مقالات مختارة

أبناء غزة لا يتآمرون على الأردن

1300x600

حسنًا ما فعله رئيس الوزراء وحكومته، من حيث الموافقة على تمليك أبناء غزة في الأردن، ممن لا يحملون أرقاما وطنية، ويحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة، وبحيث يكون منطقيا، مثلهم مثل غيرهم، ممن يعيشون في الأردن، أن يسجلوا أي عقار يخص أي فرد فيهم باسمه، بدلا من البحث عن وسيط أو بديل.

لكن اللافت للانتباه، هنا، أن كل خطوة تؤخذ وتكون دلالتها عادية جدا، يتم ربطها بتصفية القضية الفلسطينية، أو الحل النهائي، أو مؤامرة الوطن البديل، أو حتى صفقة القرن، وهذه مبالغات، تختلط فيها الهواجس والمحاذير بالمخاوف الوطنية، بحيث لا يدقق بعضنا بالفروقات بين كثير من الحالات، حتى لم يتبق إلا أن نتهم المطر إذ يغيب بكونه ينفذ فصلا من فصول صفقة القرن أو الوطن البديل.

ما علاقة صفقة القرن أو مؤامرة الوطن البديل بالسماح لأي واحد من أبناء غزة بتسجيل عقاره الذي تعب لأجله، وجمع ماله عبر عشرات السنين من العمل باسمه، وبماذا يختلف عن العراقي أو السوري أو أي جنسية أخرى تقيم هنا في الأردن يتم منحها حق التملك؟!.

لماذا يريد البعض أن يواصل إصراره بأن تسجيل شقة باسم صاحبها يعني خطوة على طريق بيع فلسطين، أو التجنيس أو المطالبة برقم وطني، وهل من المنطق  إدارة الموقف من قضية عادية لا تختلف في الأساس عن تملك الأردني لأي عقار أو شقة في أي بلد في العالم، بهذه الطريقة، فلا يتهمه أحد انه باع الأردن، أو جاء ليتجنس في بلد آخر؟!.

حساسيات القضية الفلسطينية مفهومة جدا، غير أن هؤلاء ليسوا على طريق التوطين أساسا، مثلما لا أحد يسمح لهم بالعودة إلى غزة، بأي طريقة كانت، مثلما أن تسجيل شقة أو سيارة باسم صاحبها يعد حقا عاديا في كل دول العالم، وبيننا مئات آلاف الأردنيين الذين يعيشون خارج البلد، منذ عقود، وشققهم مسجلة بأسمائهم وكذلك سيارتهم، فلم يتهمهم أحد بأنهم أصحاب أجندة، أو قرروا بيع الأردن مقابل شقة في مكان آخر، أو أن ملكية الشقة خطوة باتجاه المطالبة بمقعد نيابي أو وزاري، أو جواز سفر بكامل شروطه.

الأردن لم يحكم غزة أساسا، مقارنة بالضفة الغربية والقدس، ولربما هناك تحسسات من زاوية أن ما يمكن وصفه أن أبناء غزة ينضمون ديموغرافيا، من حيث العدد وليس من حيث وضعية المواطنة، إلى جزء من الأردنيين، من حيث الأصل، وهذه حسبة مفرطة في الغرابة، بحيث تتم حسبتهم بهذه الطريقة، وأنهم يصبون لصالح تمدد كتلة سكانية أردنية تنتمي إلى أصل محدد، وهذه مبالغة إضافية، تفترض أن أبناء غزة لديهم الرغبة بالمساومة، أو ابتلاع وطن آخر، في إشارات تمس أساسا وطنيتهم، وتخونهم ضمنيا.

من ناحية ثانية، فإن الظروف الإنسانية ليست جسرا لتنفيذ مخططات سياسية، إذ ندرك أن صد هذه المخططات واجب وطني على كل واحد فينا، لكن دون أن يؤدي الصد أيضا إلى نسيان الظرف الإنساني الذي يواجهه أبناء غزة، من حيث ملكياتهم وحتى وظائفهم، وبينهم من يحمل شهادات في الطب وغيره من تخصصات، ولا يتم السماح لهم بالعمل، مثلما تلك القيود على رخص القيادة، وغير ذلك، ومن المؤكد هنا أن تحسين حياة الناس ليس بوابة لغدر الأردن، أو الطعن في تركيبته، أو السماح بتسلل أي مخططات.

علينا أن نفرق بصراحة بين تحسين حياة الناس وبين الشك في دوافع هذا التحسين، فلا أحد يقبل نهاية المطاف أن يكون الأردن ضحية لكل المؤامرات في المنطقة، ولا أن تصير كل خطوة أيضا، محلا للطعن في دوافعها، ولو بقي أهل غزة في الأردن طوال عمرهم في غرف الصفيح، لما أدى ذلك إلى عودة فلسطين، ولما حمى الأردن أيضا، وهذا يعني أن علينا أن نفتح أعيننا جيدا على أي خطوة قد تمثل مؤامرة على الأردن، دون أن نعتبر أن كل خطوة هي مؤامرة على الأردن، وهذا يفرض علينا التفريق بين الدلالات بشكل عميق.

عن صحيفة الدستور الأردنية