كتاب عربي 21

نمط مقاومة فلسطيني جديد

1300x600

شن المقاومون الفلسطينيون عملية عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني بتاريخ 23 آب (أغسطس) الجاري فقتلوا مجندة صهيونية وأصابوا جنديين أو مستوطنين اثنين بجراح خطيرة. كانت العملية ناجحة، وتمكن الذين قاموا بالعملية من الاختفاء، وشرع جيش الصهاينة في البحث عن المنفذين.

 

عملية مختلفة عن سابقاتها

حسب وصف المعلقين الصهاينة من عسكر وإعلاميين، العملية كانت مختلفة في أدائها عن العملية السابقة، وهي تنذر بعمليات أخرى يمكن أن تكون مكلفة للجيش الصهيوني والمستوطنين على حد سواء. اعتاد الفلسطينيون في السنوات الأخيرة استعمال السلاح الأبيض من سكاكين وعمليات دهس بالسيارات، واستعمال أسلحة نارية رشاشة ضد أعدائهم، ولم تكن أغلب العمليات ناجحة، وكان يتمكن الاحتلال في أغلب الحالات من القضاء على المهاجم الفلسطيني أو اعتقاله. هذه العملية مختلفة لأنها تمت بعبوة متفجرة ليس من المعروف حتى الآن كيف تم زرعها وتفجيرها. التحقيقات الصهيونية ما زالت جارية حتى الآن، وتقول المعلومات الأولية إنه تم إلقاء العبوة المتفجرة من سيارة مسرعة مرت بالقرب من مستوطنة دوليف الواقعة غرب مدينة رام الله.

 

شكلت الخروقات الأمنية خطرا كبيرا على الشعب الفلسطيني ومكنت الاحتلال من إحكام سيطرته على الأرض والناس في آن واحد.


تجهيز عبوة متفجرة يتطلب معرفة تقنية في كيفية تصنيعها، وكيفية تفجيرها عند زرعها أو إلقائها. أي أن الذي قام بإلقائها توفرت لديه معرفة حصل عليها بالمشاهدة والتجربة العملية، وهو يستطيع تصنيع نسخ منها، وتدريب آخرين على صناعتها. وإذا حصل هذا بالفعل فإن نموذج العبوات المزروعة على جانب الطريق أو تحت الأرض أو في ثمار البطيخ والشمام والموز وغير ذلك سيتكرر في فلسطين. وبهذا يمكن أن يتحول بقاء الاحتلال في الضفة الغربية إلى عبء ثقيل لا يستطيع جيش الصهاينة تحمله أو الاستمرار في مواجهته. من الوارد أن تصبح تكلفة احتلال الضفة الغربية أكبر بكثير من الفوائد التي يجنيها. الاحتلال مرتاح الآن لأنه أقل احتلال تكلفة في التاريخ بسبب قيام السلطة الفلسطينية بالعديد من الأعباء نيابة عن الاحتلال. لكن الأمور ستنقلب إذا نشطت المقاومة بطريقة تتغلب فيها على إجراءات السلطة الفلسطينية الأمنية المناهضة للمقاومة.

وبما أن العبوة تطلبت علما ومعرفة فإنه من المتوقع أن الهجوم كان بفعل تنظيم وليس مجرد مبادرة فردية. لا نستطيع القطع بأنها لم تكن فردية، لكن الاحتمال وارد أن تنظيما ما مثل حماس والجهاد الإسلامي قد قرر تفعيل المقاومة ضد الاحتلال، وبدأ فعلا بتطوير كوادر تنظيمية تتمتع بقدرة على إلحاق الأذى بالاحتلال. وإذا كانت تنظيمية، أي من فعل تنظيم فإننا نتوقع استمرارية العمليات العسكرية بطريقة منهجية وفعالة. الأعمال الفردية لم تكن تتم وفق خطة مدروسة، وإنما كانت تتم وفق تدبير كل فرد على حدة وبينه وبين نفسه. أما الأعمال التنظيمية فتتميز بوجود قيادة وإمكانات مادية وتقنية وطاقم استطلاع وفحص وتدقيق، الخ.

 

مخاطر الاختراق الأمني

لكن هناك مشكلة في العمل التنظيمي في فلسطين وهي الخروقات الأمنية التي تمكنت المخابرات الإسرائيلية من تحقيقها في صفوف التنظيمات. عبر السنين ومنذ عام 1967، تمكنت إسرائيل من مواجهة المقاومة الفلسطينية بكفاءة عالية بسبب تسلل الجواسيس والعملاء بصورة واضحة إلى الفصائل الفلسطينية وتزويد الصهاينة بكم هائل من المعلومات حول القيادات والأفراد والمقار والأساليب التنظيمية والتدريبات العسكرية وأنواع الأسلحة والمتفجرات، العديد من نوايا القيام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال كانت لا تخرج عن حيز النوايا لأن المخابرات الصهيونية كانت ترصد وتقضي على النوايا وأصحابها في مهدها. ولهذا كانت العمليات العسكرية الناجحة التي نفذتها فصائل المقاومة خلال أعوام 1967 حتى عام 1982 محدودة جدا ولا تليق بمن كانوا يحملون شعار الثورة. شكلت الخروقات الأمنية خطرا كبيرا على الشعب الفلسطيني ومكنت الاحتلال من إحكام سيطرته على الأرض والناس في آن واحد.

 

يمكن أن يتحول بقاء الاحتلال في الضفة الغربية إلى عبء ثقيل لا يستطيع جيش الصهاينة تحمله أو الاستمرار في مواجهته.


العمل الفردي أكثر تحصينا من الناحية الأمنية لكنه أقل كفاءة واستمرارية. ولهذا لم تكن الأجهزة الأمنية الصهيونية والفلسطينية قادرة على اكتشاف منفذي العمليات التي كانت تتم بالسلاح الأبيض قبل حصولها. أما في حالة التنظيم، فإنه بإمكان الأجهزة الأمنية المعادية اكتشاف أسرار التنظيم والنوايا قبل أن تتم القيام بالعمليات. الخروقات الأمنية تعني وجود عناصر تزود المخابرات الصهيونية بالمعلومات، وقد تكون هذه العناصر قيادات في التنظيم أو مدربين ومخططين أو مجرد عناصر عاديين لا مهام إدارية وتنظيمية تشغلهم.

وعليه فإنه إذا كانت عملية دوليف تنظيمية فإن المهمة الأولى أمام التنظيم تنظيف صفوفه من العملاء والجواسيس، وأخذ كافة الاحتياطات التقنية لمواجهة التجسس الإليكتروني الصهيوني على الشعب الفلسطيني. التقنية الحديثة تتمكن من جمع المعلومات، لكن الجواسيس بين الصفوف هم الأكثر خطرا. هناك معايير أمنية مشددة يمكن الإفادة منها، ومن الممكن الإفادة من تجارب الآخرين الذين أثبتوا كفاءة في التحصين الأمني.