صحافة إسرائيلية

مركز بحث إسرائيلي: 4 سيناريوهات لمستقبل العالم بعد عام

أفضل السيناريوهات توقع عودة الأمور تدريجيا لما قبل أزمة كورونا- جيتي

استعرض مركز بحثي إسرائيلي، 4 سيناريوهات محتملة لمستقبل العالم مع تفشي وباء كورونا، والذي سوف يتغير تماما، وسيكون أقل حرية، وازدهارا، وعولمة وانفتاحا.

وأوضح "مركز بحوث الأمن القومي" التابع لجامعة "تل أبيب" العبرية، في تقديره الاستراتيجي الذي أعده إيتي بارون، أن "العالم يتعاطى في الأسابيع الأخيرة مع آثار أزمة كورونا، وهناك آراء متعددة، إلا أن معظم المواقف توصف الأزمة كحد تأسيسي على مستوى تاريخي، سيغير العالم الذي نعيش فيه تغييرا جوهريا".

وأضاف: "إلى جانب هذا الإجماع شبه الجارف، نلاحظ في الخطاب بضع خلافات مبدئية؛ هل سيخلق وباء كورونا ميولا تاريخية جديدة أم لعله يسرع الميول القائمة؟ وماذا ستكون عليه صورة النظام العالمي، الذي سيتشكل بتأثير أزمة كورونا؟".

ونبه المركز، في تقديره الذي يأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان "نظرة عليا"، إلى أنه "ينبغي البحث في الآثار المستقبلية المحتملة للأزمة، بالتوازي مع الانشغال في إدارتها؛ لفهم الآثار بعيدة المدى للقرارات التي تتخذ في الحاضر، لتشخيص التهديدات والفرص، من أجل السماح بالعمل لتصميم الواقع المرغوب فيه".

وبين بارون، أنه استخدم في هذه الدراسة مفهوم "مستقبليات محتملة؛ بمعنى سيناريوهات خيالية، توجد لها أسس في الظروف الحالية، وتروي استراتيجية مختلفة عن العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص بعد سنة، وهي وسيلة مساعدة للتخطيط، يفترض أن تساعد أصحاب القرار والجمهور للتفكير في المستقبل بهدف الاستعداد له".

وأشار إلى أن "أزمة كورونا بدأت في نهاية عقد تميز بمنافسة استراتيجية متعاظمة بين القوى العظمى، وبهزة إقليمية متواصلة في الشرق الأوسط، بعولمة شوشت الحدود المادية وبثورة معلومات غيرت أنظمة العالم".

وذكر معد الدراسة، أنه في أساس السيناريوهات التي تحدث عنها، "يوجد الافتراض أن كورونا يؤثر على الواقع بثلاث طرق؛ الأولى، أنه يلزم اللاعبين المتنافسين في العالم بتنظيم أنفسهم حياله، بشكل كفيل بأن يهز المبنى الهزيل للنظام العالمي والإقليمي؛ والثانية، أنه يشوش السياق العالمي العادي، ويخلق تطورات ذات مغزى ما كانت لتوجد بدونه؛ وأخيرا، أن كورونا آلية قتل ودمار تمس بصحة الجمهور، وبالاقتصادات والتفاعلات الاجتماعية".

السيناريو الأول: توقف مؤقت وعودة للميول السابقة

وبحسب هذا السيناريو المتفائل، "تنجح معظم الدول في التحكم بالوباء في صيف 2020، وبعض كبرى الاقتصادات ستعود لمستوى نشاط مشابه لذاك الذي سجل قبل الأزمة؛ الصين في الربع الثالث من هذا العام، أمريكا في الربع الرابع وأوروبا في الربع الأول من العام المقبل. فروع مثل الطيران، والسياحة والمطاعم ستتضرر بشدة، وأخرى ستنمو..، ومع نهاية 2020، تعود الحياة بالتدريج لمسارها، مع حذر ضروري".

والمبنى "الهزيل للنظام العالمي لن يتغير، وستتواصل الميول التي تميزت بها الساحة الدولية عشية الأزمة وفي أثنائها، والمنافسة بين القوى العظمى ستستمر وتحتدم، وهكذا المصاعب التي تقف أمامها في مواجهة التحديات العالمية".

وأشار المركز، إلى أن "الولايات المتحدة ستركز في ما تبقى من السنة على حملة الانتخابات الرئاسية، وسيواصل الرئيس دونالد ترامب اتهام الصين بالمسؤولية عن الأزمة، وقد يتخذ قرارا بإعادة القوات الأمريكية من العراق، سوريا وأفغانستان، لتحسين فرصته للانتصار في الانتخابات".

أما الصين، فـ"ستقدم المعلومات والمساعدات في موضوع كورونا لأوروبا، أفريقيا والشرق الأوسط، وستحاول زيادة نفوذها في هذه المناطق عبر استثمارات استراتيجية، وروسيا ستستغل الفرصة في الشرق الأوسط وساحات أخرى، أما أوروبا، فستحاول التغلب على النتائج الخطيرة للأزمة".

وبحسب السيناريو، فإنها "ستفاقم أزمة كورونا المشاكل الأساسية في الشرق الأوسط، وستنجو الأنظمة من الأزمة، مع احتمال أن تستأنف الأزمة مظاهر الاحتجاج الشعبية، وستسعى كل مراكز القوى في المنطقة إلى الامتناع عن التصعيد، ولكن هذا يمكنه أن يستأنف في السنة القادمة في سوريا، ولبنان وغزة، حول الهجمات الإسرائيلية، كما أن إيران ستعود للميول السابقة، التي ميزتها سواء في السياق الإقليمي أو النووي".

السيناريو الثاني: "التحول".. نظام عالمي بقيادة الصين وتغيير في أنماط الحياة

وقدر المركز، أنه "كلما تواصلت الأزمة، فسيرتفع احتمال هذا السيناريو، مع تواصل الإجراءات الوقائية في العالم على نطاقات مختلفة، حتى نهاية 2020 على الأقل، وعلى ما يبدو بعدها بكثير، وذلك عقب انفجارات لموجات أخرى من الوباء أو عدم نجاح معظم الدول في إزالة القيود التي فرضت على الحياة اليومية".

وفي هذه الظروف، "ستتغير أنماط الحياة لمعظم سكان العالم، بشكل يعزز التباعد الاجتماعي، والانتقال إلى العمل عبر الشبكة، والاعتماد على الإرساليات والامتناع عن استخدام المواصلات العامة وزيارة المنشآت التي تعج بالناس"، معتبرا أن "أنماط عمل الصين تجاه تفشي الفيروس أكثر ملاءمة للتصدي لحالة الطوارئ المتواصلة، التي يتميز بها هذا السيناريو".

وبالتالي، فإنه "يحتمل أن تنشأ فجوة واسعة بين الانتعاش المبكر للصين وبين تواصل أوضاع الخلل في عملية مواجهة كورونا في الولايات المتحدة، وانتعاشها المتأخر أكثر ربما في الربع الثاني من 2021، وفي هذا الوضع قد تنشأ مصاعب لإجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية، وشرعية نتيجتها قد تهتز".

وأفادت الدراسة، بأن "الصين تخوض منذ الآن حملة تأثير واسعة النطاق، كي تعرض نفسها كمتصدرة عالمية لمكافحة كورونا، وفي هذا السيناريو يمكنها أن تستغل الضعف الأمريكي لتحقيق موقع قيادة يؤدي، على المدى الزمني الأبعد لنظام غير ليبرالي يقوم على أساس الدول القومية السيادية القوية والمنفصلة، التي لكل واحدة منها هوية مميزة".

وتابعت: "في هذ النظام، ستحترم كل دولة هوية وسيادة جيرانها، وبالتالي يمكن لها جميعها أن تعيش بسلام بل وتتاجر الواحدة مع الأخرى، ولكن هذا النظام يتنكر لفكرة حقوق الفرد والمواطن الكونية، التي تتجاوز الحدود والثقافات، ويفضل الدول القومية على المؤسسات الدولية، ومن المتوقع لنظام عالمي من هذا النوع أن يؤيده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

 

وللاطلاع على كامل الإحصائيات الأخيرة لفيروس كورونا عبر صفحتنا الخاصة اضغط هنا

 

ورأت أن "النموذج الصيني للحكم المطلق الرأسمالي، بمعنى نظام سلطوي واقتصاد مركزي، إلى جانب اقتصاد السوق واستخدام أجهزة الترقب والتحكم المتطورة المتوغلة بخصوصية الفرد، يمكنه أن يشكل مصدر إلهام، وستزداد جاذبيته في الدول الديمقراطية كلما استمرت حالة الطوارئ".

وبين أن "أجهزة الترقب والتحكم (القائمة على معلومات كبرى وعقل صناعي) التي ستستخدم في بداية الأزمة، ستواصل العمل وستتبنى بعض الدول أيضا فكرة "جزر الإنترنت" القومية، المميزة عن الشبكة العالمية بإنتاج الشبكة الصينية، أما الصين فستستخدم آليات المساعدة والاستثمار في الدول المختلفة، للحصول على المعلومات التجارية، الأمنية والشخصية".

أما في الشرق الأوسط، "فيحتمل أن يؤدي مثل هذا السيناريو لفوارق واضحة في شكل مواجهة الدول لتفشي الفيروس؛ فإيران، مصر، الأردن، العراق ودول الخليج، ستستخدم أجهزة الأمن لديها وستنجح بمساعدة صينية كبيرة، في تصد أفضل للوباء، وهكذا سيكون الوضع في غزة والضفة الغربية".

ومع ذلك، فإنه "في مناطق الحرب في اليمن، ليبيا وسوريا، يمكن أن تنشأ أزمة إنسانية واسعة النطاق، وسيكون أسهل على الأسرة الدولية تجاهل خطوات إيران في المجال النووي، وذلك عقب السيطرة التي ستكون للصين وروسيا، وتبني الفكرة المبدئية التي في أساس النظام غير الليبرالي، حول سيادة الدول والامتناع عن التدخل في نطاقها".

السيناريو الثالث: "التفكك" وتضعضع النظام القائم وفوضى ومواجهات عنيفة

في هذا السيناريو بحسب التقدير الإسرائيلي، "لا يتحقق تحكم في تفشي كورونا حتى تطوير لقاح بعد عام ونصف إلى عامين، وفي هذه الحالة، كل الاقتصادات الكبرى في العالم ستكون بعيدة عن المستوى الذي سجل عشية الأزمة، ومشكوك أن تصل إليه قبل منتصف العقد".

وأكد المركز، أنه "في هذه الظروف، كل اللاعبين الدوليين سيخرجون من الأزمة متضررين، وسيتطور النظام العالمي إلى الفوضى، وستفقد الولايات المتحدة مكانتها العالمية، وستطلق في داخلها أصوات تشكك بجدوى الإطار الفيدرالي والحاجة له".

ومع ذلك، "فإن الصين وروسيا لن تتمكنا من الانتعاش من الأزمة؛ لأنه سيتبين أن حجم الوباء فيهما كان أكبر مما نشر، وفي هذا السيناريو، يحتمل حدوث أزمة غذاء عالمية، موجات عنف على خلفية قومية، ومواجهات عنيفة، حتى في وسط أوروبا، وستشل أجهزة التعاون الدولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية)، وستحيد أو تحل".

وبين أنه "يمكن لمثل هذا السيناريو، أن يؤدي في الشرق الأوسط لموجة جديدة من الهزة الإقليمية، وفي مركزها أزمة إنسانية واسعة، ولا سيما في المدن المكتظة ومخيمات اللاجئين، مع انهيار المنظومات السلطوية، ويمكن أن تستأنف الحرب في سوريا بأشكال مختلفة؛ حزب الله يسيطر على لبنان، مواجهات عنيفة متواصلة بين النظام في إيران والجمهور، فوضى في قطاع غزة مثل الصومال، السلطة الفلسطينية ستتفكك، داعش أو منظمة جهادية مشابهة قد تنشأ على خلفية الهزة وتسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا وسيناء بمصر وليبيا واليمن والسعودية".

السيناريو الرابع: "إعادة البناء" وجهد دولي بقيادة واشنطن للحفاظ على النظام الليبرالي

وفي هذا السيناريو الذي تناولته الدراسة الإسرائيلية، "ستتواصل في العالم الإجراءات الوقائية ضد كورونا، حتى نهاية 2020 على الأقل، ومع ذلك، تبدأ في الانتشار في حزيران وفي تموز/يوليو 2020 تقارير، تقول إن الصين تخفي عمليا حجم المصابين، وعدد الموتى الهائل، وهذه المنشورات ستؤدي لأزمة في القيادة الصينية واستقالة الرئيس تشي جين بينغ ومقربيه، بالتوازي مع قرار دول عديدة بالتحرر من سلسلة التوريد المتعلقة بالصين كمركز للإنتاج العالمي".

ونبه المركز، إلى أن "الولايات المتحدة ستكون في مركز الثقل في هذا السيناريو، وستجرى الانتخابات الرئاسية في 2020، وسيحقق المرشح الديمقراطي انتصارا واضحا، وبعد شهر ستقر الـ"FDA" (إدارة الغذاء والدواء) لقاحا طوره معهد بحوث أمريكي، وعندها تنتعش أمريكا وتقود، ابتداء من كانون الثاني/يناير 2021 جهدا مشتركا للدول الديمقراطية الغربية الليبرالية لمساعدة الدول في العالم للتصدي لكورونا، من أجل تجاوز الهبوط الاقتصادي، والحفاظ على النظام الليبرالي وحل النزاعات الإقليمية المشتعلة".

وأشار إلى أن "هذا السيناريو، يبرز أهمية موقع القيادة الأمريكية في النظام العالمي، والتي كانت تخلت عنه عمليا في عهد ترامب، وبالتالي فإن انتخابات 2020 فرصة لنشوء قيادة أمريكية جديدة للفكرة الديمقراطية الليبرالية، ويمكن لهذه أن تعمل إلى جانب زعامات وزعماء آخرين برزوا على خلفية الأزمة الحالية في الدول الغربية".

وفي ظل هذا الوضع، "ستقدم المساعدة للدول في الشرق الأوسط، وستجرى مفاوضات على اتفاق نووي محسن مع إيران ويحتمل أن يؤدي ذلك لعقد مؤتمر دولي ومسيرة تسويات مثل تلك التي قادتها واشنطن في التسعينيات، كما أنه يمكن أن تستأنف مطالبة الأنظمة في الشرق الأوسط وغيره باتخاذ خطوات باتجاه التحول الديمقراطي".

وخلصت الدراسة الإسرائيلية، إلى أن "ربط السيناريوهات في قصة مركزية واحدة، يتأثر بالخطاب الجاري مؤخرا، بما يخلق سيناريو منطقيا، بموجبه يمكن أن ينشغل كل اللاعبين الدوليين في الزمن القريب بشؤونهم الداخلية أساسا، مع استمرار المنافسة بين القوى العظمى، وفي مركزها المعركة على رواية التصدي الأنجع لكورونا".

و"سيتواصل الميل لنقل النفوذ شرقا وربما سيتسارع، والدول القومية ستتعزز، عقب النجاعة التي تبديها معظمها في مواجهة الوباء، والعالم لن يتغير تماما، ولكنه سيكون أقل حرية وازدهارا، وسيكون فيه مزيد من العاطلين عن العمل والفقراء؛ وأقل عولمة؛ سنسافر أقل ونعمل أكثر من البيت، وستحرص الدول على الاحتياطيات الاستراتيجية واستقلالية الصناعات الحيوية".

وقدرت أنه "سيكون للمجريات في المحيط الاستراتيجي آثار على المحيط العملي، بما يتعلق بمزايا المواجهات العسكرية وشكل تطور القوات العسكرية، للدول ولغير الدول".

وأما بالنسبة لـ"إسرائيل والدول الغربية، فسيكون تحويل للميزانيات القومية لإعادة بناء الاقتصاد والجهاز الصحي، على حساب ميزانيات الأمن، والميزانيات في مجالات مدنية أخرى".