كتب

باحثة أمريكية تُحذّر من تأثير الإسلاميين في هوليود

حذّرت من خطورة تأثير الإخوان المسلمين على هوليود

يعكس هذا البحث الذي قدمته الباحثة الأمريكية ويس ديبورا Deborah Weiss ونشره مركز سياسة الأمن في صيف 2018، جانبا  من الفوبيا الأمريكية من اشتغال بعض المؤسسات الإسلامية العاملة في أمريكا، كما يكشف تمدد وجهة نظر اللوبي الصهيوني في الوسط الثقافي والفني، والرهاب الذي يمارسه في الأوساط الثقافية والفنية ليس فقط من الإسلاميين، بل من كل المؤسسات الإسلامية.

ويكتسي هذا البحث أهميته، لا من المعطيات التي يقدمها، ولا حتى من المؤشرات التي يستعين بها، ولكن أهميته تتمثل في الزاوية التي اختار أن يصرف من خلالها هذا الرهاب، ودرجة الحساسية التي تمثلها في المجتمع الأمريكي، فـ"هوليود"، التي تؤوي الصناعة السينمائية الأمريكية المتفوقة عالميا،  تحتل موقعا مهما في ثقافة الأمريكيين وذاكرتهم، كما تمثل التجسيد الأكبر للحرية التي يتأسس عليها النموذج الليبرالي الأمريكي، و أي مساس بها أو اقتراب منها، فضلا عن محاولات اختراقها يعتبر خطا أحمر  لدى العقل الأمريكي. 

وكان اختيار تأثير الإسلاميين على هوليود أو على السينما الأمريكية موضوعا مثيرا للحساسية المفرطة لدى الأمريكيين، إذ يستثير عناصر المقاومة ضد الاختراق، ويصنع حالة مقاومة لعدو حضاري مفترض، لم يجد البحث سوى "الإخوان المسلمين" وما يمسيه بـ "أذرعهم الجهادية الحضارية" للتخويف منه.

نحن في حرب

بنفس العبارات التي طالما دبجها روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تؤكد  المؤلفة أن أمريكا توجد في حرب مع الحركة الجهادية العالمية، وأنها  ذات طبيعة فكرية بالدرجة الأولى، وأن جماعة الإخوان المسلمين، بمختلف التشكيلات والمجموعات التي تظهر بها، استهدفت هوليود كوسيلة من ضمن وسائل أخرى تعتمدها لتقود مهمتها في "الجهاد الحضاري"، وأنها لا تترك أي باب يمكن من خلاله أن تمكن لمشروعها، وتخترق المجتمعات الغربية من الداخل.

وتحذر المؤلفة من أن السماح بتحقيق هدف جماعة الإخوان باختراق هوليود سيكون بمثابة الخطأ غير المغتفر وأن تأثير ذلك سيكون خطيرا على الأجيال القادمة ما لم يتم تحمل المسؤولية في مواجهة ذلك.

رهانات جماعة الإخوان في أمريكا

بعد أن تستعرض المؤلفة عددا من التنظيمات الراديكالية الإسلامية التي ظهرت في العالم الإسلامي، والعمليات الإرهابية التي استهدفت تباعا عددا من العواصم الأوربية، تستعيد مفهوم الجهاد في الإصطلاح الإسلامي، لتخلص إلى أن الجهاد الذي يعني "الحرب المقدسة ضد المجتمعات غير المسلمة" ليست له دائما صورة واحدة هي الإرهاب واستعمال العنف، وإنما قد يتخذ صورة سلمية تكتيكية، وأن الإسلام ليس مجرد دين بالمعنى الذي يتم فهم "الدين" في المجتمعات الغربية، وإنما هو منهج حياة يشمل جميع المجالات، أو هو بالتحديد إيديولوجية سياسية شمولية، تسعى لفرض إرادتها على البشر، وأن دور هذه الإيديولوجية هو إقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية، وأن من طبيعتها التمدد والهيمنة على المجتمعات غير المسلمة عبر اعتماد عدد من الاستراتيجيات والتكتيكات لتحقيق أهدافها، وأن الجهاد سواء كان بالعنف أو كان سلميا، يعتبر أحد أهم أدواتها لتحقيق هذه الأهداف.

وعلى نفس طريقة ساتلوف وممثلي وجهة نظر اللوبي الصهيوني، لا تميز الباحثة بين تنظيم القاعدة وبين جماعة الإخوان، فكلاهما يعملان لنفس الأهداف، وأن الخلاف بينهما إنما هو في الطريقة والتوقيت.

بعد هذه التوطئة المفاهيمية، تدخل المؤلفة في صلب الموضوع، وتستعرض بقليل من المعطيات سياق نشأة جماعة الإخوان في مصر، لتمضي بشكل سريع إلى وثيقة نسبتها لجماعة الإخوان، تعتبر أنها رسمت استراتيجية هذه الجماعة للتمدد والتوغل في المجتمع الأمريكي منذ سنة 1991، وتحاول أن تسقرئ بعض مقتضياتها سواء على مستوى الفاعلين أو الحلفاء أو على مستوى الأهداف ووسائل العمل، وتتوقف عند أحد المجموعات التي تخدم هذه الاستراتيجية، والتي جعلت من بين أهدافها اختراق "هوليود"، وجعلت من بين أهم وسائلها لتحقيق هذا الهدف، التواصل مع "هوليود" بجميع الفاعلين فيها لإقناعهم بخدمة روايات غير صحيحة، ودعمها ماليا وتحريف الثقافة الأمريكية وتقديم معطيات غير صحيحة عن الإسلام والإرهاب والجهاد.

تكتيكات الإسلاميين للتأثير في هوليود

ومع إقرار المؤلفة بحق المسلمين في أمريكا في إنتاج أفلام أو كتابة سيناريوهات لها أو التأثير في مخرجين أو حتى دعم الأعمال السينمائية، فإنها تحذر من استعمال هذه الحرية التي تتيحها أمريكا لمواطنيها من أجل كسب مواقع قوة للتأثير في أفكار الأمريكيين وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومشاعرهم وسلوكهم، كما تحذر من تسرب الإسلاميين إلى مواقع التأثير في الصناعة السينمائية، لأن من شأن ذلك ـ حسب المؤلفة ـ أن يمكنهم في التأثير في ثقافة الجمهور ومزاجهم وأيضا صناع القرار السياسي أنفسهم. 

وترى الكاتبة أن استرتتيجية الإسلاميين في هذا الصدد تتوسل ثلاث تكتيكات: تكتيك الدعم المالي لتحقيق هدف تمييز الإسلام عن الإرهاب، وتكتيك تزييف الحقائق والمعطيات، وذلك بتقديم صورة  إيجابية عن المسلمين ونفي أي علاقة لهم بالإرهاب والعنف. أما التكتيك الثالث فيتمثل في التأثير في العمل السينمائي من خلال التأثير في السيناريو سواء بالكتابة أو بتقديم جوائز لمن يكتب سيناريوهات تقدم صورة إيجابية عن الإسلام والإسلاميين.

وترى الباحثة أن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في أمريكا (CAIR) تعتبر الذراع الإخواني الأقوى في تنفيذ هذه التكتيكات، حتى وإن كانت تقدم نفسها باعتبارها هيئة مدنية تعنى بحقوق الإنسان، وتستعرض في كتابها عشرة نماذج من الأفلام التي خضعت لتأثير هذه الهيئة على مدى حوالي عشرين سنة، إذ ترى أن جهود هذه الهيئة في التأثير في هوليود انتهت إلى إقرار تعديلات مهمة في بعض الأفلام سواء في في بعض المشاهد أو في السيناريو لخدمة تطلعات وطلبات هذه الهيئة. 

 

إقرأ أيضا: بازفيد: كيف خدم ترامب مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية؟

كما استندت المؤلفة إلى بعض مواقف الهيئة الاحتجاجية على عدد من الأفلام والبرامج الوثائقية التي تخص الإسلام أو المسلمين، وأكدت الباحثة نجاح الهيئة إلى جانب هيئات إسلامية أخرى في التأثير في بعض أفلام هوليود من خلال الدفع بحجة أن تقديم الإسلام باعتباره مناصرا للعنف والإرهاب، وخلق صور نمطيمة للإسلام والمسلمين ومحاولة ترويجها يمكن أن يخلق ردات فعل من المسلمين بما يؤثر على  السلم والتعايش والتسامح في أمريكا.

وترصد المؤلفة أيضا بعض مواقف المجلس الإسلامي للشؤون العامة بأمربكا (MPAC، خاصة منها ما يتعلق بتأثيرها على الصناعة السينمائية، وتخلص إلى أن هذا المجلس، هو الآخر، يمضي في التكتيك نفسه، حتى وهو يقدم مساهمته البحثية وأوراقه النقدية في مجال الأمن الداخلي أو السياسة الخارجية. 
وتتوقف المؤلفة عند مكتب هوليود التابع لهذه الهيئة، والذي تم تخصيصه لإقناع صناع الفيلم الأمريكي، من كتاب ومخرجين ومنتجين وممثلين وذلك بأن يتجنوا عرض الإسلام والمسلمين بطريقة سلبية، وأن يقدموا صورة إيجابية عنهم في أعمالهم السينمائية، وتحاول المؤلفة حصر بعض الأفلام التي خضعت لتوجيه وتأثير هذا المكتب، كما تستعرض مؤسسة أخرى تقوم بنفس الدور، وهي هيئة التحالف من أجل الحضارات، والتي تمارس عدة ضغوط على الأمم المتحدة من أجل التأثير على الصناعة السينمائية بهوليود، وتستعمل آلية الدعم المالي من أجل إنتاج أفلام مقربة من الإسلاميين وعاطفة عليهم، وذلك ما بين سنة 2008 و2009. 

 

إقرأ أيضا: فورين أفيرز تقرأ في حقيقة خطر الإخوان على أمريكا

كما رصدت المؤلفة مؤسسة أخرى اضطلعت بدور الإنتاج (Unity productios fondatio) والتي تأسست سنة 1999، ووضعت من بين أهدافها تشجيع السلم عبر وسائل الإعلام. وقد قامت المؤلفة باستعراض عدد من أعمال هذه الهيئة، خاصة منها الأفلام والبرامج الوثائقية، وقامت بتحليلها من زاوية نظرها لتخلص إلى أنها ليست أكثر من ذراع من أذرع جماعة الإخوان المسلمين التي تعمل على اختراق المجتمع الأمريكي وتغيير ثقافته.

وعلى نفس الشاكلة مضت المؤلفة تستعرض عددا من المؤسسات التي تربطها بجماعة الإخوان، فتتابع علاقتها بمكونات الصناعة السينمائية وتأثيرها فيهم سواء على مستوى الدعم المالي أو على مستوى استعمال العلاقات للتأثير في مضمون ورسائل الأفلام أو على مستوى إنتاج أفلام خاصة تقدم صورة إيجابية عن الإسلام والمسلمين أو على الأقل تقاوم النظرة النمطية المسيئة للإسلام والمسلمين. وتسوق في هذا السياق ما تم نشره في جريدة التايم الإيرانية من محاولة تأسيس حركة في هوليود لمحاربة الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين وذلك سنة 2008، والاستعانة بالممثلين المسلمين أو الممثلين العرب في هوليود.

في مواجهة اختراق هوليود

وتختم المؤلفة دراستها بتقديم جملة توصيات تحاول الحواب عن سؤال ما العمل لمواجهة هذا الاختراق ولتحصين ثقافة المجتمع الأمريكي. 

فعلى مستوى فردي، دعت المؤلفة المواطن الأمريكي للدفاع عن الحرية كنموذج أمريكي، كما دعت الآباء لتحمل مسؤوليتهم في تحصين أبنائهم من هذا الاختراق، كما دعت الكنيسة إلى أن يتحمل القساوسة والرهبان فيها مسؤوليتهم في القيام بدورهم من أجل مواجهة هذا التوغل الإسلامي الذي يحاول تحريف الثقافة الأمريكية، أما على مستوى مجتمعي، فدعت المؤلفة إلى إحياء فكرة وجود عدو جاثم على الثقافة الأمريكية يحاول تقويضها من الداخل، وضرورة مواجهته بكل القوة اللازمة. 

أما على مستوى هوليود ومكونات الصناعة السينمائية والفاعلين فيها، فحذرتهم من الاستجابة للمؤسسات الإسلامية، وخطورة ذلك على الحرية التي كانت وراء النجاحات التي حققتها الصناعة السينمائية الأمريكية، ولم تغفل المؤلفة أن توجه توصياتها للحكومة الأمريكية، والسياسات التي ينبغي عليها القيام بها لقطع أي علاقة ممكنة مع جماعة الإخوان المسلمين والحيلولة دون تحقيق تكتيكاتهم في اختراق المجتمعات الغربية وتغيير ثقافتها.

أبحاث وتقارير في الفوبيا الإسلامية

والحقيقة أن تتبع معطيات مثل هذه الدراسات والأبحاث الأمريكية، التي في العادة ما يقودها اللوبي الصهيوني الذي يتولى نشر الرهاب الإسلامي في أمريكا والتحذير من أثره على الحرية واختراق المجتمعات الأمريكية، لا تعكس في حقيقة ألأمر سوى الضيق من المساحات التي بدأت تحتلها بعض المؤسسات الإسلامية العاملة في أمريكا والمنضبطة للمقتضيات الدستورية والقانونية في هذا البلد، وتحاول إلصاقها بحركات الإسلام السياسي، وبالتحديد بجماعة الإخوان التي يحاول اللوبي الصهيوني خلق رهاب عام ضدها في مختلف التعبيرات البحثية والإعلامية فضلا عن الثقافية والفنية.

 

إقرأ أيضا: نيويورك تايمز: كيف يرى مستشارو ترامب جماعة الإخوان؟