كتاب عربي 21

صباح الخير يا منال!

1300x600
أما "منال"، فهي "منال الطيبي"، المحامية والحقوقية، والتي لم نعرفها بصفتها محامية أو حقوقية، فأول اتصال علمنا بها كان من خلال عضويتها في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور في عهد الرئيس محمد مرسي، وقد أحدثت جلبة، انتهت بتقديم استقالتها من عضوية الجمعية، ثم تبعها في هذا آخرون، ممن انتحلوا صفة "القوى المدنية"، تمييزاً لهم عن قوى التيار الإسلامي!

وأما الكتابة عن "منال"، فبمناسبة ملابسات القبض عليها، واخلاء سبيلها سريعاً، بعد ما نشر عبر السوشال ميديا، وبسبب تدخل المجلس القومي لحقوق الإنسان. فقبل أن تفتح الباب للقوة الطارقة، كتبت على صفحتها على "فيسبوك" أنه يتم القبض عليها، وعادت لتطمئن فؤادنا وكان فارغاً بعد ساعتين من عملية القبض والمداهمة، وقالت إنها ستكتب حقيقة ما جرى معها في اليوم التالي، عندما تعلم أسباب ما حدث، وحتى تلملم قواها الخائرة. وفي اليوم التالي، لم تف بما وعدت، ويبدو أن جهاز الأمن وجد أنها ليست راغبة في ذكر ما جرى، فاستغل الموقف، فقالت مصادر أمنية إن واقعة القبض عليها كانت تنفيذاً لحكم قضائي ضدها، في قضية تعذيب خادمتها.

وهذا أمر من شأنه أن يؤلب عليها الرأي العام، فكيف وهي الحقوقية أن تعذب خادمتها، ولا تأخذها بها شفقة أو رحمة، بشكل يثبته حكم قضائي، لم يكن دور قوات الأمن حياله الأمر إلا أن تقوم بتنفيذه؟ وهو أمر قد يغطي على هذا الإجراء الذي يخالف القانون، فتنفيذ الأحكام القضائية الغيابية لا يكون بالشكل الذي جرى، ولكن لا بد من إعلام المجني عليه بصدور الحكم، حتى يتخذ الإجراءات القانونية بالمعارضة فيه. ثم إنها عضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان، ولها حصانة خاصة تمنع القبض عليها إلا بعد إبلاغ المجلس، وهو ما لم يتم في حالتها.

الإعلام الأمني:

وقصة الخادمة وتعذيبها، والحكم الذي صدر في قضيتها، ونفي "منال الطيبي" للأمر جملة وتفصيلاً، ذكرني بمرحلة الإعلام الأمني في وزارة الداخلية، في بداية تأسيسيه برئاسة مساعد الوزير اللواء رؤوف المناوي، الذي كان يرد على رسائل قراء الصحف المنشورة ضد ممارسات ضباط الشرطة، باستباحة الشاكي، فيكون الرد الذي تنشره الصحيفة عملا بما يوجبه القانون بنشر الردود، حيث كفالة حق الرد، فيه تعريض بالشاكي، وكيف أنه مسجل خطر، ومتهم في القضايا أرقام كذا، وكذا، وتعاطي، واتجار، وأن الضابط كان في مهمة رسمية للقبض على هذا الشقي، تنفيذا للأحكام القضائية أرقام كذا وكذا، حتى صار الأمر مثار تندر بين الصحفيين!

وذات يوم كتب زميلنا سليمان الحكيم مقالاً بجريدة "الأحرار" ضد أحد الضباط، ويبدو أن عملية قص المادة الصحفية المنشورة جعلت من بيده التحقيق في المنشور لا يميز بين المقال والشكوى، والمنشور في صفحة الرأي وما ينشر في "بريد القراء"، وبين مادة يكتبها صحفي، وأخرى تحمل اسم قارئ! فكان رد وزارة الداخلية يجسد الملهاة في ذروتها. فصاحب الشكوى "سليمان الحكيم" مسجل خطر، وهو أحد الأشقياء، حيث سبق اتهامه في قضايا سرقة، ونصب، وتعاطي، واغتصاب، وأنه صدرت ضده العديد من الأحكام القضائية بالسجن. وأمام كل قضية رقما لها، ثم زاد الطين بلة بأن الشاكي متهرب من التجنيد، وأن الضابط كان في طريقه للقبض عليه لتسليمه لأقرب منطقة تجنيد، لتمكينه من خدمة الوطن، حيث الجندية فريضة، وحيث حب الوطن من الإيمان، لكن هذا الشقي أبداً تشاجر معه، وغلبت عليه شقوته، فهو لم يلق اعتباراً لنداء الوطن، واعتدى على الضابط والقوة المرافقة له.

الركاكة:

وإزاء ما نشر على لسان المصادر، قررت "منال الطيبي" ذكر الحقيقة، فكتبت مقالاً طويلاً فهمت منه أن لها ولدا يعيش في الخارج، وأنه وقع بينه وبين زوجته الأجنبية أزمة، لأنه من الواضح أنه وطني مثل أمه. فزوجته قالت إنه لا يوجد في مصر أمن أو أمان، فأبى إلا أن يصطحبها للقاهرة، ليؤكد أن الأمن في مصر متحقق فيها أكثر من أمريكا، وبعد هذا لم أفهم من المكتوب شيئاً!

فهناك خناقة وهناك عصابة حضرت، وهناك إصابات وقعت.. وهناك "طالب شرطة" ورد اسمه عشرات المرات في المقال، دون أن نعرف إن كان طالباً في كلية الشرطة، أو أنه هو من اتصل بالشرطة عند وقوع الجريمة، وهل "طالب الشرطة" جزء من العصابة؟ وهل من استدعى العصابة هي الزوجة الأجنبية، أم الزوج المصري؟

ركاكة في الصياغة ترتقي لدرجة الجريمة المهنية، وقد أصابتني بدوار البحر، فلم أفهم ماذا كتبت، وما هو الموضوع، غير أنني تذكرت أن صاحبة هذه الركاكة كانت عضواً في الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور، وهي التي أثارت المشاكل داخلها قبل أن تستقيل. وقد رفض المستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية، قراءة بيان الاستقالة، وقال إنه لا يرقى لمستوى قراءته، وظننت أنه تعالٍ من رجل كان يتصرف أحياناً على أنه قاض على المنصة، وأن أعضاء التأسيسية مقبوض عليهم "تحري وعلى سبيل الاشتباه"!

وإذ بادرت جريدة "المصري اليوم"، وقد كانت رأس حربة ضد حكم الرئيس محمد مرسي، بنشر بيان الاستقالة، فلم أعرف أسباب استقالتها غير "تهويمات" في الهواء الطلق، فظننت أنها أزمة صحفي أراد تحويل بيان الاستقالة إلى خبر، ولأنه يفتقد للقدرة على الصياغة فجاء المنشور الذي لا أعرف له وجهاً من ظهر. وها أنا الآن أجد نفسي مطالباً بالاعتذار للصحفي كاتب الخبر، فالمشكلة في كاتبة النص، وليست في من حرره.

ليمونة في بلد قرفانة:

لا بأس، فمن الواضح أن استقالة "منال الطيبي" من الجمعية التأسيسية بعد حالة الجدل التي قامت بها، كانت سبباً في تعيينها فيما بعد في المجلس القومي لحقوق الإنسان بقرار من "المؤقت عدلي منصور"، وإلا فما هي قيمتها الدفترية، بغير هذا الاختيار في التأسيسية الذي استخدمته في تأسيس حيثية لنفسها، وباستقالتها صارت بعد الانقلاب العسكري "فرخة بكشك"، و"ليمونة في بلد قرفانة"؟!

وما فهمت مما كتبته حول بيان القبض عليها، أن المحكمة التي أدانت "طالب الشرطة" هي ذاتها التي أصدرت حكما بعد ذلك بتبرئته، ولأنه هو الوحيد الذي لم يتم القبض عليه. وتشير في البيان الركيك، إلى قضية تحرش هي ما تخصها، دون أن نعرف ما هو الموضوع على وجه الدقة.

ومهما يكن فالقوة التي جاءت لتلقي القبض على عضوة المجلس القومي لحقوق الإنسان، خالفت القانون:

أولاً: لأنها عضوة في المجلس المذكور، لا يجوز القبض عليها إلا بعد إخطار المجلس بذلك.

وثانيا: لأن القوة لم تبرز لها ما يثبت شخصية الضباط، أو مهمة حضورهم، فقد قالوا إنهم يريدونها للدردشة!

وثالثاً: لأن تنفيذ الأحكام القضائية لا يتم هكذا.

الخوف من المجهول:

نكون بذلك أمام تصرف خارج القانون من أوله لآخره، وإذا كان قد حدث مع عضو في المجلس القومي لحقوق الانسان، تم إنقاذها بعد تدخل المجلس، فماذا يمكن أن يحدث مع غيرها؟

ثم إنها تقول إنها عندما كتبت أنه يتم القبض عليها كانت تخشى من المجهول: "محدش ضامن أي حاجة الأيام دي نختفي ولا حاجة"، وهو اعتراف بأن هذه الأيام تهدر فيها حقوق الإنسان، وأن هناك اعترافا بالاختفاء القسري تخشاه واحدة من الموالاة، فكيف لمن هم من غير المؤيدين للنظام ولا نقول المعارضين له؟!

لقد اختفت "منال الطيبي" لعامين ونصف، وعندما عادت قالت إنه "القرف" الذي غيبها، ثم ذهبت تكتب كلاماً فارغاً لا قيمة له خارج مجال وظيفتها كعضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان، وكواحدة قدمت نفسها على أنها مهتمة بالقضية النوبية، ولا يبدو أي رغبة لدى هذا النظام في حلها رغم النص الدستوري على ذلك.

إنه الإحساس بأن الدنيا تغيرت، ومرسي ليس هو من يحكم مصر، ولن يكون مسموحاً لها أو لغيرها بأي كلمة، ثم إنها تتحدث عن ظلم قضائي تعرضت له، ومن محكمة أصدرت حكما ظالماً في القضية التي كتبت عنها، ومع ذلك لم تشر إليها من قبل، بشكل كاشف أنها تعترف بأنها تعيش في بلاد الخوف.

فصباح الخير يا منال!