مقالات مختارة

تحديات أمام رئيس وزراء بريطانيا الجديد

1300x600

تولى بوريس جونسون رئاسة الحكومة البريطانية خلفا لتريزا ماي، وسط حالة من الانقسام الشديد داخل بريطانيا على عدة مستويات إزاء خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) سواء داخل مجلس الوزراء السابق، أو داخل البرلمان أو على مستوى الشارع الذي قام بعدة مظاهرات بين مؤيد للبريكست ومعارض له. ورفض البرلمان ثلاث مرات الاتفاق الذي أمكن لتريزا ماي التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي للبريكست، واضطرت في نهاية المطاف إلى الاستقالة.

ويعتبر جونسون واحدا من أهم قيادات بريكست، وسبق أن استقال من منصب وزير الخارجية اعتراضا على ما اعتبره تهاونا من جانب ماي في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، وتوصلها إلى اتفاق غير مقبول، وبدأ الاستعداد لأن يخلفها في رئاسة الحكومة، وقد تحقق له ما سعى إليه، وعقب تكليف ملكة بريطانيا له بتشكيل حكومة جديدة، أكد مرة أخرى رفضه للاتفاق الحالي مع الاتحاد الأوروبي، وأنه سيحقق خروج بريطانيا في الموعد المحدد وهو 31 نشرين الأول/أكتوبر 2019 سواء باتفاق جديد، أو تعديلات أساسية في الاتفاق الحالي، أو دون اتفاق.

واتفاق بريكست الحالي فيه ترضية لمطلب إيرلندا الشمالية، بأن تبقى داخل الاتحاد الأوروبي دون انفصال عن بريطانيا، وذلك بأن تكون معاملات الاتحاد التجارية والاقتصادية والاستثمارية مثل دول الاتحاد الأخرى، وتبقى حدودها الجنوبية مع جمهورية إيرلندا مفتوحة، بينما تتحول حدودها مع بريطانيا التي هي جزء منها إلى حدود الدول غير الأعضاء في الاتحاد، وهذا كان السبب الرئيسي لرفض البرلمان البريطاني للاتفاق؛ لأنه يهدد وحدة المملكة المتحدة لبريطانيا وشمال إيرلندا، ويرسي سابقة قد تشجع إسكتلندا على خطوة مماثلة، وهو الأمر الذي قد يؤدي في المدى الطويل إلى تفكك المملكة المتحدة.

وإزاء تمسك الاتحاد الأوروبي باتفاق بريكست الحالي وعدم إبداء استعداد لأى تعديلات فيه، وفى حالة استمراره على التمسك بهذا الموقف مع حكومة بوريس جونسون، وإذا ما نفذ جونسون وعده بالخروج في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 دون اتفاق، فماذا سيكون عليه موقف إيرلندا الشمالية؟ هل ستطلب الانفصال عن المملكة المتحدة أم ستتراجع عن موقفها وتقبل بالأمر الواقع؟ وهل سيسمح البرلمان البريطاني لجونسون بهذه المخاطر الكبيرة مفضلا مصلحة حزب المحافظين على مصلحة بريطانيا؟ إن كل المؤشرات تشير إلى أن الاتجاه الغالب هو عدم سماح البرلمان البريطاني ببريكست دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالاتحاد، وإنما يمس في الصميم وحدة المملكة المتحدة ويهدد بانفصال إيرلندا الشمالية. ويلاحظ أن حزب المحافظين له أغلبية ضعيفة في البرلمان لا تتعدى على الأكثر ثلاثة أصوات.


ويطالب زعيم حزب العمال «كوربين» بإجراء انتخابات مبكرة، ستكون في حد ذاتها بمنزلة استفتاء على موقف الناخبين من البريكست. ويشاركه الرأي في رفض الخروج دون اتفاق الحزب الديمقراطي المؤتلف مع حزب المحافظين حاليا، وكذلك نحو 16 عضو برلمان من حزب المحافظين إلى الحد الذي جعلهم يهددون بالاستقالة من حزب المحافظين ورحبت بهم قيادة الحزب الديمقراطى للانضمام إلى حزبهم. وإذا تم بريكست دون اتفاق، فلن تحدث فقط خسائر لبريطانيا تقدر بنحو 90 مليار دولار أمريكي، وإنما سيترتب عليه أزمة دستورية وسياسية كبيرة، إلى جانب حالة من الركود الاقتصادى وزيادة نسبة البطالة في بريطانيا.

وقد سارع جونسون وأعلن عدم إجراء انتخابات في بريطانيا قبل البريكست باتفاق أو دون اتفاق في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. ولم يوضح ما هو الأساس الذي يبني عليه هذا الرفض، والثقة التي يتحدث بها سواء عن إمكانية قبول الاتحاد الأوروبي أي تعديلات في الاتفاق، أو عن إمكانية قبول البرلمان البريطاني الخروج دون اتفاق.

وهناك أيضا رجال الأعمال والمال الذين سيقع عليهم العبء الأكبر من البريكست إذا تم دون اتفاق، وهم ــ أو أغلبيتهم ــ من مؤيدي حزب المحافظين، ومن ثم فإنه يتوقع أن يمارسوا ضغوطهم على جونسون للتريث، حتى وإن اقتضى الأمر طلب تأجيل موعد البريكست.

 

وثمة أمر آخر، وهو تغيير قيادات الاتحاد الأوروبي قبيل تولي جونسون رئاسة الحكومة البريطانية بأيام قليلة، وهذه القيادات من الشخصيات القوية التي تؤمن بأهمية المحافظة على تماسك وقوة الاتحاد الأوروبي، وألا يكون خروج بريطانيا من الاتحاد عاملا مشجعا لدول أخرى قد تحذو حذوها، وهو ما يهدد كيان الاتحاد، وترى أنه يتعين الالتزام بتطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع بريطانيا، وأن أي حوار مع رئيس وزراء بريطانيا الجديد، سيدور حول بعض التفسيرات لبنود الاتفاق وليس بهدف تغيير هذه البنود، وذلك من أجل الحرص على استمرار العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع بريطانيا، باعتبارها قوة اقتصادية رئيسية في أوروبا وأحد المراكز المالية المهمة، ولكن دون التهاون في متطلبات البريكست.

وثمة تحدٍّ آخر يواجه جونسون، وهو كيفية تحقيق توازن في العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة من ناحية، والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى. وذلك مع وجود أوجه تشابه في شخصية كل من الرئيس الأمريكى ترامب وجونسون؛ حيث وصف ترامب جونسون بأنه سيكون رئيس وزراء عظيم وأن الناس يسمونه ترامب بريطانيا. وهل سيقترب جونسون من موقف ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، أم سيظل ملتزما بالتنسيق مع فرنسا وألمانيا وثلاثتهم مازالوا في الاتفاق النووي مع إيران، بينما ترامب انسحب منه وانقلب عليه. بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران أعادت بريطانيا علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع طهران، وحتى إذا سايرت واشنطن في بعض عقوباتها على إيران فستبقى المصالح البريطانية لها تأثير خاص بعد البريكست. كما أن بريطانيا حريصة على علاقاتها مع دول الخليج العربية التي تقوم على تدفق البترول والغاز، وتجارة الأسلحة والاستثمارات والعلاقات الثقافية، وفى آخر زيارة لرئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي لدول الخليج العربية، قالت وهي تغازل هذه الدول، إن «أمن الخليج من أمن بريطانيا».

وقد أوضح حادث احتجاز بريطانيا لناقلة البترول الإيرانية في مضيق جبل طارق ورد إيران باحتجاز ناقلة بترول بريطانية في مضيق هرمز في الخليج، أن إيران لديها وسائلها للرد على من يتحداها، كما أظهر الحادث حرص كل من عمان والعراق على تجاوز الأزمة بين طهران ولندن، حتى لا تتصاعد درجة التوتر في منطقة الخليج أكثر مما هي عليه، بسبب التصعيد من جانب كل من واشنطن وطهران، ورغبة كل الأطراف في تجاوز الأزمات حرصا على المصالح المشتركة.

إن التحدى الأكبر الذي يواجه بوريس جونسون، هو مدى قدرته على التحكم بردود أفعاله التلقائية المباشرة والشعبوية، التي لم يغيرها لا مستوى تعليمه الراقي، ولا عمله فترة طويلة في الصحافة والكتابة، وتوليه منصب عمدة لندن على مدى ثماني سنوات، وهو منصب بالغ الأهمية بأعبائه ومشكلاته. أما منصب رئيس الوزراء، فهو يتعلق بسياسة بريطانيا كلها والمحافظة على وحدة أقاليمها وعلاقاتها الأوروبية ومناطق العالم الأخرى، وهنا توجد عدة كوابح لا شك ستفرض بعض الضوابط على جونسون، منها مجلس الوزراء، والبرلمان، والرأي العام البريطاني الذي عارض 49% منه الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولو أعيد الاستفتاء مرة أخرى الآن لزادت النسبة كثيرا، بعد أن اتضح مدى الأعباء والخسائر المترتبة على الخروج. كما أنه إذا لم تجرَ انتخابات عامة مبكرة، فإن موعد الانتخابات العامة العادية سيحل بعد عامين، حيث إن جونسون يكمل مدة تريزا ماي في رئاسة الحكومة، ومن هنا كانت مقولة بعض المعلقين من أن مدة رئاسة جونسون للحكومة قد تكون قصيرة للغاية.

وسيلتزم جونسون بموقف الاتحاد الأوروبي من القضية الفلسطينية وهو حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على حدود 4 حزيران/يونيو 1967، ولا ينتظر أن يتغير الموقف البريطاني كثيرا بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بحكم العلاقات والمصالح البريطانية مع الدول العربية، وبحكم المسؤولية الأدبية عن نشأة وتطور القضية الفلسطينية، باعتبار أنها كانت الدولة المشربة على فلسطين، وتقع عليها مسؤولية تهيئة الشعبين الفلسطينى والإسرائيلي للاستقلال وإقامة دولتهم، وهو ما يتفق والقرارات الدولية والمجتمع الدولي.

 

عن صحيفة الشروق المصرية