قضايا وآراء

المخدرات متلازمة التبعية الاستعمارية

1300x600
أخذت رقعة المخدرات حول العالم بالاتساع خلال السنوات الأخيرة، مؤكدة فشل أساليب مكافحتها، وفق تقرير أصدر عن المخدرات في العالم لعام 2016، عن الأمم المتحدة، وكشف عنه في مؤتمر صحفي "يوري فيدوتوف"، المدير التنفيذي لمكتب المنظمة الأممية المعني بالمخدرات والجريمة، بالمقر الدائم لها بنيويورك.

كشف التقرير أن العواقب الصحية الضارة لتعاطي المخدرات أكثر حدة وانتشارا مما كان يُعتقد سابقا، مشيرا إلى أن حوالي 35 مليون شخص يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات عالميا وبحاجة إلى خدمات علاجية.

وأضاف "فيدوتوف": هناك نحو 275 مليون شخص يستخدمون المخدرات، ولو مرة واحدة في العام، وأن نحو 36 مليون شخص يعانون من اضطرابات عقلية نتيجة ذلك.

على الصعيد العالمي، يتم تعاطى 11 مليون شخص المخدرات بالحقن، 1.4 مليون منهم مصابون بالإيدز و5.6 مليون مصابون بالتهاب الوباء الكبدي سي!

سياسة استعمارية

لانتشار المخدرات أسباب مختلفة منها ما يتعلق بطبيعة هذه المواد، أو شخصية متعاطيها والظروف البيئية والحضارة، والسياسية الاستعمارية في العالم المعاصر.

لقد كان للاستعمار ومخططاته لاستعباد العالم الخاضع له؛ السبب الرئيس في انتشار المخدرات، وعلى نطاق واسع من أجل السيطرة عليه، باستنفاد ممنهج لطاقات البلدان، وقتل نفوس أفرادها؛ كما فعلت بريطانيا عندما شجعت على زراعة الأفيون في الهند ومصر، وكما فعلت من أجل السيطرة على الصين عندما أوحت إلى عملائها؛ بزراعة الحشيش في أراضيها والذي مكنها من استعمارها الصين لأكثر من ثلاثة قرون.

بالرغم من تحرر معظم الدول العربية والإسلامية من ربقة الاستعمار والتبعية، إلا أن الدول المستعمرة أبت ألا تترك مستعمراتها دون إحداث تخلخل في البيئة الداخلية لهذه الدول، فلجأت إلى غزو جديد بسلاح جديد سُمي غزو المخدرات، عملت عن طريقه على إضعاف التركيبة الداخلية لتلك المجتمعات، وتقويض مقوماتها الأساسية، وإتلاف شرايين حركته المتمثلة في شبابه، الذي إن تم السيطرة عليه ضعف تأثيره، وضعف تبعا له تأثير هذه الدول في الإطار العالمي.

أصبحت المخدرات آفة من آفات العصر، المشكلة القديمة الحديثة، وتفاقمت تلك الآفة وازدادت انتشارا في العالم أجمع، على الرغم من أن جرائم المخدرات تعتبر من الجرائم الدولية القديمة، غير أنها في عصرنا الحالي، أخذت شكلا وبائيا بدرجة عالية مما جعلها أخطر الجرائم في كثير من بلدان العالم، والتي تتدرج انتشارها من الاستعمال الشخصي، إلى الترويج والاتجار فيها، إلى الزراعة والتصنيع والتهريب لمنتجاتها المختلفة.

أسباب التعاطي

تأتي المشاكل الأسرية والخلاف بين الزوجين، وضعف الوازع الديني وعدم اللجوء إلى الله في الشدائد من العوامل الرئيسية الهامة، ,ضغوط العمل والدراسة، بغالبية الدراسات والأبحاث الميدانية: كدافع رئيسي لأفراد الأسرة لتعاطي المخدرات أو الإدمان؛ هربا من الواقع المؤلم الذي يعيشونه، وكذا سوء معاملة الأولاد، أو الإفراط في تدليلهم وتلبية رغباتهم، كما يعتبر سفر أبنائنا إلى الخارج وسرعة التنقل بين البلدان والثقافات، وخاصة في المراحل العمرية المبكرة، وحب المحاكاة والتقليد لأبطال الأعمال الدرامية، أو منصات التواصل الاجتماعي.. كل هذه الأسباب؛ صاغت للشباب ثقافة استسهال وامكانية الحصول على المنتجات المتعددة والمنتشرة، في كل أنحاء العالم، وتجربتها كخطوة لربما تتجه بالفرد للتعاطي والإدامان.

استهداف الجهاز العصبي

إن التأثير الهائل للمخدرات على أجهزة الجسم بصفة عامة، والجهاز العصبي بشكل أساسي، هو المدخل الرئيسي للتعاطي، والنصيب الأكبر والأخطر من الضرر المميت، حيث يعتبر القائد لباقي أجهزة الجسم. ويظهر ذلك جليا، عند أخذ المدمن للمخدرات، فيحدث اضطراب شديد في عمله، وتباطؤ في أداء المخ، وذلك للخلل في تراكيب المادة الكيميائية المسؤولة عن التوصيل العصبي، والتسبب ببطء ملحوظ في الوظائف المختلفة للدماغ، بل تُضعف قدرتها على الاحتفاظ بالمعلومات، وتزيد من تراخي الأداء الحركي، ما يسبب الشعور الوهمي بالسعادة المفرطة، ومن ثم خلل في قوي الجسم العصبية والنفسية.

مهالك التعاطي

هناك العديد من الآثار السلبية المترتبة على تعاطي المخدرات:

آثار على المتعاطي ذاته بشكل مباشر، من تدني مستوى أخلاق المتعاطي أو المدمن، حيث يهبط تقديره لذاته إلى مستوى الحضيض. فالمدمن يحتاج إلى الجرعات المخدرة، مهما كلّفه ثمنها، ويبدأ في التفريط في ماله بل في شرفه، وقيمه الأخلاقية ومقدساته الأسرية، في سبيل تأمين الجرعة التي يحتاج إليها، مما يؤدي حتما إلى انهيار المجتمع، بانهيار اللبنة الأساسيّة فيه، فتتعرض الروابط الأسريّة للتفكك، ويسودها العنف والمشاكل.

وآثار مترتبة على الدولة ككل، ىخسارة الدولة اقتصاديا للكثير من الأموال، وذلك بسبب انعدام إنتاجيّة المدمن، كما أنّ عمليّة المعالجة من التعاطي تكلِّف الدولة مبالغ طائلة، لا جدوى منها في حالات كثيرة، مما يؤثر على دخلها القومي، واقتصادِها، وأمنها العام. أيضا مطاردات المتاجرين، والعصابات الإجرامية، والمخاطر التي يتلقاها، رجال الأمن حول العالم جراء ذلك، بل وترويع السكان المتواجدين جغرافيا، من العنف المتبادل، لدرجة القتل بغير قصد، والذين ليس لهم علاقة بهذه الأحداث ومآلاتها.

أنواع المخدرات

المخدرات تعددت أنواعها وأشكالها وأصنافها؛ حتى أصبح من الصعب حصرها، أو حتى السيطرة على انتشارها، هذا غير أن منظمة الصحة العالمية وضعتها جميعا في تصنيفات رئيسية، تنقسم الى ثلاث أقسام، وتندرج تحتها جميع أنواع المخدرات:

المخدرات المسكنة الأفيونية: وهي تشمل جميع مشتقات الأفيون وأشكاله مثل المورفين والهيروين.

المخدرات المسكنة غير الأفيونية: وهي عبارة عن الأنواع التي لا تشتق من الأفيون، مثل مركبات حامض الباربيتوريك، إضافة إلى المشروبات الكحولية بكافة أنواعها.

المخدرات المنبِهة: وتنبّه الجهاز العصبي في الجِسم، مثل الكوكائين والقات.

سببت ثلثي الوفيات

يقدر تقرير الأمم المتحدة أن عدد متعاطي المخدرات الأفيونية بلغ 53 مليونا عام 2017، بزيادة 56 في المئة عن التقديرات في الاعوام القليلة السابقة، وأن المواد الأفيونية مسؤولة عن ثلثي الوفيات نتيجة تعاطي تلك المخدرات في ذلك العام، والمقدر عددها بـ585 ألف شخص؛ وفي الغالب هذه المواد المخدرة تهرب من أفغانستان ليتم تهريبها إلى باقي القارة الأوروبية.

يتم إنتاج الحشيش في 176 دولة، 54 في المئة منه في القارة الأمريكية، و26 في المئة في أفريقيا، و15 في المئة في آسيا، و4 في المئة في أوروبا، و1 في المئة فقط في أوقيانوسيا.

تسونامي أمريكا الجنوبية

اتسعت عمليات التجارة في الكوكائين حول العالم لإنتاجه بكميات هائلة من دول أمريكا اللاتينية، في الفترة ما بين 2011 و2015، ويتم تهريبه باتجاه أمريكا الشمالية عبر المكسيك، ونحو المناطق الشرقية من العالم عبر غرب أفريقيا؛ نحو 90 في المئة من الكميات المضبوطة كانت في الأمريكيتين، وفي كولومبيا وحدها ضبطت 38 في المئة من الكمية الإجمالية لعام 2017.

أفاد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الأربعاء 26 حزيران/ يونيو 2019، في تقريره السنوي، أن الإنتاج العالمي للكوكائين وصل عام 2017 إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، متخطيا بنسبة 25 في المئة الرقم القياسي المسجل العام الذي سبقه مع ازدياد الانتاج في كولومبيا، ويعود السبب الرئيسي لذلك؛ إلى تعزيز زراعته في حقول جديدة نائية، بعيدة غالبا عن المدن الرئيسية، فيما تقوم مجموعات إجرامية بالتحرك في مناطق كانت سابقا تحت سيطرة المتمردين، بالرغم من الجهود الدولية، لإبعاد المجتمعات الريفية عن زراعة الكوكا بعد اتفاق سلام مع متمردي "الفارك" والتعهد بوقف زراعته.

وقال التقرير إن القفزة في الإنتاج، كانت مدفوعة بشكل رئيسي بزيادة إنتاج الكوكائين في كولومبيا، والتي أنتجت ما يقدر بنحو 70 في المئة منه، في العشر سنوات قبل عام 2017، كانت هناك زيادة بنسبة 50 في المئة في التصنيع، حيث وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 1,976 طن قبل عامين.

كوكا النخبة

لم يعد الكوكائين في أوروبا وأمريكا، المخدر الخاص بالنخبة، بالنظر إلى تقارير اخصائيي الإدمان عن المتعاطين من جميع طبقات المجتمع، حيث يتم تعاطي المسحوق من قبل الطلاب، وعمال البناء، بالإضافة إلى المصرفيين والفنانين.

ووفقا لمعلومات من تقرير إذاعة شمال ألمانيا، صادر محققو الجمارك ورجال الشرطة في ألمانيا حوالي خمسة أطنان من الكوكائين هذا العام 2019. مقارنة بالسنة السابقة، والتي تم خلالها تسجيل نتائج قياسية، فإن هذا يعد انخفاضا في الكمية المُصادرة، لكن مقارنة مع جميع السنوات السابقة، لا تزال هذه الكمية عند مستوى عالٍ.

وتم ضبط تسعة أطنان من المخدرات في ذات يوم بميناء "ألخيسيدراس الإسباني" في نيسان/ أبريل 2018، وهي أكبر كمية من الكوكائين في أوروبا تمت مصادرتها في حاويات، بحسب وزير الداخلية الاسبانية.

وقُدرت القيمة السوقية لهذه المخدرات المُصادرة بحوالي نصف مليار يورو على أقل تقدير!

بداية الجرائم الكبرى

المتابع للمشهد العالمي، يدرك تماما حركة الهيمنة على سوق الكوكائين في أوروبا، التي تتزعمها شبكات إجرامية مختلفة. وتعد الشبكات الإجرامية من غرب البلقان والمغرب، أبرز تلك الشبكات الموجودة حاليا، بالإضافة إلى ذلك أعضاء مشتبه بهم في شبكة المافيا الإيطالية.

ينبغي التوضيح أيضا، أن المليارات من أرباح المخدرات لا تُستخدم فقط لدفع ثمن أساليب الحياة المكلفة لبعض المديرين التنفيذيين، بل إن الاتجار بالمخدرات هو بمثابة "عامل مساعد" للجرائم الأخرى، مثل الاتجار بالبشر، والسطو وغسيل الأموال. أضف إلى ذلك، أن الأرباح غير القانونية ستصل أيضا إلى الاقتصاد القانوني وتقوضه، وتزيد من مخاطر الكساد التجاري، وذلك للمنافسة غير المتوازنة في عوائد الأرباح والتكاليف، ومقومات النجاح في السوق الحر.

وبما أن تجار المخدرات يعملون بشكل متزايد على الصعيد الدولي، فإنه يتعين على سلطات تنفيذ القانون التصرف وفقا لذلك، كما يقول المحقق "كريستيان هوبي"، من المكتب الاتحادي للتحقيقات الجنائية الألمانية، والذي يرى أنه "قد حان وقت مواجهة الشبكة الدولية للمجرمين، عن طريق شبكة سلطات تطبيق القانون، الأمر الذي يسهل من تبادل المعلومات، في الوقت المناسب واتخاذ التدابير اللازمة في البلد، بعد أن تفاقمت أزمة تعاطي الكوكايين بين الطلاب والشباب على حد واسع.

العالم العربي

في العالم العربي لا توجد إحصاءات واضحة بتعاطي المخدرات وإدمانها، ولكن العالم العربي ليس بعيدا عن الأرقام السالف ذكرها، بل يجسّد جوانب أكثر اظلاما لها، كما أن التقديرات، التي يصدرها سنويا المكتب الإقليمي للأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في القاهرة، تعتمد فقط على التقارير الدولية، كما يؤكد "فيصل حجازي" مسؤول البرامج والمشروعات في القاهرة.

ويحذر من أن المنطقة العربية تقع الآن تحت تهديد عال جدا من المخدرات المختلفة، بسبب التدفق القوي لمختلف الأنواع على دول الخليج والأردن وسوريا والسعودية، مثل الهيروين من إيران وأفغانستان وجنوب شرق آسيا، أو مادة "الكبتاغون" من شرق أوروبا، حيث يرى الخبراء أن الشباب السعودي يعاني بالخصوص من إدمان "الكبتاغون" بشكل هائل.

وفي مصر، تزايد في الأشهر الأولى من هذا العام الإقبال على أصناف مخدرات جديدة، وفي مقدمتها "أستروكس" و"فودو"، حيث باتت تأتي بالمراتب الأولى في نسب التعاطي؛ التي كانت أكثر رواجا في الأعوام الماضية، كـ"ترامادول" والهيروين والحشيش.

والجدير ذكره، أنه في الدول العربية يختلف انتشار المخدرات، كمّا ونوعا، من بلد إلى آخر. ففي الوقت الذي تعتبر فيه منطقة الخليج أكبر منطقة للإدمان على الهيروين، والأفيامينات المعروفة بالكبتاغون، تعاني مصر من الإدمان بالهروين والكوكايين، والحشيش الذي يأتي من المغرب والبقاع اللبناني، أو من السودان حديثا، خصوصا وأن كثافة المادة المخدرة للحشيش في العالم العربي ارتفعت خلال الأعوام الأخيرة بعشرة أضعاف.

محاصرة نفسية

يشيع بين الأغلبية أن الإدمان، هو انعكاس لانفلات أخلاقي، وهذا غير صحيح في المُطلق!

الإدمان هو أول خطـوة، من خطوات المحاصرة النفسية، أو الاكتئاب أو المشاكل الاجتماعية أو الشخصية، أوكل هذه الأسباب مجتمعة، أو عدد كبير من الأسباب الأخرى.

في كل الأحوال، الإدمـان بمعناه الواسع، سواء للمخدرات أو غيـرها، هو من الأمور الضارة حتى الموت، وتبدأ في المقام الأول من المعاناة النفسية، وفي النهاية يقع تحت تصنيف "المرض" قبل أي شيء آخر، والذي أراه مرضا نفسيا، ولذلك يصعب علاجه بخطوات دوائية مبسطة؛ لا تتوازي، بل لا تبدأ بالمعالجات النفسية المدققة، ومعرفة محطة الانطلاق للمعاناة الداخلية التي بدأ منها المدمن أو المتعاطي محاصرة نفسه، بهذا التغييب والتيه في عالم الأوهام الشبيه بعالم الأطفال الكرتوني، حيث لا يتحمل أي عواقب لفشله المتعاقب، وسقطاته الأخلاقية المحبطة.

على عكس ذلك، يرى "مارك لويس"، وهو مدمن مخدرات سابق وعالِم في مجال الأعصاب حاليا، أن النموذج الطبي الحالي لمعالجة الإدمان يحتاج إلى تغيير، وشرح في كتابه، بيولوجيا الرغبة: لماذا لا يعتبر الإدمان مرضا، وأن وصف الإدمان بأنه مرض ليس خادعا فحسب، بل يحدث كل الضرر الذي لا شفاء منه، وأن الطريق الأمثل للتعافي من التعاطي والإدمان، رغبة الفرد واستحثاث دوافعه الذاتية، للنهوض من هذه الكبوة، بتغيير جذري في مسار حياته السابقة.

التعامل مع قضية المخدرات ووضع الخطط والبرامج لمكافحة انتشارها والاتجار بها، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أنها قضية عابرة للقارات، وأن الحلول الناجحة لمكافحتها يجب أن تتكامل مع الاتفاقيات والبرامج الدولية في هذا الشأن، وأن تشترك مختلف المؤسسات والجهات المعنية بالوقاية والرقابة والمساءلة؛ سواء كانت جهات حكومية، أو مؤسسات مجتمع مدني، أو منظمات عالمية.