أفكَار

إسلاميو السودان تحالفوا مع العسكر للوصول إلى السلطة (2من3)

قال إن الإسلاميين في السودان تحالفوا مع العسكر عام 1989 لمنع استئصالهم

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيديولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

في الجزء الثاني من التقرير الذي أعده الإعلامي السوداني خالد سعد خصيصا لـ "عربي21" عن تجربة إسلاميي السودان السياسية، يرصد اليوم موقع وموقف الإسلاميين في مرحلة ما بعد نهاية عهد نميري في الحكم حتى استلام الحكم عام 1989.

إسلاميو السودان تحالفوا مع العسكر للوصول إلى السلطة (2من3)

بعد سقوط نظام الرئيس جعفر نميري بانتفاضة شعبية عام 1985م، حوصرت الحركة الإسلامية السودانية باعتبارها إحدى أذرع مساندة النظام القديم، لكن سريعا ما خرجت الحركة من هذا المطب السياسي واستطاعت تكوين تحالف سياسي عريض باسم (الجبهة الإسلامية القومية) بزعامة الدكتور حسن الترابي، أدى إلى أن يفوز الإسلاميون في أكثر من خمسين دائرة نصفها جغرافي والنصف الآخر في المدن.

ويروي الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور الأمين عبد الرازق أن الفترة من 1985م ـ 1989م (حكومة الصادق المهدي الديمقراطية) كانت أخصب فترات نشاط الحركة الإسلامية عبر تحالف (الجبهة الإسلامية التي ضمت أنصار السنة وبعض الطرق الصوفية ومسيحيين ومسلمين من جنوب السودان). 

 

اقرأ أيضا: الترابي: قبلنا بمحاورة البشير لعجزنا عن إسقاطه

وذكر عبد الرازق لـ "عربي 21" أنه على ثقة بأن الراحل الترابي كان يحمل استراتيجية منذ تقلده زعامة الحركة في الستينات من القرن الماضي تهدف إلى توسيع قاعدة الإسلاميين وإنشاء تحالف عريض يضم كافة التيارات الإسلامية بل إن الإستراتيجية تشمل غير الإسلاميين من غير المسيسين حزبيا أو الذين تركوا تنظيماتهم السياسية.

وينفي عبد الرازق بشدة أن تكون تحالفات الإسلاميين من أجل الوصول إلى كرسي السلطة، بل يصف الأمر بأنه (تكتيكا) ضمن خطة متكاملة تقوم على مرجعية دينية بأن الشورى أو الديمقراطية هي القادرة على أن تحقق لحركة الإسلام السياسي أهدافها في خدمة المجتمعات، وشدد على أن كافة التحالفات التي خاضتها الحركة كانت في قضايا محددة مثل (الفيدرالية) وإطلاق الحريات واسترجاع الديمقراطية.

 

الفترة من 1985م ـ 1989م (حكومة الصادق المهدي الديمقراطية) كانت أخصب فترات نشاط الحركة الإسلامية

وعبد الرازق من الذين يعتقدون أن انشقاق الحركة الإسلامية في العام 1999م أو ما عرف بمفاصلة الإسلاميين، كانت نتيجة حتمية لصراع بين رافضي توسيع التحالفات والمشاركة مع الآخرين في السلطة وبين التيار الداعم لاستراتيجية الترابي الشورية.

بيد أن الباحث والكاتب السياسي بابكر فيصل يشكك في هذه الخطط، ويقول لـ "عربي 21": "إن الحركة الإسلامية السودانية تعتبر جزءا من تيار الإسلام السياسي الذي يضم جماعات تختلف في بعض الأفكار والمفاهيم الفرعية ولكن المشتركات بينها كثيرة تشمل أنها حركات كونية تتعالى على الواقع ولا تعترف بالحدود الوطنية، وكذلك فإن تطبيق الحدود يشكل أولوية قصوى لهذه الحركات بالإضافة إلى أنها لا تؤمن إيماناً مبدئياً بالنظام الديمقراطي بل تتخذ منه وسيلة للوصول للسلطة من أجل تطبيق الشريعة كما تفهمها".

30 عاما في السلطة:

ما لاشك فيه، فإن محك مصداقية تحالفات الحركة الإسلامية في السودان بدأ منذ وصول الإسلاميين إلى السلطة في حزيران/يونيو 1989م عبر تحالف مع العسكر بقيادة ضابط المشاة العقيد عمر البشير للقيام بانقلاب عسكري أطاح بنظام تعددي حزبي كانت الحركة الإسلامية نفسها إحدى مكوناته عبر مشاركتها في البرلمان، غير أن الحركة اعتبرت تحالفها مع العسكر والوصول إلى السلطة، جاء رد فعل لتحالف مضاد لإقصائها عندما نشأ تحالف بين المؤسسة العسكرية وقتها والأحزاب الرئيسية في الحكومة التي كان يرأس وزارتها زعيم حزب الصادق المهدي.

لكن المحامي والشيوعي البارز كمال الجزولي كتب في أكثر من مقالة يشكك في هذه الرواية، ورأى أن ما يُعرف بـ "المشروع الحضاري" الذي طرحته الحركة الإسلامية بعد وصولها السلطة هو مصطلح دالٌّ على مخطط لعمليَّة كبرى أطلقها القسم الرَّئيس من حركة الإسلام السِّياسي في السُّودان، من فوق انقلاب الثَّلاثين من حزيران/يونيو 1989م، بزعامة حسن التُّرابي، بغرض إخضاع كلِّ جوانب الحياة السِّياسيَّة والاقتصادية والاجتماعية والثَّقافيَّة لما يتَّسق مع رؤية هذا القسم الأيديولوجيَّة.

إلا أن أبو بكر عبد الرازق الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي والدكتور إبراهيم الصديق المحلل السياسي والقيادي الإسلامي يتفقان على أن رؤية الحركة الإسلامية للانخراط في تحالف واسع بعد الوصول إلى السلطة كان غاية في حد ذاته، ويدللان على ذلك بحل المجلس العسكري عام 1993م وتكوين حزب المؤتمر الوطني الذي ضم إلى جانب الإسلاميين أفرادا وجماعات من قوى سياسية أخرى ومستقلين وأقباط وجنوبيين مسيحيين ومسلمين، ويشيرون إلى نقطة مهمة وهي أن الحركة الإسلامية قررت بعد الانقلاب العسكري حل نفسها والانخراط في تحالف حزب المؤتمر الوطني.

يروي عبد الرازق في هذا الصدد أن الترابي بدأ مبكرا في إنشاء تحالفات للحكم تمهد لما سمي في العام 1995م بدستور "التوالي السياسي" الذي يسمح للأحزاب بالانخراط في العملية السياسية، ويشير إلى لقاء جمع الترابي بصهره زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي في جنيف عام 1999م من أجل هذا الهدف.

لكن الإسلاميين استمروا كرافد رئيسي للحكم عبر تحالف المؤتمر الوطني، وعملوا على إحداث اختراق في أزمة جنوب السودان بتحالف أفضت إليه اتفاقية الخرطوم للسلام 1997م مع فصائل جنوبية أبرزها نائب رئيس حكومة الجنوب الحالي رياك مشار، بيد أن التحالف أنفض سريعا.

يقول الكاتب بابكر فيصل في هذا التوجه، وصول الحركة الإسلامية للسلطة جاء عبر الانقلاب العسكري الذي كانت تخطط له منذ السبعينيات عندما زرعت خلاياها في الجيش كما اعترف زعيمها الراحل حسن الترابي، وقد جاء استمرارها في السلطة ليس بقوة الأفكار أو النجاحات الاقتصادية أو السياسية، بل بسيطرتها التامة على أجهزة القمع "الجيش، الشرطة، الأمن.. الخ"، واستمرت بقوة السلاح. وساعد في استمرارها الضعف الشديد الذي اعترى قوى المعارضة بسبب طبيعة النظام الاستبدادي الذي لا يسمح بالنشاط المدني للأحزاب والمنظمات الجماهيرية وبسبب من تكوين تلك المعارضة بمختلف أطيافها.

ويتفق مع هذه الرؤية الصحافي السوداني رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني، فهو يقول لـ"عربي 21" إن وصول الحركة للحكم كشف عجزها في تقريب المسافات بين الشعارات والتطبيق، وأثبتت أنها تعاني داخليا من انفصام بين الغاية والوسيلة، فهي عمليا ـ حسب ميرغني ـ تلتزم بمنهج (طهر الغاية يبرر رجس الوسيلة).

يحاجج الإسلامي الدكتور إبراهيم الصديق، إن تحالفات الحركة ذات بعد مرجعي من حيث منطلقات الحركة ذات الطبيعة الدعوية وهي في بدايتها تتمثل سيرة السلف الصالح في تطورها، فالحركة قبلت المسلم وغير المسلم لمصلحة غالبة وتحقيقا لوحدة المجتمع، وهي نظرة سودانية لا تتسق مع توجهات الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي.

 

اقرأ أيضا: إسلاميو السودان.. قصة النشأة والمعارضة والحكم (1من3)