مقالات مختارة

النفط والدم!

1300x600

أكدت حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي العلاقة القوية بين أنهار الدم الجارية في كل بلدان العالم، وتحكّم أسعار النفط في اقتصاد وسياسة بلدان العالم، وأكدت بأن الحرية والديمقراطية والقانون هي كلمات لاستهلاك اللعاب والحبر فقط.

الرئيس دونالد ترامب، لم يختلف عن كل رؤساء أمريكا الذين وضعوا المال فوق كل القِيم الإنسانية، فلا هو اتَّهم أمير السعودية الشاب ولا هو أدانه صراحة، ولا هو صمت واعتبر الأمر شأنا لا يعنيه أوترك التحقيق التركي يأخذ مساره.


لقد فضّلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل، أن تقف مع مصلحتها في كل صراع بين طرفين متحاربين، حتى ولو كان الباطل مع من وقفت إلى جانبه وضخَّت له المال والسلاح، ففي الحرب الإيرانية العراقية التي أحرقت الخليج في سنة 1980، أحسّت بأن النفط الإيراني قد ضاع من يديها، فساندت صدام حسين وقادت حلفا خليجيا ساعده على إنهاك جاره الفارسي، فسالت أنهارٌ من دماء العراقيين والإيرانيين وتحوّلت فيها أنهارٌ من النفط إلى حسابات الأمريكيين الذين تغيّر موقفهم من “صديقهم” صدام حسين، بمجرد أن شنّ حربا على الكويت، فدفع هو وشعبُه وتاريخ العراق، الثمن دماء مقابل آبار نفط استفاد منها الاقتصاد الأمريكي، الذي انتعش في كل “ثورات الربيع العربي”، وزاد انتعاشه مع حلول ترامب الذي أعلنها دولة مالية لا تهمها أن تجري الدماء من تحت الشعوب، مادام النفط يجري من تحته.


في قضية مقتل خاشقجي، تشابه رأي الرئيس الأمريكي بالبورصة التي تصعد تارة وتنزل أخرى، وبدا الرئيس مثل سعر الدولار أو برميل النفط الذي يأخذ منحنيات تصاعدية وتنازلية مجنونة، لا أحد بإمكانه التكهّن بتموّجها، فاستغل الرجل وجود أطراف فاعلة في الخليج والشرق الأوسط على صلة بالجريمة، فاستعملها اقتصاديا، فنسف اتفاق الجزائر الذي عملت لأجله دول الأوبيب لمدة أربع سنوات، فانهار سعر النفط من ثمانين إلى خمس وستين دولارا، من دون نظريات اقتصادية حول كميات التخزين ومعادلة العرض والطلب، وإنما بمناورات ترامب الكلامية، بدليل أنه شكر السعودية، التي أدت – حسبه- دورا رئيسا في تخفيض أسعار النفط، من دون أن يشرح للعالم سبب إقدام بلد نفطي على تخفيض سعر سلعته الأساسية وربما الوحيدة!


لقد استغلت الولايات المتحدة منذ قرابة نصف قرن كل قطرات الدم التي سالت في البلدان البترولية، لأجل ربح معركة النفط الذي حوَّلها إلى القوة الأولى وربما الوحيدة في العالم، فكل الاغتيالات التي طالت زعماء المنطقة بدءا بالملك فيصل سنة 1975 إلى أنور السادات ومرورا بصدام حسين ومعمر القذافي، ووصولا إلى علي عبد الله صالح سنة 2017، اختلطت الدماء فيها بالنفط، وتدخلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، إما طرفا في الحادثة أو مستفيدا أوّلا من تداعياتها، وهي في الغالب كاتبة للسيناريو وقاض يمنح البراءة لمن يشاء ويرمي التهمة على من يشاء!

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية