قضايا وآراء

أزمة الليرة وبلاد اليورو!

1300x600
لعل المتتبع لتغطية بعض وسائل الإعلام الألمانية؛ سيلحظ حجم الشماتة في عديد الصحف لأزمة الليرة التي تعصف بالاقتصاد التركي بعد تراجعها لمستوى غير مسبوق، وخسارتها لنحو خمس قيمتها عقب الأزمة مع الولايات المتحدة وفرض ترامب عقوبات اقتصادية جديدة؛ بذريعة استمرار احتجاز القس الأمريكي برونسون.

فقد واصلت بعض الصحف الألمانية حملتها الشعواء على أنقرة؛ ركزت فيها على النيل من "السلطان" أردوغان و"صهره" وزير المالية والخزانة في الحكومة التركية، بيراءت ألبيرق، مرجعة أسباب الأزمة إلى سياسات المسؤولين الاقتصادية "الفجة".

"السلطان أفلس".. تحت هذا العنوان جاء عنوان مقالة نشرتها صحيفة "هانوفرشه ألغيماينه تسايتونغ"، تعليقا على أزمة الليرة التركية، جاء في بعص تفاصيلها أن "أردوغان يشهد حاليا خسائر كارثية في مجاله المفضل، وهو الاقتصاد، حيث أن الليرة تسقط بشكل سريع. وعزز النظام الرئاسي الجديد هذا الوضع البائس، ولم يبق في أنقرة من يمكنه أن يراقب سياسات أردوغان بصورة فاعلة؛ وأن يتدخل عند الضرورة ويشكل توازنا، كما تظهر ذلك الإرشادات غير المدروسة من قبل رئيس الدولة للبنك المركزي".

وتابعت الصحيفة: "وحتى في ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي وألمانيا، على أردوغان أن يعيد النظر في توجهاته، فلا يمكن لتركيا أن تأمل في مساعدة، إلا إذا قررت أخيرا احترام قواعد اللعبة وإدراك الحقائق والاعتراف بها، وأبرزها أن: السلطان قد أفلس".

 صحيفة ذي فيلت هي الأخرى كتبت في مقالة لها تحت عنوان "أردوغان يقاتل على جبهات عدة"، جاء فيها: "من الواضح أن البلاد تتعثر نحو الهاوية، لذلك لم يكن أمام أردوغان من خيار سوى التمسك بالله للدفاع عن سياسته الاقتصادية الفجة، التي ترفض بعناد رفع أسعار الفائدة".

أما صحيفة بيلد، فعنونت مقالة لها "أردوغان يحتدم ضد الإرهابيين الاقتصاديين"، تحدثت فيها عن نية حكومته معاقبة الناس بسبب تعليقاتهم السلبية على الأزمة الاقتصادية.

ومع هذا الغيض من الفيض من حديث بعض وسائل الإعلام الألمانية التي لطالما تستل سهامها ضد تركيا عامة، وزعيمها رجب طيب أردوغان خاصة، إلا أن من يدقق في التصريحات الألمانية الرسمية يراها مختلفة تماما، فهي قلقة جراء هذه الأزمة، بل وقالت بصراحة إن تركيا مزدهرة اقتصاديا هي مصلحة لألمانيا وأوروبا.

ولعل تصريح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بأن بلادها تريد أن ترى اقتصادا تركيا مزدهرا، وأنه لا أحد يريد عدم استقرار الاقتصاد في بلاد الأناضول؛ يؤكد هذا التوجه.

سبق ذلك تصريح وزير الاقتصاد والطاقة الألماني بيتر ألتماير، في حوار مع صحيفة "بيلت أم زونتاغ"، بأن تركيا تعني بالنسبة لأوروبا "الأمن والموثوقية"، وأن بلاده تعمل مع أنقرة بشكل عظيم، وترغب بتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، وهو ما لاقى استحسان المسؤولين الأتراك.

البنوك الأوروبية ليست بعيدة عن نار الأزمة في أنقرة، فهي الأخرى قلقة على قروضها لتركيا والتي تبلغ قيمتها 150 مليار دولار، بينها 13 مليارا منها لألمانيا.

ما يعزز ما سبق؛ تعبير البنك المركزي الأوروبي، والذي لديه العمليات الأكبر لثلاثة من بنوكه في الأراضي التركية، عن قلقه المتزايد بشأن انكشاف بنوك منطقة اليورو على تركيا، مما دفع أسهم بنوك للهبوط في الوقت الذي بلغت فيه الليرة مستوى قياسيا منخفضا جديدا مقابل الدولار الأمريكي، بحسب صحيفة فايننشال تايمز.

وعلى إثر تلك المخاوف الأوروبية، تضرر اليورو بعد هبوطه إلى أدنى مستوى له في أكثر من عام أمام الدولار الأمريكي، بنسبة 1.15 في المئة.

وتعد تركيا بلدا مهما استراتيجيا لجيرانها الأوروبيين عموما، وللألمان خصوصا، لا سيما وأن بين أنقرة والعواصم الأوروبية عدة مصالح مشتركة، فهي من أكبر الشركاء التجاريين، ولديها اتفاقية اللاجئين معها، والتي تمنع أكثر القضايا سخونة داخل القارة من التفاقم، وكذلك عضوية حلف الناتو، علاوة إلى تعاونهم معها بمكافحة قضية الإرهاب.

وقد لوحظ في الفترة الأخيرة الخلاف الواضح بين الحلفاء الأمريكيين ونظرائهم الأوروبيين، منذ تولي ترامب رئاسة بلاده وحتى اللحظة، فنيران ترامب الاقتصادية، لم تستثن الأوربيين إلى جانب الأتراك والروس والصينيين وغيرهم، هذا بخلاف القضايا الخلافية الأخرى حول المناخ والهجرة والاتفاق النووي مع إيران والقضية الفلسطينية.

خلاصة الكلام أن السياسات الحقيقية الأوروبية تؤخذ على لسان المسؤولين أو الناطقين، وليس عبر ماكينات دعاية بعض وسائل الإعلام، لا سيما تلك الصحف الصفراء التي لا تخدم السياسات الألمانية، وخصوصا الخارجية منها، وعلى وجه التحديد تركيا.

المؤكد أن الأوربيين منحازون لمصالحهم دوما، وهنا مصلحتهم مع دولة على حدود قارتهم لهم معها اتفاقات مصيرية ومصالح مشتركة، وليس مع رئيس لدولة تقع بلاده بعيدا حيث الناحية الأخرى من المحيط الأطلسي، وله سياسات اقتصادية عدوانية تجاه أوروبا كما الحال مع تركيا.