قضايا وآراء

خطاب محمد علي وخطاب محمود السيسي

1300x600
من ضمن ما أعاده الممثل والمقاول محمد علي للشعب المصري هو بث الروح في مفهوم "المصداقية" الذي اعترف له به القاصي والداني، إذ به استطاع التأثير على الملايين وجعل آلاف يتصرفون وفق كلامه. وهو أمر نادر، في دنيا إعلام الناس، رغم وجود عشرات القنوات والمواقع وقادة الرأي الذين يقولون بمثل ما يقول به علي، فما الذي فعل؟ وما طرائق إرساله؟

أولا: كان مظهره يشبه دوره، ما جعل الآخرين يرونه في هذا الدور، وقد ساعد شعر صدره النافر من قميصه، ودخان سيجارته المتطاير من جهازه العادي ولغته العادية المطرزة بشتائم، وفنون التهكم والإشارات والإيحاءات ذات الطابع المصري التي يتقنها، كل ذلك كان يدعم خطابه ويحصن مصداقيته.

ثانيا: الاتكاء إلى الحقائق الدامغة التي لا يمكن محوها أو إنكارها، مثل تحديده أماكن القصور وأسماء أصحابها، وأسعارها بدقة، وشكلها، وهو أمر يسهل بالعين المجردة التحقق منه، ولا يمكن إنكاره.

ثالثا: الخطاب الراديكالي الحاسم والمحدد بجمل معينة مثل "ارحل" و"كفاية بقى"، إلى آخره، والاستشهادات بما يفهمه العامة وكل الناس.

رابعا: اعتماد محمد علي (دون أن يحس) على استراتيجية تنميط الصورة: يعني تثبيت صور نمطية في التصور الذهني عن السيسي ومن معه، كونهم لصوصا فسدة.

ويعد الصحفي الأمريكي فوالتر ليبمان أول من طرحها في كتابه "الرأي العام"، فيقول: "إن الوسيلة الأرهف والمتمتعة بقوة إيحاء استثنائية هي تلك التي تشكل سلسلة من الصور النمطية وترسخها"، وهو ما جعل قيادات الإعلام المناوئ تعتقد أنه تكريس متعمد لصورة نمطية سوداء على نحو ما صرح به "السيسي"، قائد المخابرات السابق والمستهدف الأول من الخطاب، في مطار القاهرة.

والصورة الذهنية مصطلح متعارف عليه منذ أوائل القرن العشرين أطلقه فوالتر ليبمان، وهو كاتب وإعلامي وخبير أمريكي توفي في 1974، واشتهر بكونه ضمن أول من قدّم مفهوم الحرب الباردة، ليعبر المفهوم عن التصورات التي يحملها أفراد المجتمع عن العالم من حولهم بمكوناته المختلفة. وقد تتكون من التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وقد تكون عقلانية أو غير رشيدة، وقد تعتمد على الأدلة والوثائق أو الإشاعات والأقوال غير الموثقة، ولكنها في النهاية تمثل واقعا صادقا بالنسبة لمن يحملونها في رؤوسهم. وقد أفلح الفنان محمد علي بفطرته؛ في تصوير السيسي بأنه لص، وحطّ من هيبة سلطته بتكريس أنه "بأف" ومعلقة" و"أزعة" (أي قصير) و"فاشل"، مستخدما وسائل شتى من أساليب الإقناع والتأثير، في حين لجأ الإعلام المناهض، والذي يقوده نجل السيسي ومعه عباس كامل إلى الاستراتيجيات التالية:

1- استراتيجية التكرار: أو الضخ المتوالي للمعلومات بغض النظر عن صدقها أو كذبها، وبتلك الاستراتيجية يتم تحشيد كل فنون الإعلام، من أخبار واستقصاءات وتقارير، واستضافة مصادر في فترة محددة لصناعة فكرة معينة، والتركيز عليها لترويجها أو تمريرها أو تبريرها، بصورة جعلت تشابه الأقوال والتصريحات ومانشتات الصحف شبه متطابقة؛ بأنه لص وهارب وخائن وعاق، وهي عملية إعلامية متعمدة مخطط لها، لاختزال وتبسيط مخل للصورة العامة لشخص محمد علي، بما تستدعي ردود فعل معينة من الجمهور. وهي تشويه متعمد للحقائق، والتعميم المفرط، ولكن كان ذلك طريقة لا تستند إطلاقا إلى الحقائق المنظورة.

2- استراتيجية التسطيح: كان خطاب الإعلام المناوئ سطحيا وساذجا لتمييع القضية، وتحويلها من مجردات عقلية إلى نماذج مشخصة بسيطة. فمحمد علي إخواني أو متعاون مع الإخوان أولص و"زير نساء"، أو كل ذلك في لحطة واحدة.

3- استراتيجية تعويم الشائعات: الجهاز الإعلامي المخابراتي بمصر اتجه إلى الشائعة السوداء لتحطيم معنويات محمد علي وتضليل البسطاء الذين يثقون بما يقوله؛ بكسر صورته، من خلال أكاذيب يصعب تصديقها، كاتهامه بأنه ضابط في المخابرات الإسبانية أو مجند من قبل تنظيمات وخلافه.

4- استراتيجية الحجب والبث: يقول يوهان اركيولا (Yohn Arguilla): "ليس من يملك القنبلة الكبيرة هو من سينجح، بل الذي سيروي التاريخ جيدا"، لذا اجتهدت السلطات المناوئة لخطاب محمد علي من أجل السيطرة على الميديا التقليدية والإعلام الجديد، ومحاولة التشويش عليه بعد الفشل في تشويهه، فلجأت إلى تفعيل أنظمة الحجب والمراقبة والتفتيش التقليدي لأجهزة المواطنين واختراع "dmail" المسيطر عليه ليكون بديلا عن البواحث العالمية. ووفقا لما هو منظور في المدى القريب، فإن أيا من تلك الوسائل التي استخدموها ذات مقدرة ضعيفة للوقوف أمام فيضان المصداقية التي يتبناها ذاك المقاول الفنان.

ولا تزال اللعبة مفتوحة.