مقالات مختارة

الجيش السوداني ومفترق الطرق

1300x600

تفاعلات الراهن السياسي في السودان لا تفتأ إلا أن تكرّس حالة عدم الاستقرار المفضي حتما إلى حافة الهاوية التي تسبق الانهيار الشامل للدولة السودانية.


وعلى مدى 63 عاما هي عمر استقلال البلاد عن بريطانيا، ظل الجيش السوداني أحد أهم عناصر الحفاظ على الدولة بيد أن هذه المؤسسة تتعرض اليوم لأكبر هزة في تاريخها التليد ويتحمل المجلس العسكري الانتقالي ورئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان المسؤولية الكبرى حيث تتداعى عليها التهديدات والمخاطر كما تتداعى الأكلة على قصعتها وتتساقط معنويات الضباط والجنود كما تتساقط أوراق الخريف.

ربما كان الانقلاب الخامس أو الرابع المعلن عنه الأربعاء الماضي في الخرطوم انعكاسا جليا لتلك التهديدات التي تتربص بالمؤسسة العسكرية السودانية.


ولعل من المفيد القفز أو تجاوز الخوض في مدى صحة أو عدم صحة هذه الانقلابات، فكل ما صدع ضباط بمخاوفهم أو قلقهم إزاء تلك المخاطر أو لأن التقوا بعضهم البعض مصادفة في مكان عزاء اعتبر ذلك انقلابا.

وعلى ما يبدو أن زوبعة الأربعاء جاءت في مجملها إرضاءً واتقاءً لبأس قائد الدعم السريع؛ فقد رفع رئيس الأركان المتهم بتدبير الانقلاب وصحبه عريضة تطالب بوقف حد لتصاعد نفوذ قوات الدعم السريع واستفزاز جنوده لضباط الجيش وكانت آخرها المواجهة التي تمت بين قائد سلاح المدرعات وقائد الدعم السريع في أحد الاجتماعات.

يجد الدعم السريع دعما إقليميا قويا خاصة من جانب السعودية حيث تشكل قواته معظم القوات السودانية التي تقاتل مع السعودية في حرب اليمن العبثية.

وقوات الدعم السريع في أساسها مليشيات وقوات غير نظامية استعان بها الرئيس السابق عمر البشير في قتال الحركات المسلحة في دارفور وليس هذا فحسب بل كان له غرض آخر وهو الاعتماد عليها حين بدأت تراوده الهواجس من انقلاب الجيش عليه يوما، ولذا مكن لهذه القوات وأغدق عليها بالمال والتجهيزات العسكرية حتى غدت تنافس الجيش بل تسعى اليوم لوراثته وتفكيكه.

وليست الطامة في محاولة صياغة اتهامات للمتهمين بالانقلاب ومحاكمتهم بل وجعلهم كباش فداء وللتخلص من عقدة مجزرة فض الاعتصام في 29 رمضان الماضي؛ لكن الطامة في أن التخلص من الرتب الرفيعة يعتبر خطوة في سياق تفكيك قوات الجيش لصالح الدعم السريع الذي ارتقى مرتقى صعبا وهو يوشك أن يتسلم صفقة طائرات ودبابات كبيرة ليغدو على إثرها بديلا للجيش السوداني.

ويجد الدعم السريع دعما إقليميا قويا خاصة من جانب السعودية حيث تشكل قواته معظم القوات السودانية التي تقاتل مع السعودية في حرب اليمن العبثية.

 

بيد أنه إن أراد الجوار الإقليمي سلاما واستقرارا في المنطقة وإن أراد كذلك ألا تصل النيران لأطراف عباءته فليدعم وبشكل إستراتيجي فيه بعد نظر، المؤسسة العسكرية في السودان وليس غيرها.    

منذ الانقلاب الأول في نوفمبر 1958 أصبح تورط العسكر في السياسة السودانية سمة دائمة للعلاقة بين الجيش والعمل السياسي.

كان عالم السياسة الأمريكي صامويل هنتجنغتون قد أرسى نموذجاً تقوم على أساسه العلاقات بين العسكر والمدنيين حيث رأى أنه كلما كانت المؤسسة العسكرية مهنية في مهمتها، ابتعدت عن التدخل المباشر في السياسة. وكلما قلت مهنيتها، ازدادت تدخلاً في السلطة.

واعتبر حينها ذلك الانقلاب مجافياً للتقاليد البريطانية التي أسس عليها الجيش السوداني ومنها استقى مهنيته وإدراكه للعلاقة مع السياسيين المدنيين.


وتكررت الانقلابات وولوغ العسكر في السياسة حتى غدا ذلك جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية في السودان.

 

ومن أسباب تورط الجيش في السياسة محاولة حماية مصالح الجيش المؤسسية إن تهددها خطر تقليص الميزانية أو الإهمال أو وجود مليشيات منافسة، أو التدخل السياسي في شؤونه المهنية .


وعندما تزداد حالة الصراع والاستقطاب السياسي تتزايد فرص الانقلابات، كما تزداد في ذات الوقت فرص انهيار المؤسسة العسكرية عندما يكون العسكريون في السلطة.

وعليه فإن الحقيقة المرة أن تزايد الاستقطاب والصراع السياسي يسهم في انهيار الأنظمة سواء المدنية أو العسكرية .


وتكمن مهنية الجيش بكل تأكيد في تجويد مهمته الأساسية وهي حماية البلاد من التهديد الخارجي.

وكان عالم السياسة الأمريكي صامويل هنتجنغتون قد أرسى نموذجاً تقوم على أساسه العلاقات بين العسكر والمدنيين حيث رأى أنه كلما كانت المؤسسة العسكرية مهنية في مهمتها، ابتعدت عن التدخل المباشر في السياسة. وكلما قلت مهنيتها، ازدادت تدخلاً في السلطة.

 

عن الشرق القطرية