كتب

نهاية إسلاميي المغرب: خلاصات بحثية أم رسائل فرنسية؟ 2من2

المغرب فرنسا تقرير

انتهى ملف مجلة "جون أفريك" الفرنسية عن حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي نّشر مطلع هذا الأسبوع، في تقييمه للإصلاحات التي قام بها العدالة والتنمية في السنوات السبع التي قام فيها بتدبير الشأن الحكومي، انتهى إلى أنها كانت "سنوات عجافا بلا شيء"، وأن حزب العدالة والتنمية لم يخرج من مرحلة التعلم، وأن تنامي التعبيرات الاحتجاجية يدل على ضعف السياسات الاجتماعية، كما يدل على محدودية رؤية الإسلاميين لهذا المجال، وأنه في الوقت الذي كانت تحتاج فيه الدولة لوضع الإصلاحات الكبرى على الطريق الصحيح، كانت حكومات العدالة والتنمية (حكومة بنكيران ألأولى والثانية، ثم حكومة سعد الدين العثماني) غارقة في تدبير الأزمات والتوترات سواء داخل حزب العدالة والتنمية أو داخل التحالف الحكومي.

الملك مصدر الثقة ومسؤولة الفشل للإسلاميين 

ويعرض الملف لمعضلة مركزية في فكر العدالة والتنمية، كونه يعيش في واقع سياسي معقد، يتمتع فيه الملك بمسؤوليتين، سياسية (ملك البلاد هو رئيس الدولة) ودينية (أمير المؤمنين)، وأن هذا الوضع المعقد فرض على حزب العدالة والتنمية التأرجح في دينامياته السياسية بين الطاعة وبين مواجهة التحكم أو الاستبداد، وأنه بعد البلوكاج الحكومي الذي أسقط بنكيران، انتهى إلى وضع حزب عادي مثله مثل جميع الأحزاب التي اختارت منذ وقت طويل مهادنة الدولة واتباع تعليمات الملك.
 
ويختم الملف خلاصاته، بكون مسار الإسلاميين في المغرب انتهى إلى تحمل مسؤولية الفشل في مواجهة تنامي الإحباط، وأن السلطة الوحيدة التي صارت مصدر ثقة، وملاذا للمجتمع هي المؤسسة الملكية، وأن الشماعة التي ستعلق عليها الطبقة الوسطى كل الإخفاقات، خاصة في المجال الاجتماعي، هي العدالة والتنمية. 

 

اقرأ أيضا: "العدالة والتنمية" المغربي.. الإسلام والتدبير ما بعد 2011

في أعطاب المقاربة الفرنسية

لا يختلف الملف من حيث مخرجاته عن الخلاصات التي سبق أن قررها روا أو كيبل، في كتاباتهما، والتي تحاول حشد عدد من الحيثيات، حتى ولو اقتضى الأمر، تجريدها من سياقها السياسي، والقفز على عدد من الفروق والتمايزات، فقط للاستجابة إلى الضغط الذي يشكله مزاج صناع القرار الفرنسي.

ولذلك وقع الملف في عدد من الاختلالات المنهجية نحاول أن نركز فيها على عطبين مركزيين اثنين:

1 ـ الدولة انتهت إلى تبني سياسات الإسلاميين الاجتماعية: إن الزعم بخلو وفاض الإسلاميين المغاربة من الرؤية الاجتماعية ومن السياسات الاجتماعية، يتناقض مع المآل الذي انتهت إليه رؤية الدولة الإستراتيجية للقضية الاجتماعية، فالدولة المغربية التي لم يتجرأ ملف العدد على نقدها أو التعريض بتجربتها وكفاءة أطرها انتهت في خطاباتها الرسمية إلى إظهار رؤية الإسلاميين للمسألة الاجتماعية، وتبنت بشكل رسمي كل البرامج التي أنتجها الإسلاميون، بل  تبنت رؤية بنكيران وسياساته الاجتماعية بعد أن كانت عدد من الجهات تقاومها باعتبارات سياسية وانتخابية. 

وقد لاحظ عدد من المراقبين انعطافة الدولة لتبني هذه الخيارات جملة واحدة بعد  تنامي التعبيرات الاحتجاجية، في الوقت التي ظهرت مؤشرات كثيرة على ممانعة مؤثرين في صناعة القرار لهذه السياسات، مما يؤشر على أن المشكلة لا ترجع إلى فشل الإسلاميين، بقدر ما ترتبط بشروط السياسة، والخوف من التمكين لهذه البرامج لما يمكن أن يترتب عنها من تنامي شعبية الإسلاميين ووزنهم الانتخابي، وفي هذا السياق يمكن أن نقرأ أسباب  ممانعة المعارضة السياسية وحتى المؤسساتية وبعض الحلفاء الحكوميين المقربين لدواليب الإدارة لهذه المشاريع، ثم تلبيتهم لنداء الدولة بعد تنامي الاحتجاجات.

2 ـ تجربة بنكيران الإصلاحية محط بصم دولي وشعبي: أما العطب الثاني فيتعلق بإلحاق تجربة بنكيران بتجربة سعد الدين العثماني، ومحاولة وضع سبع سنين في سلة واحدة، دون تسجيل المفارقات الضرورية بين التجربتين، اللتين اختلفتا باعتبار شروط السياسة، وصيغة الممارسة والتدافع السياسي، والرؤية والإصلاحات.
 
فإذا كان سياق السياسة بعد انتخابات السابع من تشرين أول (أكتوبر)، انتهى بالعثماني إلى الرضوخ للشروط التي قاومها بنكيران، وألزمه "الإكراه" بقبول تحالف من ستة أحزاب، فإن تجربة بنكيران المحكومة بخط آخر، كانت مختلفة عن تجربة العثماني.

فمن جهة النشأة، فقد تشكلت حكومة بنكيران في سياق حراك اجتماعي، ورؤية قدمها الحزب للخروج من الأزمة، وتفاعل للقصر معها، ولذلك تشكلت حكومة بنكيران في شروط التراضي والتوافق، بخلاف حكومة سعد الدين العثماني التي تشكلت في سياق الإكراه، إذ فرضت عليه الشروط التي قاومها بنكيران وكانت سببا في إعفائه، وقبلها سعد الدين العثماني، وأصبحت حكومته مرتهنة لملابسات النشأة، ولواقع الإكراه، مما جعل أداءها في الكامل مرتهنا للحظة التشكيل وسياق السياسة الذي فرضته بعدها.

أما من جهة الإصلاحات، فقد قامت حكومة بنكيران بإصلاحات جوهرية، أنقذت مالية الدولة، وأعادت التوازنات الاقتصادية والمالية، وتبنت إصلاحات كبرى صارت محط تثمين من قبل مختلف التقارير والمؤسسات الدولية، بل عبرت محطتان انتخابيتان، الجماعة سنة 2015 والتشريعية سنة 2016، عن فاعليتها نجاعتها، ما دام حزب العدالة والتنمية تصدر هذه الانتخابات، وحقق تقدما كبيرا. ونال بصمة القواعد الناخبة ورضاها عن تجربته.
 
أما من حيث الأسلوب والصيغة، فقد كانت تجربة بنكيران في عمومها مؤطرة بصيغة ذكية، تجمع بين مقاومة ضغوط الحلفاء، وبين تعزيز الثقة مع الملكية، وتجمع أيضا بين طمأنة النخب والاستمرار في تبني خط الإصلاح وتجديد التعاقد المجتمعي، وهي الصيغة التي ترجمتها بوضوح نتائج محطتين انتخابيتين.

هذه المفارقة الدالة، تجعل من إلحاق تجربة بنكيران الحكومية بتجربة العثماني، خيارا غير بحثي، أو هو أشبه ما يكون باستجابة لمتطلبات ضغط المزاج الفرنسي أكثر منها توصي دقيق لمسار تجربة الإسلاميين المغاربة.

 

اقرأ أيضا: نهاية إسلاميي المغرب: خلاصات بحثية أم رسائل فرنسية؟ 1من2