كتاب عربي 21

تكلفة الدين 48 في المئة من إنفاق الموازنة المصرية

1300x600
عقب استيلاء الجيش على السلطة في مصر في تموز/ يوليو 2013، قامت بعض الدول الخليجية بالإغداق عليه بالمعونات والمنح، لكنه مع تراجع أسعار البترول منذ منتصف 2014، تراجعت تلك المعونات الخليجية لمصر.

وهذا دفع النظام العسكري الحاكم إلى اللجوء إلى التوسع في الاقتراض المحلي والخارجي، لسد عجز الموازنة، وشراء الاحتياجات السلعية المستوردة للمصريين، والوفاء بالاحتياجات من العملات الأجنبية، مما أدى إلى تصاعد قيمة فوائد الدين الحكومي.

وجاء قرار تعويم الجنيه المصري الذي زاد من معدلات التضخم، الأمر الذي دفع السلطات النقدية والمالية لرفع نسبة العائد على أدوات الدين الحكومي، بعد أن أصبحت العوائد سالبة. وهكذا، زادت الفائدة على أذون الخزانة ذات الثلاثة أشهر؛ من أقل من 11 في المئة، في العام الأول للنظام العسكري، إلى أكثر من 19 في المئة في العام المالي الحالي.

وهكذا تسبب عنصرا زيادة الاقتراض وزيادة معدل الفائدة؛ في زيادة ملحوظة في أرصدة فوائد الدين الحكومي في الموازنة الحكومية، بعد أن كان نصيب الفوائد من مصروفات الموازنة أقل من 20 في المئة؛ في آخر عام مالي بعهد مبارك.

فقد زاد النصيب النسبي تدريجيا حتى بلغت نسبته 38 في المئة في العام المالي الحالي، وبعد أن كان ترتيب الفوائد بالمركز الثالث بالقيمة بين أبواب المصروفات الستة بآخر عهد مبارك، فقد أصبحت الفوائد تحتل المركز الأول بين أبواب المصروفات منذ أربع سنوات، بل وبين أبواب الإنفاق الثمانية بالموازنة.

92 في المئة من الفوائد محلية

وهكذا حققت أرصدة فوائد الدين الحكومي قفزات متتالية؛ من حوالي 147 مليار جنيه في العام المالي الذي تولاه الرئيس محمد مرسي، إلى 173 مليار جنيه في العام الأول للنظام العسكري، ثم إلى 193 مليار جنيه في العام الثاني، ولترتفع إلى 244 مليارا في العام الثالث، ثم إلى 317 مليار جنيه في العام الرابع، ثم إلى 437 مليار جنيه في العام الخامس، ثم إلى 541 مليار جنيه في العام الحالي السادس. وتوقعت وزارة المالية أن تبلغ 569 مليار جنيه في العام المالي المقبل (2019/2020).

وتتوزع فوائد الدين الحكومي بين فوائد خارجية وأخرى محلية، ونظرا لكبر قيمة الدين الحكومي المحلي، بالمقارنة مع الدين الحكومي الخارجي، فقد تفوق نصيب الفوائد المحلية ليصل المتوقع في العام المالي المقبل 92 في المئة من الإجمالي، مقابل نسبة 8 في المئة فقط للفوائد الخارجية.

والملاحظ في فوائد الديون أنه لا يستفيد منها سوى المؤسسات المالية والمصارف وشركات التأمين وصناديق الاستثمار المقرضة للحكومة، سواء المحلية أو الخارجية، بينما يتسع مجال الاستفادة محليا من باقي أبواب المصروفات في الموازنة، حيث تتسع الاستفادة من الدعم السلعي لحوالي 15 مليون شخص من حاملي البطاقات التموينية، كما يستفيد من باب الأجور في الموازنة حوالي 4.5 مليون موظف، ومن باب الاستثمارات الحكومية غالبية المصريين.

كما يرتبط بخطورة تأثير الفوائد أن الحكومة لا تستطيع تأجيل سدادها، حرصا على ثقة المؤسسات المُقرضة محليا وخارجيا، وتستعيض عن التأجيل بتجديد إصدار قروض جديدة، بينما تقوم الحكومة بتقليص نفقات باقي أبواب الموازنة، ومنها شراء السلع والخدمات للجهات الحكومية، كما قامت بتقليص مخصصات الاستثمارات الحكومية، ومؤخرا اتجهت لتقليص الدعم والأجور.

945 مليار تكلفة سنوية للدين

وزادت خطورة تصاعد أرصدة الفوائد بزيادة نسبتها بالقياس إلى الإيرادات العامة في الموازنة، لترتفع النسبة من 38 في المئة في العام المالي الأول للنظام العسكري، لتتجاوز النسبة 40 في المئة في السنوات المالية الثلاث التالية، ثم تتخطى نسبة 50 في المئة بالسنوات التالية، سواء في العام المالي الحالي أو العام المالي المقبل.

وفي ضوء تكوّن تكلفة الدين بالموازنة المصرية من مكونيين رئيسيين هما: الفوائد وأقساط الديون، نجد أن أقساط الديون قد تأثرت هي الأخرى بكبر حجم الديون وبقصر آجال معظمها، خاصة مع الدين الحكومي الداخلي الذي يتكون معظمه من أذون وسندات الخزانة.

ولهذا، فقد زادت قيمة أقساط الدين الحكومي تدريجيا من 71 مليار جنيه في عام الرئيس محمد مرسي، إلى 107.5 مليار جنيه في العام الأول للنظام العسكري، ثم إلى 236.5 مليار جنيه بالعام الثانى له، ويتوقع بلوغ قيمتها 376 مليار بالعام المالي المقبل والذى يبدأ في تموز/ يوليو القادم، لتصل نسبة الزيادة بقيمة الأقساط 427 في المئة خلال سبع سنوات.

ونظرا للزيادة في مكوني تكلفة الدين، فقد أخذت أرصدته في الارتفاع المتواصل؛ من 218 مليار جنيه في عام تولى الرئيس مرسى، لتصل إلى 817 مليار جنيه في العام المالي الحالي 2018/2019، كما يتوقع بلوغها 945 مليار في العام المالي المقبل، موزعة بين فائد بقيمة 569 مليار، وأقساط بقيمة 376 مليار جنيه.

تأجيل تنفيذ واستكمال المشروعات

وبنسبة تكلفة الدين إلى إجمالي أبواب الإنفاق الثمانية بالموازنة المصرية، والتي بلغت نسبتها حوالي 33 في المئة في عام تولي الرئيس محمد مرسي، فقد ظلت تلك النسبة تتصاعد حتى بلغت 47.4 في المئة في العام المالي الحالي، كما يتوقع بلوغها 47.7 في المئة في العام المالي المقبل.

وهذ يعني ضيق المجال أمام صانع السياسة المالية، عندما تلتهم تكلفة الدين الحكومي، من فوائد وأقساط، حوالي نصف الإنفاق البالغ 1979 مليار جنيه، مما يدفعه إلى تأجيل تنفيذ أو استكمال كثير من الاستثمارات الحكومية، من مدارس ومستشفيات وطرق ومياه شرب وصرف صحي، مما يطيل أجل تنفيذها ويرفع من قيمة تكلفتها، الأمر الذي ينعكس سلبا على المستوى المعيشي للمصريين، وعلى كفاءة البنية التحية في المناطق الصناعية، حيث تم إلغاء الدعم الذي كان متبعا للمناطق الصناعية، وتراكم متأخرات الدعم للمصدرين، وزيادة مستحقات المقاولين المتأخرة لدى الحكومة خاصة بمشروعاتها الإسكانية.

وكذلك ركود قيمة معاشات الضمان الاجتماعي الموجهة لشريحة أفقر الفقراء، والتي لم تتغير فئاتها منذ آذار/ مارس 2014، رغم الزيادات الكبيرة التى شهدتها الأسعار خلال السنوات الماضي. كذلك لجوء السلطات للبنك الدولي للاقتراض، لتمويل معاش "تكافل وكرامة" الموجه لشريحة الفقراء والمسنين غير القادرين على العمل.

وما يزيد من خطورة تكلفة الدين في الموازنة، أنه مع استمرار العجز الكبير في الموازنة، فهناك اقتراض جديد سنويا، محلي وخارجي، حيث بلغت احتياجات التمويل بموازنة العام المالي المقبل 821 مليار جنيه، وهي مبالغ ستتم إضافتها إلى الدين العام، مما يعني أن قيمة فوائد وأقساط الديون ستزيد قيمتها في السنوات المقبلة، لتزيد حصتها من الإنفاق في الموازنة.

وهكذا يستمر السير في دوامة الاقتراض، وتكلفته وتضييقه على باقي أبواب الإنفاق في الموازنة.