قضايا وآراء

طاجيكستان... هل الحوار بين الحكومة والمعارضة قادم؟

1300x600
مرت ثلاث سنوات كاملة منذ حظر حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان. ففي أيلول/ سبتمبر 2015، وصفت حكومة إمام علي رحمان شريكه في مفاوضات السلام عام 1997 بأنها جماعة إرهابية، واعتقلت قادة الحزب، واعتبرت جميع أنشطته مخالفة للقانون.

ولتشويه صورة النهضة، قامت حكومة دوشنبه بتسخير كل إمكانيات الدولة، وتركيز الهجوم على محاور ثلاثة.. أولاً: ربط النهضة الإرهاب بكل جوانبه، سواء في عالم الفكر أو الممارسة أو المواقف. ثانياً: اتهام النهضة بنشر المذهب الشيعي في طاجيكستان، وبالعلاقة الوثيقة مع إيران ونظام ولاية الفقيه. ثالثا إنشاء بديل ديني رسمي يمكن أن يشكك في الشرعية الإسلامية لحزب النهضة بين الشعب الطاجيكي، مع العمل في الوقت نفسه على ترويج نسخة "الإسلام الطاجيكي" الحكومي.

وتستنكر النهضة جميع التهم المنسوبة ضدها، وتصر على موقفها من النضال السلمي في ضوء قوانين جمهورية طاجيكستان وبنود اتفاقية السلام. وقد انعكس هذا الموقف من النهضة مرارا وتكرارا في مختلف المنصات، سواء في بداية التوترات مع الحكومة أو على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وخلال هذه السنوات الثلاث، رمت حكومة الرئيس إمام علي رحمان، وبدون توقف، كل سهامها صوب النهضة. أما النهضة، ودون رد فعل عنيف، فقامت ببذل الجهود للدفاع عن قضيتها العادلة، وذلك بتحركات سياسية وموارد مادية محدودة في بيئة الهجرة في روسيا وأوروبا. ولكن في الأيام الماضية، أثارت سلسلة من الأحداث المثيرة للجدل تساؤلات حول إمكانية وجود ضوء أخضر من دوشنبه لقبول حزب النهضة من جديد.

ما هي القضية؟

في شهر آب/ أغسطس الماضي، شهدت طاجيكستان إطلاق سراح خير الله ميرسيدوف، وهو صحفي طاجيكي معروف، كما خرج من السجن أيضا محامي دفاع مستقل ومشهور، وهو شهرت قدرتوف. وفي هذا الشهر أيضاً، أصدرت الحكومة تصريحاً بالسفر إلى الخارج للطفل حمزة، وهو حفيد قيادي في الحزب يعاني من المرض، وكذلك سمح بالسفر لابنة وأم شبنم خودايدادوفا، إحدى الناشطات الحقوقيات الطاجيكيات، والتي تعيش خارج البلاد. وفي الشهر نفسه كان هناك حديث من بعض الدوائر عن استعداد الحكومة الطاجيكية للعفو عن 183 سجينا سياسيا. وقد شهدت هذه الأحداث بوادر تغيير في السياسات القمعية لنظام الرئيس إمام علي رحمان.

وفي غضون ذلك، شهد شهر أيلول/ سبتمبر حدثين مهمين مرتبطين بطاجيكستان. أحدهما، تشكيل الوفاق الوطني الطاجيكي، كأول ائتلاف شامل بين جماعات المعارضة للحكومة الطاجيكية في مدينة وارسو، والتي يترأسها السيد محيي الدين كبيري، زعيم النهضة الإسلامية في طاجيكستان. ويمكن اعتبار هذا الوفاق كخطوة تكتيكية للضغط على الحكومة، ولإيجاد أرضية جديدة للتعاون بين المعارضة الطاجيكية في الخارج، بكل طوائفها.

ثانيهما، مشاركة الحكومة الطاجيكية في الاجتماع السنوي لحقوق الإنسان لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في وارسو، وذلك بعد عامين من عدم المشاركة، كإشارة للاحتجاج على تصرفات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تجاه طاجيكستان. وهذه المرة شاركت الحكومة الطاجيكية مع فريق أوسع وأكثر تنوعا.

أثار اجتماع الحدثين المتناقضين أسئلة أخرى تتعلق باحتمال إجراء محادثات بين الحكومة الطاجيكية والمعارضة. وقد تحدث سيف الله سافوروف، نائب رئيس مركز البحوث الاستراتيجية التابعة للرئاسة الطاجيكية، والذي يقود فريق الحكومة في الاجتماع مع السيد محيي الدين كبيري، زعيم الوفاق الوطني الطاجيكي وزعيم النهضة الإسلامية، في لقاء محدود، عن استعداد الحكومة الطاجيكية للتفاوض مع المعارضة داخل طاجيكستان. كما تحدث سيف الله سافوروف عن إعادة النظر في قضية السجناء السياسيين وامكانية إطلاق سراح بعضهم، بمن فيهم بعض قياديي النهضة.

وفي غضون ذلك، شهدت مدينة وارسو ممارسة عنفية من قبل فريق الحكومة الطاجيكية، حيث هاجم أحدهم خارج مكان الاجتماع أحد النشطاء المعارضة، والذي كان يوزع المنشورات. وقد غادر فريق الحكومة الجلسة متوجها إلى دوشنبه، وبدأت وسائل الإعلام في انتقاد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والجماعات المعارضة للحكومة بنفس الأساليب القديمة.

أسئلة محيرة

الخطوات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السيد رحمان يمكن أن تكون أكثر ارتباطاً بالضغوط من المنظمات الدولية وبعض الدول الغربية لإطلاق سراح السجناء السياسيين. ومن جانب آخر، يمكن أن تكون مرتبطة بحاجة الحكومة إلى تزيين صورتها للحصول على المساعدات الدولية لمعالجة الوضع الاقتصادي للبلاد. ولعل الفضاء السياسي شبه المنفتح في أوزبكستان المجاورة، بعد رحيل إسلام كريموف هو أيضا أحد الدوافع وراء تسوية دوشنبه مع المعارضة، كما لا يستبعد أن السبب هو انعدام الأمن في شمال أفغانستان وتقدم طالبان على الحدود مع طاجيكستان. ولعل لجميع هذه العوامل دورا في التفكير الإيجابي لدوشنبه في ما يتعلق بخيار التوافق.

وبين تلك الآمال وحسن الظن، هناك موجة أخرى من المخاوف وخبية الأمل الناجمة عن رد فعل عنيف لفريق الحكومة في وارسو، ومن ثم الدعاية الإعلامية ضد المعارضة، ما يطرح تساؤلات كثيرة، مثل: هل كان أسلوب الحكومة يهدف لخلق نوع من الانقسام بين جماعات المعارضة؟ وهل يكون عدم نجاحها في ذلك أدى إلى إعادة حساباتها؟ أو أن هذه الازدواجية تشير في الواقع إلى الانقسام داخل أجهزة الدولة؛ فريق معتدل يريد أن تعيد الحكومة جميع المعارضة إلى البلاد وأن تبقيها في جسد الدولة، وذلك بأي شكل، كي لا تعطي الفرصة لقوى خارجية في استخدام المعارضة ضد مصالح الوطن، وفريق آخر هو تيار راديكالي يرفض أي تسامح مع المعارضة؟

والحقيقة هي أن الكرة الآن في ملعب دوشنبه، وأن حكومة رحمان هي التي ينبغي أن تقرر كي لا تكون طاجيكستان ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية بين إيران والسعودية. ومن أجل تعزيز الحرية والاستقلال والازدهار في البلاد، عليه أن يفتح باب الحوار والمفاوضة مع جميع المعارضين السياسيين. وكأول خطوة للتحرك في هذا الاتجاه، هناك شروط أساسية؛ أكدها رئيس الحزب محيي الدين كبيري، وهي رفع تهم الإرهاب من جانب الحكومة، والإفراج عن السجناء السياسيين، وإيجاد ظروف آمنة للحوار.

كما أن الطاجيك تمكنوا من إيقاف الحرب الأهلية في عام 1997، وذلك بإبرام معاهدة السلام، فإنهم سيتمكنون الآن من رفع سقف الحرية والديمقراطية في بلادهم. وهذا من الأمور التي تظن المعارضة والبعض في دوشنبه أنها من الممكن تصديقها.

facebook.com/mutiullah.tayeb