ملفات وتقارير

لماذا لم تقترب أجهزة محاربة الفساد بمصر من الحيتان الكبار؟!

القناوي: محاربة الفساد تخضع لحسابات سياسية- جيتي

أكد قانونيون وسياسيون واقتصاديون أن تحسن تصنيف مصر بتقرير منظمة الشفافية الدولية، المعني بمكافحة الفساد، لعام 2018، لا يعكس بالضرورة أن هناك تقدما بمجال مكافحة الفساد الرسمي.


ووفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2018، فقد احتلت مصر المركز 105 من بين 180 دولة شملها التقرير، بعد أن كانت تحتل المركز 117 لعام 2017.


ويشير الخبراء الذين تحدثوا لـ "عربي21" إلى أن مصر من أكثر الدول التي بها أجهزة رقابية، أبرزها البرلمان والجنة العليا لمكافحة الفساد، والجهاز المركزي للمحاسبات، وهيئة الرقابة الإدارية، ورغم ذلك فإن هذه الجهات لم تتعامل مع فساد الحيتان الكبار.

 

وفي تعليقه على ترتيب مصر الجديد، يؤكد الخبير الاقتصادي سمير أبو الخير لـ "عربي21" أنه لا يمكن إنكار نشاط هيئة الرقابة الإدارية، فلم يعد يمر أسبوع إلا ويتم الكشف عن قضية أو قضيتي فساد، ولكنه يرجع في الأساس لملاحظات صندوق النقد الدولي في مراجعتيه الثالثة والرابعة، عن تقاعس المواجهة الحكومية لملف الفساد.

 

وحسب أبو الخير، فإن المراجعة الخامسة للصندوق، التي من المقرر أن يتم إعلانها خلال الفترة المقبلة، تناولت أيضا هذا الملف باعتباره أحد ملاحظات الصندوق التي يجب على الحكومة المصرية أن تتفاعل معها بالإيجاب، قبل الموافقة على صرف الشريحة الخامسة من القرض الممنوح لمصر.

 

ويفسر أبو الخير وجهة نظره بأن ما تم كشفه مؤخرا ارتبط ببعض القطاعات بينما لم يقترب من قطاعات أخرى، أي أنه كان فسادا حسب المزاج، وإلا كان من الأولى أن يتم فتح ملفات الفساد بالهيئات الاقتصادية ومن بينها قناة السويس، والفساد في الصناديق الخاصة التي منحها رئيس نظام الانقلاب حماية قانونية لا تضعها تحت مقصلة الأجهزة الرقابية مثل صندوق تحيا مصر وغيره من الصناديق السيادية.

 

"فساد الحيتان"

 

وهو ما يتفق معه الخبير القانوني مجدي القناوي، الذي أكد لـ "عربي21" أن مصر بها عشرات الهيئات والأجهزة الرقابية، ولكنها أجهزة غير فاعلة باستثناء هيئة الرقابة الإدارية التي منحها السيسي سلطات واسعة بما لها من ضبطية قضائية لا يتمتع بها الجهاز المركزي للمحاسبات.

 

ويضيف القناوي أن محاربة الفساد تخضع لحسابات سياسية، بدليل أن البرلمان أول وأقوى مؤسسة رقابية، وقد منحه الدستور والقانون آليات رقابية من شأنها محاسبة كبار المسئولين والوزراء باستخدام آلية الاستجواب، إلا أن البرلمان الحالي لم يستخدمها إطلاقا خلال دوراته الخمس، بالإضافة لإنهاء الدور الحيوي والهام الذي كان يقوم به الجهاز المركزي للمحاسبات، والذي كانت تقاريره رافدا أساسيا للمنظمات الدولية في تقييم أداء الحكومة المصرية بمواجهة الفساد.

 

ويشير الخبير القانوني إلى أن نظام السيسي قضى على أهم جهتين بمواجهة الفساد وهما البرلمان والجهاز المركزي للمحاسبات، بالسيطرة التامة عليهما، والتحكم في تحركاتهما، ما جعل الطريق مفتوحا لهيئة الرقابة الإدارية التي حتى الآن لم تتحرك لإسقاط الحيتان الكبار، حتى تثبت للشعب المصري أنها تتحرك لحماية ماله العام ولا تتحرك من أجل تجميل وجه النظام فقط، بالكشف عن قضايا فساد الصغار، بينما الكبار ممنوع الاقتراب منهم.

 

"حاميها حراميها"

 

من جانبه، يؤكد الباحث السياسي أحمد الشافعي لـ "عربي21" أن مكافحة الفساد بمصر يكاد يكون مستحيلا؛ لأنه يرفع شعار "حاميها حراميها"، كما أنه يمثل عقل وقلب الدولة العميقة التي تصدت لثورة 25 يناير، والتي كانت ترفع ضمن أهدافها تطهير مصر من الفساد.

 

ويضيف الشافعي أن المشكلة الثانية في أن المتحكمين بالأجهزة الرقابية الفاعلة معظمهم قادة بالجيش أو الشرطة، وهي القطاعات التي يدور حول ذمتها شبهات كثيرة، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي جرى في تموز/ يوليو 2013، وهو ما كشفه المستشار هشام جنينة خلال توليه رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات، عندما أعلن صراحة قبل إقالته بأن "كل أجهزة الدولة طالها الفساد، وأن هناك لوبي فساد يساند بعضه البعض، وهذا اللوبي متحكم في مؤسسات كثيرة بالدولة".

 

ويرى الخبير السياسي أن نظام السيسي يستغل قضايا الفساد التي يتم كشفها في تجميل صورته، وإحكام قبضته، خاصة أن كثير من القضايا التي كشفتها هيئة الرقابة الإدارية كان متورطا فيها قيادات سابقة بالجيش والشرطة، كما أنه يستخدم ملفات الفساد كورقة ضغط على شخصيات مؤثرة لضمان ولائها للنظام، كما يحدث الآن مع عدد كبير من القضاة الذين أصبحت ملفات فسادهم سيفا مسلطا على رقابهم من السيسي.

 

ويؤكد الشافعي أن النظام إذا كان حريصا على مواجهة الفساد، فإنه يجب عليه أن يفتح ملفات هيئات ووزارات معينة، في مقدمتها الآثار والأوقاف والشرطة والجيش والقضاء والإعلام، سواء كان الفساد ماليا أو باستخدام النفوذ، وعليه أيضا أن يفتح ملفات العاصمة الإدارية والصناديق السيادية والمشروعات الأخرى التي تخضع لرعاية السيسي المباشرة، فإن حدث ذلك فإن النظام وقتها لا يفرق بين الصغار والحيان، ولكن هذا لن يحدث إطلاقا، وفق قوله.