صحافة دولية

لوس أنجلوس تايمز: كيف تبدو العلاقة بين تركيا وأمريكا؟

لوس أنجلوس تايمز: علاقات تركيا وأمريكا كانت صعبة حتى قبل العملية في سوريا- الأناضول

نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تقريرا للصحافية لورا كينغز، تقول فيه إن مكالمة هاتفية للرئيس ترامب من زعيم أجنبي أدت مرة أخرى إلى زعزعة التحالفات الدولية، وأرقت السياسة الداخلية في أمريكا، وأثارت أسئلة صعبة حول السياسة الخارجية في يد زعيم لا أحد يستطيع التنبؤ بما يفعل، والذي قد لا تكون مصالحه التجارية شفافة. 

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الحديث هذه المرة عن تركيا، وليس عن أوكرانيا، لافتا إلى أن التداعيات استمرت يوم الثلاثاء حول بيان البيت الأبيض المفاجئ ليلة الأحد، بأن ترامب، وبناء على طلب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قرر أن يسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، كما يبدو ليفسح المجال أمام اجتياح تركي. 

 

وتقول كينغز إن ذلك سيترك الحلفاء الأكراد السوريين، الذين كانوا فعالين ضد تنظيم الدولة، معرضين للقتل من القوات التركية، التي تعد الأكراد السوريين متحالفين مع نظرائهم "الإرهابيين" في تركيا.

 

وتبين الصحيفة أنه عندما واجه ترامب عاصفة من الانتقادات، حتى من أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري؛ بسبب تخليه عن قوة مقاتلة أثبتت ولاءها لأمريكا، فإنه قام بإصدار عدد من البيانات التي يحذر فيها تركيا من فعل شيء، قائلا: "إذا فعلت تركيا أي شيء أعتبره، بحكمتي العظيمة التي لا مثيل لها، خارجا عن الحدود، فسوف أقوم بتدمير اقتصاد تركيا بالكامل".

 

ويلفت التقرير إلى أن تلك التهديدات أثارت ردود فعل حادة من تركيا، فأعرب نائب الرئيس فؤاد أقطاي يوم الثلاثاء عن إصرار حكومته المستمر لقتال الأكراد السوريين، وإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، تسمح لتركيا بإعادة توطين اللاجئين السوريين الذين لجأوا إليها، وقال أقطاي في خطاب له في العاصمة أنقرة: "عندما يتعلق الأمر بأمن تركيا، نحن من يقرر طريقنا، ونضع الحدود لأنفسنا".

 

وتفيد الكاتبة بأنه بحلول ذلك الوقت كان ترامب يظهر مؤشرات تراجع "عن التهديدات"، ففي سلسلة من التغريدات يوم الثلاثاء، قام بالإشارة إلى التعاون التركي في أمور، مثل إطلاق سراح القسيس الأمريكي العام الماضي، ومكانة تركيا كونها شريكا تجاريا وحليفا للناتو، وبقي في الوقت ذاته يشير إلى الأذى الذي يمكنه إلحاقه بالاقتصاد التركي المترنح، الذي بدأ يظهر بصفته نقطة ضعف سياسي بالنسبة لأردوغان. 

 

وتورد الصحيفة معلومات أساسية حول العلاقة بين تركيا وأمريكا، وما قد يخبئه المستقبل للتحالف الإشكالي، التي جاءت على النحو الآتي:

 

سوريا ليست نقطة الخلاف الوحيدة

 

بالرغم من أن ترامب جلب معه مستوى جديدا من الاضطراب للتعامل مع تركيا، إلا أن أنقرة لطالما كانت حليفا شائكا وإشكاليا، وكانت تركيا عضوا في حلف الناتو منذ عام 1952، لكن السنوات الأخيرة شهدت أجندة أردوغان اصطداما مستمرا مع أجندات أمريكا وأعضاء التحالف الآخرين في أوروبا، وفي الوقت الذي كان فيه الصراع في سوريا يتسارع، فإن تركيا سمحت لحدودها الجنوبية بأن تصبح طريقا سريعا للمتطرفين الأجانب للانضمام إلى القتال في سوريا، بالإضافة إلى أن تركيا جعلت غضبها واضحا من رفض أمريكا تسليم فتح الله غولن، الذي يعتقد أردوغان أنه يقف خلف انقلاب 2016 الفاشل ضده.

 

وأدت تركيا دورا هامشيا في أول فضائح إدارة ترامب، فمايكل فلين، الذي أقيل بعد 24 يوما من منصبه مستشارا للأمن القومي، عمل خلال الحملة بصفته وكيلا أجنبيا غير مسجل لتركيا، وينتظر فلين الحكم عليه لكذبه على مكتب التحقيق الفيدرالي حول اتصالاته بالسفير الروسي لواشنطن في ذلك الوقت.

 

ترامب وأردوغان

 

برز الزعيم التركي البالغ من العمر 65 عاما، الذي بقي في السلطة على مدى 20 عاما تقريبا، بصفته مثالا مبكرا على الصداقات التي يسعى ترامب بتلهف لإقامتها مع الزعماء ذوي العقلية الاستبدادية، ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومات الغربية الأخرى منتقدة بحدة لحملة أردوغان الشاملة ضد المعارضة، على مدى السنوات الثلاث الماضية، وسلسلة من التحركات المنافية للديمقراطية والساعية لتعزيز سلطته، إلا أنه عندما زار أردوغان البيت الأبيض في أيار/ مايو 2017، لم يشر ترامب إلى مواضيع مثل سجل تركيا السيئ في مجال حقوق الإنسان.

 

وخلال زيارة أردوغان، قرر البيت الأبيض التغاضي عن حادثة مروعة خارج سكن السفير التركي لواشنطن، فقام حرس الرئيس التركي بضرب وتفريق المتظاهرين، الذين كانوا على الجانب الآخر من الشارع وليس على الأراضي الدبلوماسية، وتظهر لقطات الفيديو وصول أردوغان، ما يثير احتمال أن يكون هو من أمر بالاعتداء، وتم توجيه التهمة لأكثر من 12 حارسا شخصيا، إلا أنه تم إسقاط التهم لاحقا.

 

والآن سيقوم أردوغان بزيارة، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، بحسب ما أعلن ترامب يوم الثلاثاء.

 

مظهر صداقة

 

بالرغم من إشادات ترامب بـ"الصداقة العظيمة" مع أردوغان، إلا أن علاقة الزعيمين تقوم بشكل كبير على المعاملات، والمثال الأقرب والأبرز كان إطلاق سراح القسيس الإنجيلي، أندرو برانسون، الذي قامت محكمة تركية بإطلاق سراحه في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بعد سجن دام 24 شهرا، وتمت مكافأة ذلك بدعوة لأردوغان لزيارة البيت الأبيض.

 

ولكن عندما يتعلق الأمر بترامب وأردوغان فإن التجاذبات عادية بقدر إظهار الصداقة الحميمة ذاته، فقبل إطلاق سراح برانسون، مارس البلدان تجاذبات مالية، فقامت واشنطن بفرض عقوبات مالية على وزيري العدل والداخلية، ورفعت التعرفة بشكل كبير على الفولاذ والألمنيوم التركي، وأعلن الأتراك عن إجراءات انتقامية.  

 

العلاقات التجارية مع تركيا

 

تهديدات ترامب بـ"تدمير وتحطيم" الاقتصاد التركي تحمل جانبا سلبيا من منظور شخصي: وهو مصالحه التجارية الكبيرة في البلد.

 

ولا أحد يعلم المدى الحقيقي لأملاك واستثمارات الرئيس الأمريكي في تركيا؛ لأن ترامب تحرك على أكثر من جبهة لمنع نشر تقارير الضرائب المتعلقة بشركاته، لكن بعض العلاقات التجارية تم نشرها من الرئيس نفسه، أو من أبنائه الكبار أو شركائه التجاريين.

 

وعندما كان مرشحا للرئاسة عام 2015 أقر ترامب خلال مقابلة مع إذاعة "بريتبارت" بأن مشروع إسكان وتجارة قد يشكل "تضاربا في المصالح"، إنه لا يملك "ترامب تاورز" في إسطنبول كاملا، لكن البرجين الزجاجيين المرتفعين يحملان الاسم بناء على ترخيص مربح لمالكهما التركي آيدين دوغان، الذي كان عدوا لأردوغان، لكنه أصبح اليوم مؤيدا للرئيس التركي، وبحسب مجلة "مذر جونز"، فإن منظمة ترامب، التي لا يزال الرئيس يتربح منها، كسبت حوالي 17 مليون دولار، رسوم ملكية "الاسم". 

 

وتمنح المواقع الاجتماعية نافذة على العلاقة الطويلة، ففي عام 2012 قامت إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس التي تعمل مستشارة كبيرة في البيت الأبيض، بتوجيه شكر كبير لأردوغان، الذي كان رئيس وزراء، على "تويتر"؛ لحضوره افتتاح (ترامب تاورز).

 

بالإضافة إلى أن الحكومة التركية، مثل العديد من الحكومات حول العالم، قامت بعقد نشاطات كبيرة، وحجزت إقامات لمسؤولين حكوميين في فندق (ترامب إنترناشيونال هوتيل)، الذي يقع بالقرب من البيت الأبيض.

 

الحساسيات المتأججة

 

ولا يمكن لأردوغان أن يستخف بالتهديدات الاقتصادية من الرئيس الأمريكي، الذي تبقى قبضته على الحكم قوية، لكن حزبه عانى من خسارة كبيرة في انتخابات البلدية في إسطنبول، وربما أدى الاستياء من الوضع الاقتصادي دورا مهما في فوز المرشح المعارض أكرم إمام أوغلو، الذي فاز في إعادة للانتخابات، وأصبح عمدة لإسطنبول، وفي المرة القادمة التي تحتاج فيها واشنطن شيئا فإنه من المتوقع أن يضع أردوغان وحلفاؤه ثمنا لذلك. 

 

وتختم "لوس أنجلوس تايمز" تقريرها بالقول إن "تركيا لا تريد أن تظهر راكعة أمام أمريكا، فقامت حكومة أنقرة هذا الأسبوع باستدعاء كبير الدبلوماسيين الأمريكيين، جيفري هوفينير، لوزارة الخارجية، التي احتجت لأن حساب (تويتر) التابع للسفارة الأمريكية أعجب بتغريدة أزعجت قيادة حزب أردوغان، وأخرى تتعلق بزعيم حزب الحركة القومية، واعتذر الدبلوماسي قائلا إن هناك خطأ ما قد وقع".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)