قضايا وآراء

مجدي حسين.. وصفقة القرن

1300x600

منذ تموز/ يوليو 2014، يقبع السياسي والصحفي المصري مجدي أحمد حسين، رئيس حزب الاستقلال ورئيس تحرير صحيفة الشعب السابق، في غياهب سجن ليمان طرة.وخلال فترة سجنه هذه، تداعت عليه الأمراض إضافة إلى تلك التي دخل بها السجن، مثل الانزلاق الغضروفي، ومشاكل القلب التي استدعت إجراء عملية جراحية، والالتهاب المزمن بالقزحية (روماتويد بالعين)، وأخيرا الإصابة بمرض السكر.

مجدي حسين هو واحد من أكثر من 60 ألف سجين سياسي يقبعون في السجون المصرية، لكنه وغيره من الصامدين خلف القضبان ليسوا مجرد أرقام في عداد لا يتوقف للسجناء. فهو كاتب صحفي معروف قاد العديد من المعارك الصحفية الكبرى ضد دولة مبارك، خلال رئاسته لصحيفة الشعب التي كانت أقوى صحيفة معارضة في التسعينيات حتى إغلاقها في العام 2000، وعضو مجلس نقابة الصحفيين ورئيس لجنة الحريات الأسبق بالنقابة، وهو سياسي عنيد منذ مشاركته في الحركة الطلابية في السبعينيات (رئيسا لاتحاد الطلاب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية)، مرورا بمواقفه في مواجهة زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى القدس عام 1977، ثم توقيع معاهدة كامب ديفيد، ومن ثم التطبيع مع العدو الصهيوني، وانتهاء بمشاركته في قيادة حزب العمل أمينا للشباب ثم أمينا مساعدا للحزب، ورئيسا لتحرير صحيفته، وأخيرا تاسيسه وترؤسه لحزب الاستقلال، وريث حزب العمل الذي تم حله بقرار من نظام مبارك، بسبب مواجهته الحازمة لسياساته وفساده واستبداده.

ليس غريبا على مجدي حسين (الذي دشن زملاؤه وأصدقاؤه حملة لإطلاق سراحه بسبب تردي حالته الصحية) أن يكون بتلك الصلابة في الحق، فهو سليل أسرة مجاهدة، واجهت الحكم الملكي، ثم واجهت استبداد العهد الجمهوري.

 

لن أنسى لحظة خروج مجدي من محبسه خلال الأيام الأولى لثورة يناير، وبينما كنا لا نزال في ميدان التحرير، إذ حضر مجدي من محبسه إلى الميدان مباشرة، رغم الآلام التي كان يعانيها. وقد خرج بفضل الثورة من حبس ظالم

هو ابن المناضل السياسي المعروف أحمد حسين، مؤسس حركة مصر الفتاة مطلع الثلاثينيات، ومن بعدها الحزب الاشتراكي، وعمه المفكر والمناضل الراحل عادل حسين، الأمين العام السابق لحزب العمل ورئيس تحرير صحيفة الشعب الأسبق، وصاحب الصولات والجولات الصحفية والسياسية، وخاله الدكتور حلمي مراد، وزير التعليم المصري الأسبق، وصاحب الكتابات الحادة ضد نظامي السادات ومبارك.


لن أنسى لحظة خروج مجدي من محبسه خلال الأيام الأولى لثورة يناير، وبينما كنا لا نزال في ميدان التحرير، إذ حضر مجدي من محبسه إلى الميدان مباشرة، رغم الآلام التي كان يعانيها. وقد خرج بفضل الثورة من حبس ظالم نتيجة لزيارته لأهل غزة أثناء حصارهم من قبل نظام مبارك المتحالف مع الكيان الصهيوني.. لم يجد مجدي حسين وقتها وسيلة للوصول إلى غزة للتضامن مع أهلها سوى المرور عبر الأنفاق الخطرة، وقد تمكن بالفعل مع متضامنين مصريين آخرين من الوصول ومخاطبة أهل غزة في مؤتمرات عامة، ما كان له صدى طيب على نفوسهم. وأثناء عودته عبر معبر رفح، تم القبض عليه وإيداعه السجن، حتى أخرجته ثورة يناير التي ظل وفيا لها، ساعيا للحفاظ على مكتسباتها، وهو ما أعاده للسجن مرة أخرى في تموز/ يوليو 2014، حيث اتهمته السلطات بالمشاركة في التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب.

 

اتهمته السلطات بالمشاركة في التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب. رغم إطلاق سراح جميع المتهمين في القضية ذاتها، إلا أن السلطات الأمنية أبقت على مجدي حسين بتهم جديدة تتعلق بالنشر

ورغم إطلاق سراح جميع المتهمين في القضية ذاتها، إلا أن السلطات الأمنية أبقت على مجدي حسين بتهم جديدة تتعلق بالنشر. ورغم أن الدستور المصري يمنع الحبس في قضايا النشر، إلا أن محكمة الجنايات حكمت عليه بالحبس خمس سنوات أمضى منها ثلاث سنوات، أي أكثر من نصف العقوبة ما يستدعي خروجه وفقا للقانون. كما أن حالته الصحية تستدعي الإفراج الصحي عنه، خاصة أنه قارب السبعين من عمره، لكن القانون نفسه حبيس مثل مجدي وأصحابه.


القضية الفلسطينية هي البوصلة التي يحدد بها مجدي حسين طريقه وخياراته، ولذا فقد حبس في عهد السادات ومبارك بسببها، كما أن مقاومة الحلف الصهيوني الأمريكي هي الشغل الشاغل لمجدي حسين، وما أحوج مصر والأمة إليه في هذه الأيام، ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر.

 

القضية الفلسطينية هي البوصلة التي يحدد بها مجدي حسين طريقه وخياراته، ولذا فقد حبس في عهد السادات ومبارك بسببها

أنا واثق من أن هذا الصامد الذي هو بحاجة لرعاية صحية خاصة لا تتوفر في السجن؛ سيتناسى كل آلامه وأمراضه حال خروجه ليستأنف مقاومته لهذا المشروع الصهيوني؛ متمثلا هذه المرة في صفقة القرن، التي تجري ترتيبات إعلانها عقب شهر رمضان المبارك. بل لا أبالغ إن قلت إن مجدي حسين سيجد علاجه ودواءه وحيويته في مواجهة هذه الصفقة التي تستهدف الإجهاز على ما تبقى من الحلم الفلسطيني؛ في إقامة وطن مستقل عاصمته القدس الشريف (طبعا هذا الكلام هو شهادة حق عن إخلاص الرجل لقضيته مهما كانت ظروفه الصحية، وأرجو أن لا يكون ذريعة لعدم الإفراج عنه).

معارك مجدي حسين مع الحلف الصهيوني الأمريكي لم تتوقف يوما، فبالإضافة إلى مواجهته الصحفية والسياسية المباشرة للعربدة الإسرائيلية في الأرض المحتلة، وبالإضافة إلى زيارته المحفوفة بالمخاطر لغزة عبر الأنفاق للتضامن مع أهلها، فإن مجدي حسين قاد كتيبة جريدة الشعب لمواجهة رجال التطببع في مصر، وعلى رأسهم وزير الزراعة وأمين الحزب الوطني الأسبق يوسف والي، الرمز الأبرز للتطبيع في عهد مبارك، فوجه إليه مجدي مدفعيته الصحفية الثقيلة، ونشرت صحيفة الشعب العديد من التحقيقات والتقارير الصحفية الكاشفة لخطايا التطبيع الزراعي والمبيدات المسرطنة الواردة من الكيان الصهيوني (والتي برع في كتابتها زميلنا الصحفي صلاح بديوي). وقد تعرض مجدي وصلاح للحبس بسبب ذلك. كما كشفت صحيفة الشعب تحت رئاسته العديد من رموز التطبيع الآخرين، والذين كانوا يتوارون خجلا بسبب نشر صورهم في الصحيفة في ذلك الوقت، قبل أن تتبدل الأحوال الآن ويفاخر المطبعون بجرائمهم، وتنظم سفارة الكيان الصهيوني حفلا بمناسبة إعلان كيانهم الغاصب على شاطئ النيل مباشرة، بحضور عدد كبير من رموز دولة السيسي.