر فيها أبعاد حرب الغابات يفترض أن يصار إلى مسكها بجهد استخباري مشروط بالتعاون مع السكان المحليين".

وتابع: "لأن إمكانية تسلل الجماعات في هذه المنطقة- التي تصنف أنها خاصرة رخوة- متاحة وبالتالي لا يتحمل تبعاتها السكان المحليون، فيفترض أن تكون هناك آليات ردع تحول دون تمكن هؤلاء من التسلل إليها".

وشدد الشريفي على أن "الجهد التقني كفيل بإسكات هذا التهديد بدلا من تهجير السكان، لذلك يجب اتباع إستراتيجية الرصد والاستمكان الحراري، أي إجراء عمليات استطلاع ليلية تمكّن رصد هذه الجماعات وتحديد أماكنها ومعالجتها إما جوا أو برا بعمليات خاصة".

وبخصوص أهمية المنطقة، قال الشريفي إن "مجرد بقاء تنظيم الدولة يشاغل القوات الأمنية في حزام بغداد، فهي ورقة ضغط على صانع القرار السياسي لأن أطراف العاصمة تعني بأن مركز صنع القرار مهددا، وهذه رسالة إلى الرأي العام لإثارة الرعب والهلع على أنهم على أطراف بغداد".

وأضاف: "كذلك فإن الهجمات في تلك المناطق تمهد لخلق انقسام اجتماعي أو طائفي، لأن رفع منسوب الإجراءات الأمنية يؤدي إلى مصادرة الحقوق الدستورية للمواطنين في مسألة قطع الطرق والتضييق على التنقل، وبالتالي تولد نقمة شعبية، تؤدي بالنهاية إلى احتجاجات شعبية ضد الحكومة، فعلى صانع القرار أن يأخذ كل هذه الأمور في الحسبان".

ونوه الشريفي إلى أن "العميد الراحل كان في مهمة استطلاع بصري في وقت الليل، ولذلك كان هدفا سهلا لأن النواظير الليلية متاحة والقناص متاح وبالإمكان أن ينفذ مثل هذه الهجمات، ولذلك فإنه من المفترض أن تكون إجراءاتنا أكثر احترازية".

وأكد الخبير الأمني أن "المنطقة التي فيها كثافة أشجار يمكن أن تعالج الثغرات الأمنية عن طرق التمدد السكاني فيها من أهالي المنطقة، وبالتالي يتعاون السكان مع المؤسسة العسكرية ويزودونها بالمعلومات".

الرد الرسمي

أما على الصعيد الرسمي فقد رد المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، اللواء خالد المحنا على حملات التحريض، بالقول إن "مواطني مناطق شمال بغداد متعاونون مع القوات الأمنية ولديهم ثقة بها، وأن تنظيم الدولة لا يجد تعاطفا هناك".

ولفت المحنا في تصريحات صحفية، الأحد، إلى أن تنظيم الدولة لا يجد تعاطفا بين الأهالي، لذلك لجأ إلى المناطق النائية والمستنقعات والمناطق الزراعية غير المأهولة للانطلاق منها وتنفيذ عمليات لإثبات الوجود، وآخرها ما حدث في الطارمية.

وأكد المسؤول الأمني أن "المواطنين خارج المدن أيضا لا يثقون بتنظيم الدولة ويبلغون بسيل من المعلومات التي تصل لدوائر الاستخبارات، وبين الحين والآخر يتم القبض على قيادات وعناصر بالتنظيم".

يشار إلى أن منطقة الطارمية ذات الطابع الريفي والعشائري، تمتاز بموقع إستراتيجي كونها تربط العاصمة بغداد من الجهة الشمالية بمحافظتي ديالى وصلاح الدين، ويصل عدد سكانها إلى أكثر من 90 ألف نسمة.

 

اقرأ أيضا: العراق يعلن مقتل قائد عسكري بارز في "عمل إرهابي"