قضايا وآراء

مفاوضات التهدئة.. اضطرار لتجاوز حصار إسرائيل ومصر وعباس

1300x600
ليس دفاعا عن حماس أو التهدئة في مجملها، ولكن ما يجري التفاوض عليه بين إسرائيل وحماس عبر الوساطة المصرية يشكل خيار المضطر لتجنب تداعيات الحصار الثلاثي الذي تشترك فيه إسرائيل ومصر وسلطة عباس. فهو لم ولن يكون نهاية الصراع مع إسرائيل، وهو ليس صفقة من أي نوع حسب اتهامات عباس وبعض الفصائل المتمركزة في سوريا (القيادة العامة)، والتي تريد تشويه المقاومة الفلسطينية التي خرجت من سوريا حتى لا تكون شاهد زور على مذابح عصابة الأسد ضد شعبه!

قاومت حماس العدو بكل الأسلحة المتاحة، وكان آخرها المسيرات الجماهيرية نحو الحدود، والتي رغم خسائرها نجحت في نقل المعركة إلى عقر دار العدو في المستوطنات قرب غزة، ودفعته للتفكير في حل يحمي المستوطنين، ويوقف هجمات حماس بالبالونات الحارقة، مقابل تقديم بعض الالتزامات والتراجع عن مواقف تقليدية سابقة، ومنها أن الحصار سيؤدي إلى تثوير الشعب ضد حماس، وهو ما لم يحدث. فعادت إسرائيل مرغمة للقبول بتخفيف الحصار وتقديم حوافز اقتصادية لغزة من قبل المجتمع الدولي، والدفع باتجاه إنجاز صفقة تبادل للأسرى مع حماس تحفظ ماء وجهها أمام جمهورها.

ورغم أن أمريكا وإسرائيل تريدان تطوير هذه التفاهمات لتمرير جزء من صفقة القرن في غزة، وهو أمر لا يتم بدون موافقة حماس وتسهيلها للأمر، فإن الأخيرة أظهرت التزاما وطنيا ولم تتساوق مع الصفقة، ولا هي تريد إنشاء دولة خاصة بها في غزة كما تزعم سلطة عباس. ولذلك، فإن ما يجرى هو محاولة الوصول لتفاهمات مع العدو تخرج قطاع غزة من أزمته الإنسانية التي تفاقمت بالعقوبات التي فرضها عباس من قطع لرواتب الموظفين، وعدم تغطية مصاريف وقود الكهرباء لغزة...

هذه التفاهمات جاءت بمعزل عن سلطة عباس التي رفضت المصالحة ووضعت العراقيل في وجهها، وأصرت على نزع سلاح المقاومة خدمة للعدو. ومن هنا يمكن الزعم بكذب ادعاءات عباس بأنه يعارض صفقة القرن، فلو كان صادقا لأنجز المصالحة التي تصون الوحدة الفلسطينية وتحافظ على ثوابت الشعب، خصوصا بعد أن تخلت حماس عن غزة، ولتوقف عن ملاحقة المقاومة والتنسيق الأمني مع الاحتلال!!!

وحتى الآن، لا زالت إسرائيل ترغب بأن تتم التفاهمات ضمن سيطرة عباس على غزة وليس حماس، ولكنها مستعجلة لها حتى لو اضطرت لتجاوز عباس.

ولأن التفاهمات سترفع من شأن حماس وتقدمها فلسطينيا وعربيا، فقد عارضها عباس وتوعد بمزيد من العقوبات على غزة، ولأنها ستضعضع أركان سلطته التي قامت وفق ما تريده إسرائيل، وشبت على التنسيق الأمني الذي أضعف المقاومة في الضفة، فإن عباس يتخوف من أن تنتقل عدوى قوة حماس في غزة إليه وتجعل الشعب تواقا للحرية ليس من الاحتلال فقط ولكن من سلطته العميلة!!!

وقد جاء الانعقاد الهزيل لمركزي عباس بمقاطعة معظم الفصائل الفلسطينية ليدلل على العزلة الداخلية التي يعيشها هذا الرجل، والتي تجعل إسرائيل وأمريكا لا تقيمان له وزنا، وتتجهان نحو حماس القوية لإنجاز التفاهمات معها!!!

تفاهمات الهدنة (كما يحلو للعدو أن يسميها مخافة أن تحسب أنها هزيمة له أمام المقاومة)، لم تكن إلا امتدادا لتفاهمات 2014 التي أنهت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة آنذاك، وهي كذلك ليست بدعا من تفاهمات سابقة في أجواء عربية وإقليمية تحارب حماس، وتسعى للقضاء على آخر نفس للمقاومة في الأمة. فالتفاهمات ليست هزيمة، ولكنها قد تكون استعداد لجولة جديدة من المواجهة تكون فيها ظروف الشعب والأمة أحسن من الظروف الحالية. فهذه التفاهمات لن توقف المقاومة ولن تعرقلها في غزة والضفة، بل قد تعززها وتقويها إذا ما أحسن استغلالها.

ويفترض أن تدفع هذه التفاهمات الداخل الفلسطيني لاستجماع عناصر قوته، والسعي من جديد لمصالحة حقيقية تحافظ بالأساس على المقاومة، وتتخلص من التنسيق الأمني مع العدو، وتؤدي إلى صياغة برنامج وطني فلسطيني قائم على المقاومة والتعددية.

أما من يحدد أن تكون التفاهمات التي يجري التفاوض عليها ضمن صفقة العصر أو لا، فليس الاتهامات الموتورة من البعض، ولكن الموقف الفلسطيني الملتزم بثوابته ومقاومته، حيث أثبتت اجتماعات القاهرة أنه واع للمؤامرات من حوله، وأن حماس لن تكون جسرا تمر من فوقه أو تحته هذه الصفقة.