قضايا وآراء

هل السلطة جادة في قرار وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل؟

1300x600

قررت السلطة الفلسطينية أواخر شهر تموز (يوليو) الماضي وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، يجري الحديث عن إتفاق أوسلو بمشتقاته السياسية الاقتصادية والأمنية، أي سحب الاعتراف الفلسطينىي بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، ووقف العمل باتفاق باريس الاقتصادي الذي يحكم العلاقة بين السلطة وإسرائيل.

 

استهلاك إعلامي ليس إلا


طبعاً ثمة أسئلة وعلامات استفهام عديدة لا تتعلق فقط بالقدرة على تنفيذ القرار، وإنما بالإرادة، وهل السلطة جادة فعلاً في التنفيذ أم أنها اتخذت القرار للاستهلاك الإعلامي وتهدئة الرأي العام الفلسطيني بعد مجزرة الاحتلال بحق ممتلكات الناس وبيوتهم في صور باهر بالقدس المحتلة. كما لإرسال رسالة تهديد للإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية في ظل التماهي التام بينهما في السياسات على أعتاب اعتزام واشنطن طرح صفقة القرن المنحازة أصلاً، والتي تزداد انحيازاً مع الوقت وفى مراحلها النهائية لصالح تل أبيب؟

بداية لا بد من الانتباه إلى أننا أمام قرار بوقف أو تعليق العمل بالاتفاقيات، وليس إلغائها كما تطالب عديد بل معظم القوى الفلسطينية، ما يشكك طبعاً في إرادة ونية السلطة تنفيذ القرار، وبالتالي الانفصال الجدي عن إسرائيل والاتفاقيات معها.

 

القيادة الفلسطينية تعترف الآن أنها فاوضت إسرائيل بشكل سيء ووافقت على إتفاقيات مجحفة قدمت فيها تنازلات مجانية من حقوق وثروات الشعب الفلسطيني دون مقابل

 
بالتوازي مع الإعلان عن النية في وقف العمل بالاتفاقيات، وليس إلغائها، ثمة مواقف تتضمن التهديد بسحب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، ما لم تعترف بدولة فلسطينية كاملة السيادة عاصمتها القدس ضمن حدود حزيران/ يونيو 67 مع تهديد بوقف التنسيق الأمني ـ المقدس حسب التعبير الحرفي لمحمود عباس، كما إنهاء الالتزام باتفاق باريس الاقتصادي ـ 1994 ـ المجحف والظالم الذي كبّل الاقتصاد الفلسطيني، منع تطوره ونموه ورهنه بإرادة الاحتلال السياسية والاقتصادية.

هنا يجب أن نتذكر حقيقة أن القيادة الفلسطينية الحالية هي من قبلت بتلك الاتفاقيات، وهي تعترف الآن أنها فاوضت إسرائيل بشكل سيء ووافقت على إتفاقيات مجحفة قدمت فيها تنازلات مجانية من حقوق وثروات الشعب الفلسطيني دون مقابل ملموس وجدى من تل أبيب، ورغم ذلك فهي إلى الآن لم تدفع الثمن ديمقراطياً وسياسياً وتتحمل مسؤولية تلك الأخطاء، بل الخطايا والكوارث الاستراتيجية وقطعاً فهي لا تملك القدرة للمضي بخيارات أخرى لأن لا أحد يضمن أن لا تكرر الأخطاء نفسها وتعيد التفاوض السيء والساذج مع إسرائيل أو أي جهات إقليمية ودولية أخرى.

كان لافتاً كذلك تشكيل الرئيس محمود عباس للجنة كي تأخذ على عاتقها تنفيذ قرار وقف العمل بالاتفاقيات رغم أن ثمة أطر قيادية مخولة بذلك. وكما يقال عربياً إذا أردت أن تقتل أو تماطل في أي شيء شكل له لجنة، هذا يثير الشك طبعاً فى الرغبة بالتسويف والمماطلة، وعدم امتلاك إرادة جادة لتنفيذ قرار وقف العمل بالاتفاقيات، ناهيك عن إلغائها. أما عن أعضاء اللجنة فهم في غالبيتهم من المسؤولين الطاعنين في السن، لا يملكون تفويضا ديموقراطيا شعبيا عبر انتخابات شفافة حرة ونزيهة من أجل الحسم في القضايا المصيرية للشعب الفلسطيني، وهم كانوا حاضرين دوماً في المشهد لعقود وجزءاً من الطبقة السياسية طبقة أوسلو التي فاوضت إسرائيل بشكل مباشر لعقود وقبلوا أو صمتوا أو وقفوا عاجزين أمام الاتفاقيات المجحفة والتنازلات المجانية التى قدمتها القيادة المتنفذة الحالية حسب التعبير الدارج لهؤلاء.

أسوأ من ذلك أن أول اجتماع للجنة ـ السبت 3 أغسطس ـ شهد خلافات ومشاحنات وسجالات وحتى معارك كلامية بين أشخاص طالبوا بالتنفيذ الفوري لقرار وقف العمل بالاتفاقيات، وآخرين طرحوا فكرة إعطاء مزيد من الوقت، والانتظار ربما تتراجع إسرائيل عن بعض تصرفاتها، طبعاً كان أبو مازن أقرب من الفريق الثاني، بل إنهم، أي أعضاء هذا الفريق، تحدثوا أساساً باسم الرئيس ونيابة عنه.

 

في سياق السلطة الفلسطينية واضح أيضاً أن القيادة كما اتضح من اجتماع اللجنة المعنية لا تملك تصوراً محدداً لكيفية والية وقف العمل بالاتفاقيات، ناهيك عن تصور لصباح اليوم التالي وكيف ستتصرف بعد تعليق الاتفاقيات؟ وما هي البدائل والخيارات المتوفرة ووأكيد أن لا إجابات عن ذلك كله من قيادة تصرفت دوماً بعشوائية دون تخطيط مسبق، قيادة بعدما فاوضت ـ كما تقر الآن ـ بشكل سيء في أوسلو اكتشفت عند صياغة الاتفاق أنها لا تملك خبيرا قانونيا مجربا قادرا على صياغة التفاهمات السياسية في سياق إطار قانوني صلب وراسخ، فقام المستشار القانوني لوزارة الخارجية الاسرائيلية ـ يوئيل سنجر ـ للقيام بالعمل وحده وطبعاً بما يتوافق مع الرؤى الأهداف والمصالح الاسرائلية.

 

التوافق الفلسطيني المطلوب

لا يقل عن ذلك أهمية النظر إلى السياق الفلسطيني الأوسع، وبالتاكيد لا يمكن اتخاذ قرار كبير مثل هذا دون التوصل إلى تحقيق الحد الأدنى من التوافق الفلسطيني المتمثل بإنهاء الانقسام، أو على الأقل الشروع الجدي في عملية المصالحة وتطبيق اتفاقياتها بشكل نزيه وعادل. واضح أن هذا غير متوفر، بل على العكس في نفس الجلسة التي أعلن فيها محمود عباس عن قرار أو النية في وقف العمل بالاتفاقيات تحدث عن المصالحة بنفس اللهجة المستبدة المتعالية القائمة على قاعدة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وضرورة الالتفاف حول بل الاصطفاف خلف الرئيس القائد الذي يخوض معركة إسقاط صفقة القرن، دون أي اعتبار لذهنية الشراكة والعمل الوطني الفلسطيني القائم على الجماعية والمؤسساتية في اتخاذ القرارات، ومن ثم السهر المشترك الجامع على تنفيذها.

عموماً، فإن السوابق مع القيادة المتنفذة الحالية غير مطمئنة، كونها تصرفت دائماً بشكل أحادي، بغياب التخطيط والعمل المؤسساتي في اتخاذ القرارت وتتنفيذها، ناهيك عن الاستئثار والتصرف بذهنية الفلول القدامي - الخاتم في الأصبع - كما يقول عباس حرفياً وعدم الاستعداد لاتخاذ خيارات آخرى قائمة على الشراكة الوطنية، وبناء مؤسسات ديقراطية نقية من الفساد الاستبداد، وفي أفضل الأحوال وبظل الواقع الحالي حتى لو افترضنا  النية السليمة. فالنتائج حسب التجارب الفلسطينية وحتى العربية سيئة بل كارثية بكل ما للكلمة من معنى.

باحث وإعلامي