قضايا وآراء

احتجاجات الجزائر شاهد على براءة الربيع العربي

1300x600
طيلة خمس سنوات، تعرض الربيع العربي لعملية تشويه ممنهجة، نجحت هذه العملية التي أدارتها أنظمة لديها تخمة مالية بجعل مصطلح الربيع العربي رديفا للفتنة، كما نجحت في تثبيت التهمة عليه بأنه سبب الخراب والدمار الذي أصاب الأمة العربية.

ليس هذا فحسب، فملايين الضحايا في سوريا الذين سقطوا بين قتيل وجريح ومشرد، وعشرات آلاف البيوت المدمرة؛ سببها الربيع العربي، وليست سياسة نظام بشار الأسد!!!

آلاف الضحايا في ليبيا والفوضى التي تعم البلاد هناك سببها الربيع العربي، وليست سياسة نظام القذافي!!!

الفوضى والدمار في اليمن سببه الربيع العربي، وليس سياسة نظام علي عبدالله صالح!!!

التدهور الاقتصادي في تونس سببه الربيع العربي، وليس سياسة نظام زين العابدين بن علي!!!

وحدها مصر نجت من دمار الربيع العربي لأنها انقلبت عليه بواسطة السيسي الذي أنقذ مصر من كارثة محتمة ومن غول الإخوان المسلمين، وهي تعيش الآن في بحبوحة يحسدها عليها الجميع!!!

لم يكن هناك ربيع عربي، وإنما فتنة غذاها أعداء الأمة في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل!!!

تسبب الربيع العربي باحتلال إيران لأربع عواصم عربية!!!

أي احتجاجات ومطالبات شعبية بالحرية ومحاربة الاستبداد وحق الشعوب باختيار حكامها؛ مؤامرة خارجية تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار والرخاء التي يعيشها المواطن العربي!!!

نجحت الثورة المضادة بترسيخ تلك المقولات سالفة الذكر في ذهن المواطن العربي المغلوب على أمره.

استطاعت الثورة المضادة طمس بدايات الربيع العربي المليء بأحلام الشباب وطموحهم، وطمس كل الصور الرائعة التي رسمتها الجماهير في الشوارع والميادين، حيث تحققت هناك وحدة الشعوب الحقيقية.

استطاعت الثورة المضادة أن ترسخ بدلا من ذلك صور الدمار والدماء والأشلاء، وكأنها علامة مسجلة لما يسمى ربيعا عربيا.

وصل الربيع العربي في موسمه الثاني إلى الجزائر، وبدأ المسلسل من جديد، تماما كما بدأ في تونس ومصر واليمن وسوريا.

إنها احتجاجات شعبية راقية، لم ينكسر فيها لوح زجاج، رغم خروج مئات الآلاف إلى الشوارع.

إنها احتجاجات واضحة المطالب، تماما كما احتجاجات الشعوب التي سبقتهم؛ يريدون تداولا سلميا للسلطة.. يريدون أن يكونوا أحرارا في اختيار حكامهم.. يريدون محاربة الاستبداد والفساد الذي خيّم على بلادهم، كما خيّم على أشقائهم في الدول العربية.. يريدون انتخابات حرة ونزيهة، ويريدون عدالة اجتماعية وتكافؤا للفرص.. يريدون حكما رشيدا قائما على العدل والنزاهة والشفافية، بعيدا عن التسلط والمحسوبية والفساد.

هكذا بدأ الربيع العربي أيها السادة، وهذه كانت مطالبه.. مسلسل الجزائر يعيد الحلقة الأولى البريئة من مسلسل الربيع العربي: احتجاجات شعبية عارمة بطريقة سلمية للغاية.. هكذا بدأت في سوريا، هل تذكرون؟

عمت التظاهرات السلمية كافة المدن السورية، رافقتها الأغاني والدبكات، وأعلن غالبية الشعب رغبته في التغيير بطريقة سلمية.

الشعار الأثير للثورة السورية اليتيمة كان "بدنا حرية".. "بدنا حرية"، بعد أربعين سنة من الاستبداد والظلم والاضطهاد وحكم العائلة والفساد، ألم يكن ذلك مطلبا محقا؟

كان مطلبا بسيطا إذا نظرت إليه من خارج كوكب الدول العربية، وتحقيقه كان يحتاج فقط لانتخابات حقيقية؛ حرة ونزيهة وشفافة.

لم يكن يتربص بمطالب الشعوب تلك سوى أنظمتها الدكتاتورية الفاشية، وتلك الفئات الطفيلية التي أنتجتها تلك الأنظمة لمص دماء الشعوب، فعملت على تدشين شعارها الأثير: "الأسد أو نحرق البلد". وقد طبقت ذلك الشعار على أرض الواقع، وأحالت سوريا إلى محرقة كبيرة ليبقى الأسد وتتشح سوريا بالسواد و"الشحّار" الناتج عن الحرائق التي أشعلها وأنصاره.

لم يكن الخارج يستطيع الدخول على موجة الثورة السورية لولا أن النظام هناك أتاح لها ذلك مع سبق الإصرار والترصد، ولولا أن الأنظمة الراعية للثورة المضادة دعمت ذلك لتغذي الحرب الشنيعة التي اندلعت هناك، لأجل إثبات اتهاماتها للربيع العربي بأنه المسؤول عن أنهار الدماء التي تسيل في الشام.

انظروا إلى احتجاجات الجزائر الآن، انظروا إلى رقيها وحضارتها، انظروا إلى وحدتها وشعاراتها، انظروا إلى سلميتها، ومع ذلك فإن كل التخويف والتحذير الذي تعج به وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل مريب أو بريء، من انزلاقها إلى العنف موجهة للشعب المنتفض المحتج، لا إلى النظام الذي يصم آذانه عن مطالب الشعب.

لماذا يطلب من الشعب الثائر المنتفض أن يعود إلى بيوته حتى يضيّع الفرصة على المتربصين والمتآمرين والأعداء، ولا يطلب من النظام أن يصغي إلى مطالب الشعب حتى يضيّع الفرصة المتربصين والمتآمرين والأعداء؟!!

هكذا كان الربيع العربي، تماما كما هو في الجزائر؛ حضاريا وسلميا، وهكذا أحالته الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية حينما صمّت آذانها عن مطالب الشعب، وهي التي تتحمل المسؤولية كاملة غير منقوصة عن الدمار والفوضى وملايين الضحايا.. هذا ما يثبته حراك الجزائريين هذه الأيام، وهذا هو شاهد الإثبات على براءة الربيع العربي من الفوضى والدمار والفتنة.