ملفات وتقارير

لهذه الأسباب يضخّم النظام انتصاره في خان شيخون

النظام السوري أعلن بسط سيطرته على خان شيخون- جيتي

دأبت وسائل إعلام النظام السوري خلال الأيام القليلة الماضية على مواكبة الأوضاع في مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، وذلك بعد أن أرغم القصف الجوي الروسي والسوري العنيف فصائل المعارضة على الانسحاب منها أواخر الأسبوع الماضي.


ولا يكاد اسم خان شيخون يغيب عن التداول في إعلام النظام، حيث يتم التركيز بشكل مكثف على تغطية الاحتفالات التي تقام في ساحات المدينة وأعمال الصيانة وإصلاح الطرق، وكذلك الجولات التي يجريها قادة جيش مع مسؤولين سياسيين، وعلى رأسهم المستشارة الإعلامية للأسد، بثينة شعبان.
وإلى جانب ذلك، أكدت مصادر من النظام، تعيين الأخير لعدد من ضباط الشرطة في خان شيخون، وتأكيده على مباشرة أعمالهم بشكل فوري.


وتثار تساؤلات عن أسباب هذا الزخم الإعلامي والسياسي الذي يصاحب حدث السيطرة على خان شيخون، والرسائل التي يريد نظام الأسد إيصالها، والجهات المعنية بها.


روسيا تجدد دعمها الأسد


وضمن رؤيته لما يجري في خان شيخون، اعتبر الكاتب والباحث السوري، ماهر علوش، أن الرسائل ليست موجهة من النظام فقط، وإنما من روسيا التي استعادت السيطرة على المدينة بشكل أساسي، ومن ثم فقد يكون الظهور الرسمي المكثف للنظام في المدينة، رسالة تأكيد من روسيا إلى المجتمع الدولي، مفادها أن نظام الأسد باق في الحكم، وأنه يتلقى منها دعما كبيرا في سبيل إحكام سيطرته على المناطق الخارجة عن نفوذه.


وأضاف لـ"عربي21" أن هذا الاحتمال قد يفسر سبب عدم دخول ميليشيات النظام إلى المدينة عقب إعلانه سيطرته عليها، ما يعني أن عدم دخوله لها بداية، ودخوله لها لاحقا، تم بأوامر من روسيا، صاحبة النفوذ الفعلي في المعركة.


النظام يروج لنصر كبير


وبالانتقال إلى الرسائل من جانب النظام، قال علوش، إن النظام أراد توجيه رسالة داخلية إلى حاضنته، باعتبار أنه حقق نصرا عسكريا استراتيجيا على الثورة، ودخوله إلى مدينة خان شيخون يعد نصرا كبيرا للغاية، لذلك من الطبيعي أن يتعامل مع الحدث بقدر كبير من الاهتمام، خاصة أن مدينة خان شيخون ــ والتي تتبع إداريا لمدينة إدلب ــ تعد من أهم معاقل الثورة في الشمال.

 

اقرأ أيضا: تحشيد للنظام السوري تحضيرا لهجوم على قرى معرة النعمان

وتابع بأن النظام يريد أن يظهر أمام حاضنته بأنه يسيطر على أحد أهم المراكز الحيوية في مدينة إدلب، لافتا إلى أمر هام، وهو أن عدد قتلى النظام في معاقله الكبرى في الساحل بات كبيرا جدا، وتسبب في حالة كبيرة من السخط والتذمر في صفوف مؤيديه، وتضخيم هذا الانتصار يبعث إلى حاضنته رسالة مهمة أن تضحياتهم معه لم تذهب هدرا.


رسالة إلى تركيا

 
ومن بين التفسيرات الأخرى للتركيز على خان شيخون، من وجهة نظر علوش، أن النظام أراد إرسال رسالة رسمية إلى تركيا التي تتواجد في محيط المنطقة من خلال نقطة المراقبة التاسعة في مورك، والتي تمت محاصرتها من قبل ميليشيات النظام.


وأوضح أن هذه الرسالة يمكن قراءتها باتجاهين مختلفين، الأول: أنها رسالة تهديد للقوات التركية المتواجدة في نقطة المراقبة، وتأكيد من النظام أن نقاط المراقبة التركية لا تستطيع إيقاف العمليات العسكرية التي يقوم بها ضد تلك المناطق التي تتواجد فيها، ويؤيد هذا الاتجاه التهديد الصادر على لسان المستشارة الإعلامية للأسد بثينة شعبان، حيث هددت في مقابلة تلفزيونية لها أن النقطة التركية التاسعة في مورك "محاصرة"، وأن ميليشيات الأسد سوف تتمكن من "إزالتها" على حد تعبيرها.


أما الاتجاه الثاني، أنها رسالة تطمين إلى النقطة التركية، وأنها آمنة ولن تتعرض للأذى، بالرغم من محاصرتها واقتراب ميليشيات الأسد منها، ومن ثم فهي رسالة سياسية مفادها أن القوات التركية ليست هدفا لميليشياته، وذلك في محاولة لدفع تركيا لفتح حوار سياسي مباشر مع النظام.


وهنا يشير علوش إلى أن روسيا تسعى لتشكيل نقاط مراقبة وتسيير دوريات مشتركة بينها وبين تركيا في المنطقة العازلة، وهي رسالة واضحة المعالم، الهدف منها جر تركيا ــ أو محاولة تقريبها ــ إلى معسكر النظام من خلال التواصل المباشر.


العودة للتفاهمات


وفي نفس السياق، لم يستبعد علوش أن يكون النظام قد أدرك أن الاستمرار بالمعركة حتى السيطرة على كامل مدينة إدلب سيكون مكلفا للغاية، وعلق بقوله "ربما تكون هذه المعركة لحظة جيدة لإعلان انتصارهم العسكري، والعودة إلى التفاهم مع تركيا بشروط جديدة، وإن كانت المؤشرات تدل على أن روسيا لا تزال مندفعة بخططها العسكرية للسيطرة على كامل المناطق المحررة، وهذا الاحتمال يمكن استنتاجه من التكاليف الكبيرة للمعركة، والتي فاقت أي تصور للنظام والروس عند بدء الحملة، ويبنى عليه أن الحملة فشلت قياسا بالمخطط الأصلي الذي بنيت عليه".


ومتفقا مع علوش، أشار الباحث أحمد سعود إلى أهمية خان شيخون، التي تعد كبرى مدن ريف إدلب، والتي يخترقها الطريق الدولي (حلب-حماة M5).


إفقاد ثقة المعارضة

 
وقال لـ"عربي21" إن النظام يحاول من خلال التركيز على خان شيخون إفقاد الثوار ثقتهم بالاستقرار في إدلب، الأمر الذي سيضعف الرغبة الثورية عند جمهور الثورة السورية.
وأضاف سعود، أن إدلب التي استقطبت كل أنصار الثورة من بقية المحافظات، باتت اليوم المحطة الأخيرة للثورة السورية، وخسارة خان شيخون تعني تهديدا وجوديا لإدلب.


وأكمل في هذا الخصوص، بأن ما يقوم به النظام من تركيز على خان شيخون، هو نوع من أنواع الحرب النفسية الموجهة لزعزعة الثقة لدى المعارضة.

 

اقرأ أيضا: هذه وجهة النظام بعد خان شيخون والمعارضة تشن هجمات مضادة

لكنه بالمقابل شدد، على امتلاك الثوار لكثير من أوراق القوة في إدلب، وقال إن "الوضع العسكري لا زال قابلا للتدارك، في حال أحسن الثوار إدارة الأزمة في الأيام القادمة".

 

الناشط السياسي، مصطفى النعيمي، قال لـ"عربي21": إن روسيا التي دخلت خان شيخون بعد تدميرها، ثم سلمتها لقوات النظام، تريد خلق صورة نمطية لدى المجتمع الدولي، بأنها تحارب "الإرهاب"، من خلال تجميل بعض الشوارع المدمرة ونشر ذلك على شاشات الإعلام، لإظهار ما تراه فارقا بين ما كانت عليه المدينة وبين ما ستكون عليه لاحقا.


من جانبه، أكد مصدر موجود في إدلب، لـ"عربي21" أن روسيا أوعزت للنظام بالبدء بتطبيق "المصالحات" في خان شيخون.


وأوضح المصدر طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن عددا من أبناء مدينة خان شيخون من الموالين للنظام، يقومون بالتواصل مع المهجرين من المدينة، لحثهم على العودة، وإجراء مصالحات مع النظام.


طمس معالم مجزرة الكيماوي

 
بالتوازي مع ذلك، أكد تلفزيون "أورينت" وجود نوايا لدى النظام بطمس معالم مجزرة الكيماوي التي ارتكبها في خان شيخون قبل عامين، وذلك من خلال استقدام عائلات من مناطق موالية إلى خان شيخون لتكذب وتنفي وقوع أي هجوم كيماوي على المدينة.


وأوضح أن النظام ينوي استقدام عائلات من مناطق موالية، إلى مدينة خان شيخون، على اعتبار أنهم من أهالي المدينة، ليقوم الإعلام الروسي والموالي بتصويرهم بأنهم عادوا إلى بيوتهم وأن المدينة لم تتعرض أبدا لأي هجوم بالغازات السامة.


وفي الرابع من نيسان/أبريل 2017، تعرضت خان شيخون لهجوم كيماوي من قبل طيران النظام الحربي، بصواريخ محملة بغاز "الكلور" السام، ما خلف قرابة 91 قتيلا وأكثر من 500 مصاب.