كتاب عربي 21

لماذا يريد ترامب الاعتراف لإسرائيل بالسيادة على الجولان؟

1300x600

فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاجأة من العيار الثقيل عندما أعلن في تغريدة له في 21 آذار (مارس) الجاري أنّه قد حان الوقت للولايات المتّحدة الأمريكية للاعتراف بشكل كامل بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، مشيراً إلى أنّ الهضبة تحمل أهمية استراتيجية وأمنية لإسرائيل ولاستقرار المنطقة. المنطقة المشار إليها هي جزء من الأراضي السورية كانت تل أبيب قد احتلتها في حرب عام 1967 قبل أن تضّمها إليها في العام 1981 في خطوة رفض المجتمع الدولي الاعتراف بها باعتبارها مناقضة للقانون الدولي ولقرار مجلس الأمن 242 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب منها.

 

توقيت انتخابي

بالرغم من أنّ فكرة الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان كانت تناقش في البيت الأبيض منذ فترة، إلا أنّ الإعلان عنها الآن يرتبط بشكل أساسي بالانتخابات التشريعية الإسرائيلية المبكّرة في نيسان (أبريل) المقبل. 

البيت الأبيض وصهر الرئيس كوشنر على علاقة ممتازة برئيس الوزراء الإسرائيلي، كما أنّ ما باتت تُعرف باسم "صفقة القرن" ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتواجد هذا الفريق على الضفّتين الأمريكية والإسرائيلية. ولهذا السبب بالتحديد، تعتقد الإدارة الأمريكية أنّه من المهم جداً لها استمرار نتنياهو في الحكم. 

في ظل التحديات التي يواجهها والاتهامات الداخلية له بالفساد، تسعى إدارة ترامب إلى تعويم نتنياهو بكل ما أوتيت من قوّة. ويأتي الإعلان عن ضرورة الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل قبل زيارة نتنياهو لواشنطن وبعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو إلى تل أبيب واجتماعه مع نتنياهو قبيل فترة وجيزة من الانتخابات. في السابق، دأب المسؤولون الأمريكيون على تفادي مثل هذه اللقاءات كي لا يفهم ذلك على أنّه تأييد منهم لأي من المرشحين في الانتخابات عادة. لكن الرسالة الأمريكية هذه المرّة كانت مختلفة في دعمها العلني لمرشّح إسرائيلي على حساب الآخر، والمشكلة أنّ هذا التدخل وضع المنافس الإسرائيلي لنتنياهو في موقف محرج، فلا يستطيع استنكار هذه الخطوات ولا يستطيع أيضا تأييدها بشكل علني. 

 

تسعى إدارة ترامب إلى تعويم نتنياهو بكل ما أوتيت من قوّة.


ولا تعدّ مبادرة الجولان الأولى من نوعها في هذا السياق، إذ سبقها مؤتمر وارسو الذي كان يسعى إلى خدمة نفس الهدف أيضاً، أي التسويق لنتنياهو، وإن تمّ ذلك تحت شعار آخر وهو مواجهة إيران. في المقابل، تعكس هذه الخطوات نوعين من الحسابات على الجانب الأمريكي؛ الأوّل يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتّحدة الأمريكية في 2020، حيث يتوقّع ترامب أن تعود مثل هذه الخطوات الداعمة لإسرائيل بالنفع عليه حينما يأتي الدور على استحقاقه الرئاسي نظراً لما لدى اللوبي الإسرائيلي من تأثير داخلي في الولايات المتّحدة الأمريكية.. 

أمّا الثاني فيتعلّق بالمبادئ التي يؤمن بها الفريق المحيط بترامب كبنس وبومبيو وجون بولتن وغيرهم من الإنجيليين المتطرفين. في تصريحات له تتعلق بموضوع الجولان، قال وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو: "ربمّا خطط الله لكي يخلّص ترامب الشعب اليهودي" مؤكّداً أنّه "كمسيحي يؤمن بالتأكيد بأنّ ذلك ممكن". مثل هذه الأيديولوجية الإنجيلية المتطرفة، هي التي كانت الدافع وراء قرار إدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها في خطوة خالفت المبادئ الأساسية لكل الإدارات الامريكية السابقة دون استثناء.

الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل ـ إن تم فعلياً ـ سيسجّل لإدارة ترامب على أنّه سابقة أخرى من السوابق. لكن، من المتوقع أن تؤدي هذه السابقة، كما السوابق الأخرى للإدارة إلى تعميق الصدع في علاقاتها مع عدد من الحلفاء والشركاء الإقليميين وعلى رأسهم تركيا على سبيل المثال. 

أنقرة كانت أوّل من رفض التصريحات الأمريكية بقوّة، محّذّرةً من أنّها مخالفة للقانون الدولي وستؤدي إلى تعميق حالة عدم الاستقرار في المنطقة. المسؤولون الأتراك أكّدوا في نفس الوقت على دعم وحدة وسلامة الأراضي السورية ردّاً على الموقف الأمريكي.

 

الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل ـ إن تم فعلياً ـ سيسجّل لإدارة ترامب على أنّه سابقة أخرى من السوابق


من شأن القرار الأمريكي أن يؤدّي إلى إعطاء الخصوم الإقليميين المزيد من الذرائع لتعميق نفوذهم، وفي مقدّمتهم إيران وروسيا. وبهذا المعنى، فقد يكون الهدف الأمريكي تكتيكياً، لكنّه سيحمل معه بالتأكيد تداعيات ذات طابع استراتيجي، أثبتت السنوات القليلة الماضية أنّ واشنطن تتجاهلها تماماً الأمر الذي يجعل من التوقعات التي تشير إلى مزيد من التدهور في الأوضاع الإقليمية أمراً مرجّحاً.