كتاب عربي 21

أي سلام ينشده ولي العهد السعودي في اليمن؟

1300x600

يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ماض نحو تكريس الغموض في ما يخص النهاية المفترضة للحرب في اليمن، على نحو يلقي بالمزيد من الأعباء على كاهل اليمنيين الذين شعروا بأن جارتهم الشمالية استغلت نفوذها وإمكانياتها لخديعتهم واستلاب حقهم في استعادة الدولة واستلاب السيادة من السلطة الهشة المتبقية لهم في خضم الغبار الكثيف الذي خلفته عاصفة الحزم على مدى السنوات الأربع ونيف من زمن الحرب.

 

إعادة إنتاج لتفاهمات فاشلة

منذ أن تم التوقيع عليه في الخامس من الشهر الجاري، تواصل المملكة العربية السعودية ـ بحماس كبير وبإسناد إماراتي ـ التحشيد في الأوساط الدولية لدعم "اتفاق الرياض" الذي أجبرت السلطةَ الشرعية على التوقيع عليه مع طرف من الأطراف اليمنية الجنوبية، وعلى خلفية أزمة وضعها التحالف بمكره المعهود أمام السلطة الشرعية الضعيفة المحتجزة في الرياض، وكان أداتها الحادة خلال العامين الماضيين هو المجلس الانتقالي الجنوبي.

وعليه فإن ما جرى في الرياض، وحاولت السعودية تقديمه كإنجاز كبير على طريق إحلال السلام الشامل على الساحة اليمنية، ليس إلا حرثٌ في جزء يسير من حقل الأزمة اليمنية الواسع والمتشعب، وأقل ما يقال فيه أنه وضع الكثير من المنغصات والتعقيدات أمام مهمة السلطة الشرعية المقبلة في المناطق المحررة التي تشغل معظم الجزء الجنوبي من اليمن.

 

لا يبدو أن الإمارات ستفقد على الفور نفوذها كاملاً في جنوب اليمن، رغم هذا الإحلال المكثف للوجود العسكري السعودي محل النفوذ العسكري للإمارات،


استنتجت مجموعة الأزمات الدولية من قراءة تحليلية موفقة قام بها أحدُ خبرائها لهذا الاتفاق بأنه قد جرى من خلاله إعادة إنتاج الصيغ والصفقات الفاشلة السابقة التي شهدها مسار الأزمة السياسية والحرب طيلة ثمانية أعوام تقريباً.

وانطلقت القراءة التحليلية للمجموعة الدولية المرموقة من ما اعتبرته الغموض المقصود الذي اكتنف الاتفاق بغرض دفع الطرفين الخصمين إلى التوقيع عليه، إذ أنه "لا يحدد أيما ترتيب مُعين يتعين على الأطراف البدء بموجبه تنفيذ هذه الخطوات.

فالسلطة الشرعية وفقاً لرئيس مجلس الوزراء معين عبد الملك سعيد، ترى أن الأولوية التي تلي التوقيع على اتفاق الرياض، تنصب على الترتيبات الأمنية، فيما يلح الانفصاليون الذين يمثلهم المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، على البدء في إنجاز الترتيبات السياسية كمكاسب فورية يتعين حيازتها من وراء التوقيع على هذا الاتفاق.

 

الإمارات لن تفقد نفوذها

لا يبدو أن الإمارات ستفقد على الفور نفوذها كاملاً في جنوب اليمن، رغم هذا الإحلال المكثف للوجود العسكري السعودي محل النفوذ العسكري للإمارات، خصوصاً في العاصمة المؤقتة عدن، وليس لدي أدنى شك بأن أبوظبي ستتخلى بسهولة عن سياسة تخليق الفوضى المسيطر عليها في جنوب اليمن.

وذلك بالتحديد سيبقى متاحاً ما بقيت الأنشطة الاستخبارية وفرق القتل الميدانية المدعومة من هذه الدولة، قيد العمل النشط، وما بقيت التشكيلات العسكرية التي أنشأتها في جنوب البلاد، متحررة من السيطرة المركزية للسلطة الشرعية، رغم أن هذه السلطة يُعاد إنتاجها وفقاً للمقاييس التي حددتها الرياض وابوظبي في الاتفاق، والذي يوجد من بين مواده ما ينص على إقصاء صقور الشرعية المدافعين عن الدولة اليمنية الاتحادية من التشكيلة السلطوية المقبلة.

هذا الاتفاق إذاً يعاقب قادة وجدوا أنفسهم قبل ثلاثة أشهر، في مواجهة انقلاب مكتمل الأركان لفرض خيار الانفصال، ولم يكن بوسعهم سوى فضح داعميه الإماراتيين الذين باتوا وفقاً لهذا التوصيف طرفاً معادياً تكرست صورته تلك بعد أن قام طيرانه الحربي بقصف أرتال الجيش الوطني على مشارف عدن مخلفاً أكثر من (300) شهيد من جنود وضباط هذا الجيش.

 

سيواصل ولي العهد السعودي تسويق نفسه كرجل صانع للسلام بعد أعوام من الادعاء بأنه يدير حربا مسيطرا عليها في الساحة اليمنية


بالنسبة للسلطة الشرعية، سيكون ذلك بالتأكيد أحد مظاهر الخسارة السياسية التي ستُمنى بها إذا ما افترضنا أن الرئيس هادي حريص على وزرائه المخلصين والذين ضخوا طيلة الفترة الماضية الكثير من الحماس في جسد الشرعية المنهك والمستهدف بشكل رئيس من التحالف السعودي الإماراتي نفسه.

لن يكون الإخفاق المحتمل في تنفيذ اتفاق الرياض صادماً لأي من المراقبين الذين تحفل ذاكرتهم القريبة والبعيدة بسلسلة من الاتفاقات الفاشلة التي أبقت الساحات المشتعلة في سورية وليبيا واليمن مفتوحة على احتمالات الحرب الطويلة الأمد والتي لن يحسمها إلا حدوث تبدل جوهري في ميزان القوى العسكرية في كل تلك الساحات وفي المقدمة منها الساحة اليمنية.

وإلى ذلك الوقت سيواصل ولي العهد السعودي تسويق نفسه كرجل صانع للسلام بعد أعوام من الادعاء بأنه يدير حربا مسيطرا عليها في الساحة اليمنية وبأنه بالإضافة إلى ذلك يستطيع توجيه ضربات ساحقة للجار الإيراني في الطرف الشرقي من الخليج. 

لقد آن الأوان بالنسبة لولي العهد لإنهاء حرب اليمن، لكن لا أعتقد أن اتفاق الرياض يمثل مدخلاً مناسباً، فهذا الاتفاق الذي أجبرت الرياض طرفين تابعين بالكامل لإراداتها على توقيعه، لا يشمل جوهر الأزمة التي لا تزال تتمثل في بقاء العاصمة صنعاء رهن مليشيا مسلحة ومدعومة من أطراف إقليمية أوصلت خلال الفترة الماضية العديد من الرسائل المؤلمة إلى العمق السعودي وأجبرت الرياض على دفع كلفٍ باهضةٍ لحربها غير الحاسمة في اليمن.