مقالات مختارة

«دافوس» وأزمة العولمة

1300x600

مع نهاية يناير (كانون الثاني) من كل عام، تجتمع شخصيات قيادية من عالم السياسة والمال والأعمال والإعلام في منتجع دافوس على جبال الألب السويسرية. وبعد عشرة أعوام من الأزمة الاقتصادية التي هزت العالم، وكانت حديث غالبية المشاركين في «المنتدى الاقتصادي العالمي» لسنوات عدة، نرى تبعات تلك الأزمة وفشل سياسات العولمة تتبلور.

صعود ساسة ينادون بالحمائية، وتنامي المشاعر الرافضة للانفتاح الدولي، بالإضافة إلى الأزمات السياسية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، تزيد من التساؤلات حول كيفية التعايش العالمي، وقدرة القائمين على الاقتصادات العالمية، من القطاعين العام والخاص، على الخروج ببنية تحتية أفضل. عنوان اجتماع هذا العام للمنتدى الاقتصادي العالمي هو «العولمة 4.0: بلورة هندسة عالمية في عهد الثورة الصناعية الرابعة». وهذه الثورة هي الثورة التقنية التي أحدثها الإنترنت والعالم الرقمي الذي يتسارع بقوة. هل يمكن للقائمين على النظام العالمي الحالي أن يعدلوه ويجروا الإصلاحات المطلوبة لحل أزمة العولمة الحالية؟ هذا السؤال مطروح أمام المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يحضره الكثيرون من هؤلاء، مع 65 رئيس دولة وحكومة وعدد من الأسر الملكية الحاكمة من حول العالم.

ويبدو أن القائمين على المنتدى الاقتصادي العالمي واعون لضرورة إشراك جيل جديد في معالجة تحدي الإصلاح، خصوصاً أن عدداً ليس بالقليل من المنتسبين إلى نادي دافوس ساهموا في خلق الأزمة نفسها.

لا يمكن إنكار أن القائمين على مؤسسات رأسمالية فشلوا في العمل على نظام اقتصادي أكثر عدالة. كما أن خطر التغيير المناخي يحتاج إلى سياسات جدية تتبنى الاستدامة كأساس للتخطيط المستقبلي. والاستدامة مرتبطة مباشرة بجيل شاب واعٍ. لذلك يترأس اجتماع هذا العام ستة شباب تحت سن الـ30، بالإضافة إلى الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت» ساتيا ناديلا.

المسؤولون في المنتدى الاقتصادي العالمي يراهنون على شراكة بين الشباب وشركات التقنية العملاقة لتحسين فرص التخطيط المستقبلي السليم. ومن اللافت أن قيادات شابة من العالم العربي تشترك في دافوس هذا العام، على رأسهم ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، وولي عهد الأردن الأمير حسين بن عبد الله، بالإضافة إلى نخبة من الشباب العرب العاملين في مجالات مختلفة مثل الهندسة والثقافة والعلوم.

قبل 8 أعوام، كان العرب المجتمعون في دافوس يراقبون التطورات في تونس ومصر، يتكهنون حول مستقبل الدول الأخرى في المنطقة، ولكن كان من المستحيل تصور ما وصلنا إليه. سماع صوت الشباب وحضور قيادات شابة، بالإضافة إلى وزراء وممثلين عن القطاع الخاص، يسلط الضوء على بعض ما يمكن تحقيقه في المنطقة. عدم مشاركة رؤساء دول في المنتدى من العالم العربي لا يؤثر على مناقشة قضاياه.

بالطبع القضايا السياسية العالمية قائمة وبقوة على أجندة دافوس، كعادتها. وبينما يحضر رئيس البرازيل اليميني جائير بولسونارو للمرة الأولى بعد أسابيع من توليه مقاليد الحكم، تلقي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خطاب الوداع إذ تقترب من انتهاء حقبتها التاريخية كقائدة ألمانيا الحديثة والصوت المنادي بدعم العولمة. كما أن وجود الرئيس الأفغاني أشرف غني يسلط الضوء على حرب أفغانستان التي دخلت عامها الـ18 من دون مخرج واضح لها. ويغيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع أزمة إغلاق أعمال الحكومة الأميركية، بينما رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي تغيب أيضاً مع تفاقم أزمة «البريكست».

من المتوقع أن يكون خطاب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الخميس فرصة للحديث عن الحوكمة العالمية، وضرورة دعم أجندة أهداف التنمية المستدامة التي تدخل عقدها الأخير لتخطيط طموحاتها بحلول عام 2030.

المؤسسات الدولية الكبرى مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي ما زالت تبحث عن سبيل لتحديث نفسها، وهنا يطمح المنتدى الاقتصادي العالمي بلعب دور جوهري. وأعلن مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب «بياناً رسمياً حول العولمة»، أرسله للمشاركين الـ3000 في المنتدى، يطالبهم فيها بهندسة مستقبل أفضل مبني على إصلاح النظام العالمي الحالي، ومن المتوقع بحث 10 محاور رئيسية تخص العولمة خلال المنتدى الذي يختتم أعماله الجمعة، تشمل عدداً من القضايا مثل الاقتصاد والحوكمة والبيئة.

التحدي أمام المشتركين إدراك حجم الأزمة التي تواجه العالم، خصوصاً من حيث الفجوة المالية على الصعيد العالمي وتبعات التغيير المناخي، ومن بعدها العمل بشكل جماعي إيجابي للخروج بنتائج ملموسة. لا يمكن لأي اجتماع مثل هذا أن يضمن نتائج ملموسة، خصوصاً في غياب قرار سياسي واضح للعمل الجماعي. ولكن ما يمكن أن يحققه منتدى دافوس في هذه المرحلة هو فتح المجال للتفكير بطريقة جدية وممنهجة حول خريطة الطريق العالمية.

هذه الخريطة تخص الملايين من الناس، ولكنها بأيدي نخبة قليلة تتمتع بجمال جبال الألب هذا الأسبوع وسط زخم الاجتماعات والندوات واللقاءات الخاصة. عند عودتهم إلى ديارهم، على هؤلاء تطبيق التزاماتهم والعمل جدياً على نظام عالمي أكثر عدالة... قبل أن تصبح أزمة العولمة أزمة خارجة عن السيطرة.

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية