ملفات وتقارير

قبل 25 يناير.. لماذا أثارت السترات الصفراء رعب نظام السيسي؟

استطاع النظام خلال السنوات الماضية إسكات جميع الأصوات المعارضة، وحتى المؤيدة التي اختلفت معه- جيتي

أثارت صورة محام مصري بالسترة الصفراء على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك"، هلع النظام في مصر، قبيل الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير، وبادر إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، سواء بحق المحامي أو السترات الصفراء نفسها.

وألقت قوات الأمن القبض على المحامي محمد رمضان، في مدينة الإسكندرية، بعد أن نشر صورة له وهو يرتدي سترة صفراء مماثلة لتلك التي يرتديها المحتجون في فرنسا.

وأحيل المحامي إلى النيابة العامة، التي أصدرت قرارا بحبسه 15 يوما، بتهمة حيازة خمس سترات صفراء للدعوة للمشاركة في تظاهرات، على غرار تلك التي تشهدها فرنسا، وتكدير السلم العام، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

 

منع السترات الصفراء

ومنعت السلطات المصرية محلات معدات الأمن الصناعي من بيع السترات الصُّفر؛ خشية أن يستخدمها مواطنون في تقليد الاحتجاجات في فرنسا مع اقتراب ثورة 25 يناير 2011.

ونقلت "رويترز" عن مصدرين في قطاع الأمن الوطني المسؤول في وزارة الداخلية بأن القطاع منع تجار معدات الأمن الصناعي في القاهرة من بيع السترات الصفر.

واندلعت احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، وأرغمت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إلغاء زيادات مقررة في ضرائب الوقود، وإلى رفع الحد الأدنى للأجور.

 

اقرأ أيضا: مصر تحبس محامي "السترات الصفراء" 15 يوما.. وتحظر بيعها

رعب نظام السيسي

وعلق المحلل السياسي المصري، المقيم في فرنسا، محمد السيد، بالقول إن "الاحتجاجات التي تشهدها فرنسا بسبب زيادة الضرائب على المحروقات، خرجت من رحم المعاناة التي يعيشها ملايين الفرنسيين، عمالا وأرباب عمل ومهمشين، ليس لهم انتماء سياسي أو حزبي، ما دفع الحكومة للتراجع، ثم قدمت 11 مليار يورو زيادة في المرتبات، ورغم ذلك لم يقتنع أصحاب السترات الصفراء، ويطالبون بالمزيد".

وأضاف لـ"عربي21": "في هذا التوقيت، كان النظام القمعي بمصر يراقب الوضع، وأسند المهمة لعدد من الإعلاميين فاقدي المصداقية لمهاجمة أصحاب السترات الصفراء، واتهامهم بالمخربين، لدرجة أن بعضهم قال إن من يحركهم "الإخوان المسلمون".

وبيًن أن "قنوات الانقلاب أصبح شغلها الشاغل تخويف الشعب المصري من أي تحرك على غرار أصحاب السترات الصفراء؛ لذلك وصلت حالة الرعب لدى النظام إلى إصدار قرار بمنع بيع السترات الصفراء وكأن هذه السترات هي ما تدفع الناس للتظاهر وليس ظروفهم الاجتماعية والقهر الواقع عليهم".

ورأى السيد أن ما حدث للمحامي المصري الذي قبض عليه بتهمة حيازة ستره صفراء "دليل دامغ على رعب النظام من اندلاع ثورة شعبية؛ نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية، على غرار ما قام به أصحاب السترات الصفراء"، مشيرا إلى أن "الأوضاع في مصر تفجر ثورات وليس ثورة واحدة، والشعب المصري لا يحتاج إلى سترة صفراء ليثور، بل لإرادة قوية لإزاحة هذا الطاغية".

سبب آخر للخوف

ورجح القيادي في تيار أقباط 25 يناير، كمال صباغ، أن لدى النظام المصري سببا آخر للخوف، هو "أن ما حدث في فرنسا، والحلول التي قدمها ماركون للمتظاهرين وضعته في مأزق شديد جدا؛ لأنه (نظام السيسي) كان يتمنى أن العنف في فرنسا يقابله عنف مفرط من قوات الأمن الفرنسية، وكان يتمنى أن يتمسك (ماكرون) بموقفه، لكن ما حدث أنه رضخ لمطالب المتظاهرين، وهذا وضع السيسي في موقف صعب جدا، وأصابه بالإحباط".
 
مضيفا لـ"عربي21" أن "هذه التطورات تأتي في وقت يحاول فيه السيسي تعديل الدستور، والالتفاف حول القانون، ورفع مرتبات القضاة والشرطة، ويجمد في المقابل علاوات الموظفين الحكوميين، كما أن الحكومة قائمة على الاقتراض ورفع الأسعار وتقليل الخدمات، وخدمة الأغنياء، وهذا بالضبط ما قام ضده الشعب الفرنسي، بكل تأكيد الحكومة المصرية تشعر بأنها في مأزق قبل ذكرى ثورة 25 يناير".

وبشأن تحركات الحكومة المصرية بمنع تداول الستر الصفراء، رأى أنها "محاولات صبيانية تدل على ضعفها وهشاشة طريقة تعاملها مع الرأي العام"، مدلّلا على ذلك بالقول: "إذا كانت السلطات المصرية متخوفة من لون تيشيرت، أو سترة، وترى أنها تهدد بقاءها، فهذا يدل بلا شك على رعبها من أي انتفاضة شعبية، ومدى هشاشة النظام نفسه".

بارود متفجر

وقال أحمد البقري، أحد نشطاء ثورة 25 يناير الطلابية، لـ"عربي21"، إن "النظام العسكري الحاكم حاليا هش، وليس لديه أي قاعدة شعبية، وهو يستند على الدبابة، لأنه مدرك تماما أن أي متنفس حرية سيكون بداية سقوطه المدوي"، مشيرا إلى أن "الأوضاع في مصر على وشك الانفجار، والمواطن مطحون بين مطرقة القمع والفقر والسلطة الفاشلة، التي لم تستطع على الأقل توفير ثمار البطاطس للمواطنين!".

ورأى أن ظروف المصريين الآن أدعى للثورة أكثر من أي وقت مضى، قائلا: "النظام الذي أفقر المصريين، وصارت الديون في عهده ضعف ما كانت عليه في 2013، وقام بقتل السياسة، وصارت مصر الصوت الواحد الذي يُسبِح بحمد النظام، عدا ذلك فمصيره السجون".

وذهب إلى القول بأن النظام "استطاع خلال السنوات الماضية إسكات جميع الأصوات المعارضة، وحتى المؤيدة التي اختلفت معه في وجهات النظر، بعد أن شن حملات قمع شديدة امتدت إلى كل الأطياف؛ لذلك يخشى النظام من شرارة ما حدث في فرنسا، وما تبعها من ضغوط على الرئيس الفرنسي، أجبرته على بعض التنازلات".