قضايا وآراء

نصائح ذهبية لاستثمار أموالك الشخصية

1300x600

المال قوام الحياة، فهو الذي ينتشل الإنسان من الفاقة إلى الغنى، ومن الحاجة إلى سد الحاجة، ويجعل يده عليا ومن ثم يكون أكثر مكانة وتقديرا من اليد السفلي. وقد وصف القرآن الكريم المال أنه خير (وإنه لحب الخير لشديد-العاديات: 8)، وأنه من زينة الحياة الدنيا (المال والبنون زينة الحياة الدنيا- الكهف: 46)، وحث على استثماره وعدم تركه عاطلا حتى يستفيد المجتمع كله من دورانه تنمية، وحتى لا تنقصه الزكاة، فتخرج الزكاة من ربحه لا من رأس المال.

والمال في الإسلام ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة من وسائل تبادل المصالح وقضاء الحوائج، فمن استعمله في هذا السبيل فهو خير له ولمجتمعه، ومن استعمله على أنه غاية انقلب إلى شهوة تورث صاحبه المهالك، وتفتح على الناس أبوابا من الفساد. يقول الإمام الغزالي: "المال مثل حية فيها سم وترياق، ففوائدة ترياقه، وغوائله سمومه، فمن عرف غوائله وفوائده أمكنه أن يحترز من شره، ويستدر من خيره".

 

المال في الإسلام ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة من وسائل تبادل المصالح وقضاء الحوائج، فمن استعمله في هذا السبيل فهو خير له ولمجتمعه

وقد عرف تاريخ المسلمين رجال أعمال عظام كان المال في أيديهم ولم يمتلك يوما قلوبهم.. هم يحركون المال ولا يحركهم المال.. هم يصنعون الثروة ولا تصنعهم الثروة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير رجل أعمال عرفته الدنيا (ولازمته قبل البعثة وبعدها) صفة الصادق الأمين، كما شهد عصر الرسالة رجال أعمال عظام في مقدمتهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب، وغيرهم الكثير.

وفي زماننا هذا وجدنا من يعاني من مدخرات لا يحسن إدارتها، أو لا يشبعه ربحها في البنوك، في حين يغريه غيره من رجال الأعمال بالاستثمار لديه بأرباح مضاعفة، كما وجدنا من له قدرة على إدارة الأموال لكنه لا يجد المال الذي يديره وفق مهاراته، وقد يسر الإسلام السبيل للطرفين لأرباب الأموال وأرباب الأعمال للتكامل بينهما، والاسترباح من خلال المضاربة الشرعية التي تمثل شركة بين المال من جانب والعمل من جانب آخر، كما كان عليه الحال قبل البعثة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضى الله عنها.

وفي زماننا هذا أيضا وجدنا للأسف الشديد سلوكيات يرفضها الإسلام والخلق القويم؛ بالاستسلام لسطوة المال وشهوته، وطمع النفس وتنافسها فيه، بل والنصب أحيانا بمنح أرباح خيالية ومغرية من أرباب الأعمال أو مديري الاستثمار للمودعين من وعاء أموالهم المتجدد دون استثمارات حقيقية مرئية، وما هى إلا أشهر معدودات ذاق فيها أرباب الأموال أو المودعين فيها طعم الربح، ثم تقع المصيبة بضياع المال، بل وهروب مستثمرها أحيانا دون العثور على أثر مال أو قدم له. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: "فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم" (رواه البخاري).

 

وجدنا من يعاني من مدخرات لا يحسن إدارتها، أو لا يشبعه ربحها في البنوك، في حين يغريه غيره من رجال الأعمال بالاستثمار لديه بأرباح مضاعفة

إن الأحداث التي نراها بأم أعيينا تبرز أن عددا ليس هينا من أصحاب الأموال يعانون من ضياع أموالهم عند من وثقوا فيهم لإدارة الأعمال، فضيعوها إما تقصيرا أو عدوانا. وهذا ما يحتم علينا الوقوف ضد هذا السلوك وما ينتج عنه من تبخر أموال الناس بفعل جشع جاشع أو طمع طامع، مع أن الله تعالى ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما.

لقد بصر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رَضي الله عنه الناس بحقيقة الناس، فقد أشهد رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشهادة فقال له عمر: لا أعرفك، فائتني بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه. فقال عمر: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل. فقال عمر: أهو جارك الأدنى الذي تعرفه ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال عمر: فهل عاملته بالدينار والدرهم اللذين يُستدل بهما على الورع؟ قال: لا. قال عمر: فهل رافقته في السفر الذي يُستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. فقال عمر: أظنك رأيته قائماً في المسجد يهمهم بالقرآن، يخفض رأسه تارة ويرفعه أخرى! قال: نعم. قال عمر: اذهب فأنت لا تعرفه!! ثم قال للرجل المشهود له: ائت بمن يعرفك (رواه البيهقي).

ومن هذا المنطلق فإننا نضع أمام كل صاحب مال يريد استثماره من خلال غيره عشرة نصائح ذهبية، لعلها تحول بينه وبين ضياع تحويشة عمره أو مصدر الدخل لمعيشته. أما النصيحة الأولى، فلا تستثمر مالك مع من ليس أهلا للثقة والإدارة الرشيدة والخبرة العميقة. والنصيحة الثانية: لا يغرنك ارتفاع العائد المتوقع، وضع عينا على المخاطر والعين الأخرى على العائد. والنصيحة الثالثة: لا تتخذ قرار استثمار مالك اعتمادا على الإخوة والالتزام الديني الظاهر وحده. والنصيحة الرابعة: لا تستثمر مالك دون معرفة حقيقية لطبيعة عقد الاستثمار وشرعيته وقانونيته. والنصيحة الخامسة: لا تستثمر مالك دون كتابة واضحة ومحددة لعقد الاستثمار من أصحاب الخبرة. والنصيحة السادسة: لا تستثمر مالك إلا في مشروعات ذات دراسات جدوى وأصول محددة تراها بأم عينك وتتابع تطورها بنفسك. والنصيحة السابعة: لا تستثمر مالك إلا ولك حق المتابعة الدورية والحصول على كشف شهري (على الأقل) بحساباتك. والنصيحة الثامنة: لا تستثمر مالك مع مستثمر بعيدا جغرافيا عن موطن إقامتك. والنصيحة التاسعة: لا تتورع أن تأخذ ضمانات ضد التعدي والتقصير ومخالفة الشروط. والنصيحة العاشرة: لا تبرر في استثمار مالك الوقوع في الحرام أو حتى في الشبهات.