مقالات مختارة

انتبهوا يا أصحاب نظرية الأمن والاستقرار

1300x600

في رمضان عام 2018 خرج عشرات الآلاف من المواطنين في تظاهرات زاحفة نحو مقر الحكومة للاحتجاج على قانون الضرائب، وعلى مدى أيام عديدة.


المشهد تكرر في الخميس قبل الماضي من قبل المعلمين حيث خرج أكثر من 30 ألف منهم في مسيرات شلّت العاصمة مطالبين بعلاوة على رواتبهم، كان العدد سيكون أكثر بكثير لولا الحواجز الأمنية التي انتشرت داخل عمان وخارجها لمنع المعلمين من الوصول إلى الدوار الرابع، ومنذ ذلك اليوم، دخل المعلمون في إضراب عام، أيضاً لم تشهد البلاد مثله في شموليته ونجاحه.


لم يحدث أبدا في تاريخ الأردن الحديث عن وقوع مظاهرات احتجاجية بهذا الحجم، حتى في أيام الربيع الأردني في عام 2011، ولم يحدث أبدا في الذاكرة الوطنية أن خرج 10 بالمئة من هذه الأعداد التي شهدناها في مظاهرات ترفع مطالب سياسية.

 

وهذا لا يعني تقليل أهمية السياسة في وعي الشعوب لأن أحوال الاقتصاد في كل دولة (إن كانت جيدة أو سيئة) هي الجسر الذي عبرت عليه التغييرات السلمية أو الحادة في ذاكرة التاريخ السياسي.


هذه التظاهرات والإضرابات الكبرى مؤشر على نفاد صبر الأردنيين الذي يخضعون لضغوطات اقتصادية ومعيشية كبيرة، لقد شدوا الأحزمة أكثر مما يجب، قدرتهم على الاحتمال توقفت مع اتساع المشاعر بان تضحياتهم قد ذهبت سدى، بسبب سياسات حكومية متعاقبة لم تنجح في توظيف هذه التضحيات إلى قصص نجاح تخلق تنمية وفرص عمل. ما حدث، العكس تماماً، فشل ذريع في جذب الاستثمار، اتساع رقعة الفقر والبطالة، تصاعد في مستويات المديونية بالتوازي مع ملفات فساد مالي وإداري تعجز الدول الغنية عن تحمل أعبائها.


هذا الفشل الاقتصادي رافقه فشل لا يقل خطورة، وهو تعطيل متعمد لقيام تنمية سياسية حقيقية، طالما طالب الأردنيون بها منذ 30 عاما، حتى يئس الشعب من الإصلاح، وتلوثت الساحة السياسية بداء يصعب البراء منه، وهو المال السياسي الذي أفسد الضمائر، مع ظهور أرتال من المنافقين الذين صدق فيهم قوله تعالى "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"، غياب الإصلاح الحقيقي الذي يقود إلى حكومة منتخبة وأغلبية نيابية وأقلية من المعارضة في البرلمان أدى إلى ضعف آليات المحاسبة في الدولة وتفشي الفساد في ملفات مخزية تُعيب أي نظام سياسي يحترم نفسه.


وأكثر ما يغيظ الأردنيين ويشعل الغضب خلف ضلوعهم أن لا حساب ولا محاسبة، الفاشلون لم يغادروا مواقع القرار والإدارة والفاسدون يتبخترون ويختالون، ومن أُرسل منهم خلف القضبان خرج وكأنه عائد من نزهة بدون أن تسترد المالية العامة شيئا مما سلب ونهب. والقصة كلها، بل مصيبة هذا البلد، تتلخص في فشل الإدارة العامة فشلاً يرقى إلى أخطر مراتب الفساد.

 

إضراب المعلمين يشكل قمة جبل الجليد ويؤشر بأن الاحتجاجات الاجتماعية على خلفية مطالب معيشية قد دخلت طوراً آخر، وأن علاجها لا يكون بالتغني بهيبة الدولة وسيادة القانون، هيبة الدولة تكون عندما لا يجرؤ فاسد على نهب دينار واحد من المال العام، هيبة الدولة عندما لا يقف في الصف طابور ممن استغلوا سلطتهم فراكموا ملفات فساد أفقرت البلد وأساءت لسمعته الاستثمارية.

 

هيبة الدولة تكون عندما يحترمها شعبها وعندما تتكون القناعة بين صفوفه بأن بلده واقتصاده ومستقبله في يد قوم يضحون بأموالهم وأنفسهم من أجل مصلحة وطنهم وشعبهم. هيبة الدولة والقانون تكون باحترام إرادة الناس وحقهم في التظاهر السلمي. فهل تدمرت هيبة الدولة الفرنسية بعد 75 أسبوعاً من التظاهرات المطلبية في باريس؟ وجود شعب حي يعني وجود نظام حي.

وأخيرا أقول انتبهوا يا أصحاب نظرية الأمن والاستقرار القائمة على تخويف الأردنيين بما حصل لشعوب الربيع العربي، هذه انتهى مفعولها، انتبهوا فالانفجارات الكبرى في التاريخ كانت من اجل الخبز (بمعنى الفقر والبطالة والشعور بالظلم).


مثل هذه الانفجارات ما زلنا بعيدين عنها بإذن الله. ليس بفضل حكمتكم بل لأن الأردنيين يكرهون العنف والفوضى. لكن هذا لا يعني تخليهم عن حقوقهم الدستورية واحتجاجاتهم السلمية.. الأردنيون لا حاجة لهم بالعنف بعد أن امتلكوا ناصية إرادتهم والإصرار على إصلاح بلدهم بالنقد والاحتجاج السلمي والتمسك بحرية الرأي والتعبير.. إن وعي الأردنيين بحقوقهم الدستورية، بالعدالة، بحقوق المواطنة، وبحكم نظيف، يتنامى ويتسع.


يا أصحاب القرار حافظوا على صيانة هذا الوعي الشعبي، وتعلموا فن الصبر والحوار ولغة الاهتمام بمطالب المعلمين وغيرهم، تعلموا الإصغاء وتجنبوا شر الكبرة وخيلاء السلطة. 


توقفوا عن هذا التجاهل لأصوات الأردنيين ومطالبهم، أصلحوا أصلحكم الله وانظروا فيما تنفقون وبما أنتم به مقصرون، ولا تتمادوا في سياسات التضييق على الشعب وكأنكم لا تجيدون غيرها يا هداكم الله.

 

نقلا عن صحيفة المقر الأردنية الإلكترونية