قضايا وآراء

غزة.. التنفـيس أو الانفجـار

1300x600
في ظل دعوات لحراكات شعبية في قطاع غزة من أجل تحسين الظروف المعيشية ووقف الجباية والضرائب على السلع والخدمات، يتبادر إلى الأذهان حقيقة أن حاجة الشعوب للحرية والكرامة لا تقل عن حاجتها إلى الخبز. فالخبز هو الذي يُوقف الحرية على قدميها، وكيف لجائع أن يحمل سلاحه ويقاوم عدوه!

من السهل جدا التشكيك في أي حراك شعبي، والزعم أن خلفه أو ستستغله جهات أخرى لأغراض حزبية ليست نبيلة، كإثارة الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في البلد أو التحريض ضد الجهة الحاكمة. وقد لا يكون بوسعنا أن ننفي ذلك، فالأمر وراد جدا.

وفي المقابل، إن أوضاع الناس في غزة صعبة للغاية، وتزداد أحوالهم المعيشية صعوبة مع الوقت والأفق السياسي مسدود تماما، ولا ينكر ذلك إلا مكابر. ومن حق الناس التظاهر والاحتجاج السلمي للتعبير عن تذمرهم من هكذا وضع يسوده الفقر والبطالة واستغلال العمال واحتكار الأسعار، ورفضهم إجراءات تفرض من قبل الحكومة تزيد من معاناتهم كفرض مزيد من الضرائب والمكوس التي تشدد الخناق.

مبرر تحويل الانفجار من الداخل تجاه الاحتلال الذي اغتصب الأرض؛ كان أحد الأسباب الرئيسية الذي ساقها قادة حماس (وسمعتها عشرات المرات) لتبني الحركة لمسيرات العودة والمشاركة فيها بقوة. وها نحن بعد عام نعود إلى نفس النقطة.. أوضاع البلد لم تتحسن، بل إلى الأسوأ، والناس يريدون الاحتجاج وهذا حقها، فما العمل؟؟..

هناك خياران للتعامل مع المشهد:

الأول هو المنع والاعتقال والقمع إن لزم الأمر، وهذا من شأنه أن يرفع حالة الاحتراب والاحتقان الداخلي، ويفقد الحركة بعضا من حاضنتها الشعبية، ويظهرها بمظهر المستبد، وكأنها لا تختلف كثيرا عن الأنظمة والجماعات المستبدة التي تنتقد سلوكها.

والثاني هو السماح بالتظاهر والاحتجاج مع أخذ الحذر وضبط الميدان، إلى جانب اتخاذ مجموعة من الإجراءات للتخفيف عن كاهل المواطن، وعدم ملاحقة السائقين والبائعين في أرزاقهم وتوفير فرص عمل للخريجين.

كلا الخيارين قد يحملان مخاطر ومحاذير، ولكن الخيار الأول بنظري هو الأسوأ. فالتنفيس عن الناس أفضل من زيادة الخناق، والسماح للجماهير بالتعبير عن غضبها أقل وطأة من إسكاتها وملاحقتها. فالناس يعيشون في سجن كبير وأزماتها تتفاقم كل يوم وتتضاعف. وكما سُمح في الشهر الماضي بمسيرات للمطالبة برحيل الرئيس عباس، رفضاً لإجراءاته ضد قطاع غزة، فلا بد أن يُسمح أيضا لمن سيخرج داعيا إلى إنهاء الانقسام أو محتجا ضد الضرائب وغلاء الأسعار. أحد محاذير هذا الخيار هو أننا كشعب لم نتعلم ثقافة السلمية بشكلها الصحيح ولم نعتد عليها. وبحكم الضغط السكاني والبيئة، فقد أورثت لدينا حالة من سرعة الغضب والميل إلى العنف مما يجعلنا غير قادرين على ضبط الانفعالات وضمان عدم تحولها إلى اشتباك مع الطرف الآخر، وهذا  هو أحد أسباب خروج مسيرات العودة عن سلميتها المنشودة.

إن ورقة انفجار قطاع غزة شمالا نحو الاحتلال، والتي كانت تلوّح بها حماس، لم تعد ذات قيمة أو تأثير أو كافية لتحريك المجتمع الدولي والأمم المتحدة وغيرها للتدخل السريع لإنقاذ الموقف وتدرك اندلاع مواجهة شاملة، بل وجدوا أن استخدام المسكنات (كالمنحة القطرية أو التسهيلات المصرية) علاجا يؤدي الغرض، والفصائل مع الشعب بات مدمنا عليها، بل قد يصفها البعض بأنها إنجاز أو انتصار!!

إن انسداد الأفق السياسي، سواء في ملف المصالحة مع السلطة أو اتفاق التهدئة مع الاحتلال، يجعلنا لا نتفاءل بانفراجة قريبة أو تحسن في أوضاعنا المعيشية، مما يعني أن المستقبل ربما يكون أسوأ، وأن أية محالات للضغط الداخلي أكثر لن تفلح، وستؤدي حتما نحو الانفجار إن لم يتم التعامل بحكمة مع الأوضاع الحالية، والاستماع بجدية لمطالب الجماهير. فالمطلوب هو توفير مقومات الصمود وتعزيز حالة الصبر، ولكن ليس بالكلام والخطب والشعارات. فالناس قد ملّوا من سماع نفس الأسطوانات، وصبرها بدأ ينفد إن لم قد نفد فعلا، فالصبر وحده ليس حلاً ولن يكون. ونختم بهذا التساؤل: أليس ممكنا أن يجتمعا معا الصمود والعيش بكرامة ولو بحدها الأدنى؟!