قضايا وآراء

هذا زمن المشروعات لا زمن التيارات

1300x600
أغنية الانتماء للتيارات الفكرية، التي طاب لجموع غفيرة من الناس التغني بها في حقبة السبعينيات والثمانينيات مِن القرن الماضي، باتت جزءا من منظومة الأمس التي يجب على كل عاقل في زمن النهضة أن يعيد قراءة موقفه منها، والوقوف على جوانب إخفاقاته ونجاحاته التي تحصل عليها، لينتقل إلى زماننا هذا بشكل عقلاني يتيح له أن يحيا في عالم الاستنزاف الشامل.

مع تغول الدول الكبرى، ووصول الأساطيل البحرية إلى شواطئنا الممتدة طولا وعرضا، ومع ما سبق هذه الأساطيل من حالة الارتهان للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والشركات العابرة للقارات، وإذا أضفنا بيئة الاستبداد السياسي والفكري كعامل إضافي لما تم ذكره، فنحن بكل تأكيد أمام عالم جديد غير عالم السبعينيات والثمانينيات، وعلينا أن نعيش هذا الزمان بروحه لا بروح الماضي.

من الواضح أن النوازل والنزاعات والثورات والأحداث الاقتصادية، والزلزلة الفكرية التي عاشتها شعوبنا خلال العقد الأخير ،قد أوجدت لدى الشباب العربي عموما حالة من عدم الثقة والنفور والتخوف والبعد عن مفاهيم العمل الحزبي والسياسي. فقد شكلت الأمواج الضاربة ضغطا على شباب غير مؤهل لتحمل مثل هذه الضغوط العالية والمركّزة. وبالمحصلة النهائية، تشكلت حالة من الرفض لمنهجيات كثير مِن التيارات السياسية التقليدية وأشكال تعاطيها مع الأحداث الصعبة والمتدحرجة والمتعاظمة، وهذه الحالة من الرفض الشعبي رصدتها لغاية اليوم عشرات مراكز الدراسات والبحوث الغربية والعربية على حد سواء.

من هنا، اخترت إرسال رسالة إلى كل الغيورين على مصلحة بلادهم وشعوبهم، وإلى النخب والرواحل في هذا الزمن القاسي، بأن هذا زمن المشروعات والبرامج، وليس موسم السياسة الكلاسيكية.. هذا زمن النجاح الفردي والمؤسسي والجماعي من خلال اعتماد المشروعات الكبيرة والناجحة والقابلة للحياة، لتكون بارقة أمل وميدان عمل لجيل باتت العوامل المحبطة تنهش عقله وجسده.

عن أي نمط من المشروعات أتحدث هنا؟ بالتأكيد ليست تلك التي تتصل بالتنمية الصغيرة الفردية، ولا بالتكوين المتناهي في الصغر، بل عن تلك البرامج التنموية المجتمعية التي تشكل بواعث الأمل في كل بيئة، وتتعامل مع متطلباتها بكل عقلانية وموضوعية، بعيدا عن الخيال والتخوين والتهويل والتهوين والتجاذبات السياسية والحزبية والمناطقية، ونحوها.

إن كل حالة نجاح لشعب من شعوب هذه المعمورة التصقت بالنخب الشبابية المبدعة والنخب الحقيقية الواعية فيه، مهما قل عددها، فعليها تقع مسؤولية إطلاق الشرارة، التي تعدّ مرحلة الانطلاق التجديدي في جسد هذا الشعب، والتي من خلالها تعمم روح التفاؤل والأمل كمقدمة لحالة التوجه للبذل والعمل.