ملفات وتقارير

سلطنة عمان.. دبلوماسية تشق طريقها وسط منطقة ملتهبة

عمان تقود وساطة جديدة بين إيران وواشنطن على خلفية انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي- جيتي

دأبت سلطنة عمان على النأي بنفسها عن الصراعات والتجاذبات الناشبة بين دول المنطقة، خاصة الخليجية، وانتهجت بذلك نهج الحياد الإيجابي القائم على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، الأمر الذي أهلها لتأدية دور وساطة ناجحة ومهمة في حل خلافات ومشاكل سياسية عدة، وتمكنت بفعل دبلوماسيتها من إبعاد شبح الحلول العسكرية عن المنطقة. بحسب محللين.


وفي آخر جهودها للوساطة بين وطهران وواشنطن على خلفية انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي، كشفت مصادر إعلامية إسرائيلية أن لقاء مرتقبا سيجري بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الإيراني حسن روحاني بترتيب عماني.


وقال كشف موقع "ديبكا" الأمني الإسرائيلي أن ترامب، يستعد للقاء روحاني، رغم رفض طهران لدعوته واستعداده للقاء القادة الإيرانيين، مؤكدا بأن مباحثات سرية بدأت بين البلدين منذ حزيران/ يونيو الماضي بوساطة عمانية.


وأوضح الموقع أن كل من وزير الخارجية العُماني، يوسف بن علوي بن عبد الله، كان يطير لطهران في رحلات مكوكية، وكذلك وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي كان يحل ضيفا على مسقط، غير مرة. وهما من أدار مباحثات الاتفاق النووي الإيراني، في الفترة من 2012- 2015.

وتوسطت عمان على مدار سنوات مضت لحل خلافات ومشكلات عديدة منها إقليمية ودولية، وأخرى خليجية داخلية نذكر بعضها على النحو التالي:


في الـ30 من أيار/ مايو 2017 قال مسؤول بالحكومة اليمنية، إن سلطنة عمان تتوسط بين الرئيس عبد ربه منصور هادي وخصومه الحوثيين، فيما يتعلق بخطة للأمم المتحدة لاستئناف محادثات السلام، حيث زار وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي في مسقط بناء على دعوة من عمان لبحث سبل تضييق هوة الخلافات مع الحوثيين، الذين يسيطرون على صنعاء مع حلفائهم، والتمهيد لخطط أممية لإنهاء الصراع.

ولم تغب السلطنة عن الأزمة الخليجية، فقد كانت هناك جهود عُمانية لدعم الوساطة الكويتية لحسم الخلافات السعودية مع قطر، التي بلغت أوجهها خلال العام 2014 بعد سحب سفراء الرياض وأبوظبي والمنامة من الدوحة على مدى ثمانية أشهر.


وتجددت هذه الوساطة وفي الاتجاه نفسه لرأب الصدع وجسر الهوة بين دول الحصار وقطر، على إثر تجدد الأزمة ووصولها إلى مراحل مقلقة العام الماضي.

ومطلع العام الجاري كشف القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي" العام اليمني صالح أبو عوجاء عن جهود تبذلها سلطنة عُمان، للإفراج عن أفراد من أسرة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، معتقلين لدى جماعة "أنصار الله" (الحوثيين).، وقدم عوجاء شكره للسلطنة على جهودها المبذولة.

وفي كانون الأول/ أكتوبر عام 2016 أطلق سراح أمريكيين اثنين كانا محتجزين في اليمن إثر وساطة لسلطنة عمان، حيث جرى نقلهما إلى مسقط في طائرة تابعة لسلاح الجو العماني بغرض إعادتهما إلى بلدهما، بحسب ما أعلنت وكالة الأنباء العمانية الرسمية في حينه.

وفي حزيران/ يوليو 2015 كشف عن وساطة عمانية لإنهاء أزمة طائفية في مدينة غرداية الجزائرية بعد مواجهات طائفية متكررة منذ عام 2008 بين الأمازيغ (الإباضيين) والعرب (المالكيين)، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وتخريب واسع للممتلكات الخاصة. حيث ساعدها في ذلك انتشار المذهب الإباضي في السلطنة.

استضافت عُمان محادثات علنية في 9 كانون الثاني/ نوفمبر 2014، بين الولايات المتحدة وإيران، وهي المباحثات الثلاثية التي ضمت إلى جانب ممثلي البلدين، منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، بهدف إزالة نقاط الخلاف العالقة للوصول إلى اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي أعلن عنه في آذار/ مارس 2015.

برزت استضافة عُمان لاتصالات سرية بين الرياض وطهران، كانت تمهد لمؤتمر "جنيف 2" الخاص بتسوية الأزمة السورية، بعد أن أسهمت طهران في تيسير الحوار بين المتخاصمين وتأمين قناة للتفاوض، لاسيما على خلفية التباين في المواقف.


نجحت الجهود العُمانية في العام 2011 في التوصل إلى اتفاق على إطلاق سراح ثلاثة مواطنين أمريكيين، اعتقلوا في إيران وهم في زيارة لممارسة رياضة التسلق، ودفعت السلطنة كفالة الأمريكيين التي حددت قيمتها بمليون دولار.

ورأى الخبير في الشؤون الإيرانية نبيل العتوم أن سلطنة عمان لها دور مهم في المنطقة، كونها تمارس سياسة الحياد "الإيجابي" دائما، سواء في العلاقات البينة الخليجية أو حتى العلاقات الخليجية الإقليمية خاصة إيران.

وقال العتوم لـ"عربي21"، إن هناك عوامل أمنية واقتصادية وسياسية تساهم في تشكيل السلوك الخارجي لعمان، فهي تلزم الحياد خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بإيران، كونها تتقاسم مضيق هرمز معها، ويحكمها في العلاقة "جبرية جغرافية"، إضافة للعامل المذهبي فهناك تقارب بين المذهب الإباضي في عمان، والاثني عشري في إيران، الأمر الذي جعلها وسيطا فاعلا.


وأشار إلى أن دول الخليج تنظر بإيجابية إلى الأدوار التي تؤديها سلطنة عمان، وهي بحاجة إلى ورقة دائمة موجودة في الإقليم كعامل أو محطة للتعامل مع إيران، وكملطف يمنع تفجر العلاقات بين دول مجلس التعاون وطهران.

 

اقرأ أيضا: إيران تعلق على أنباء "وساطة" مع واشنطن تجريها عُمان

"لكن الدور العماني شهد تغيرا بعد الأزمة الخليجية التي أحدث جفوة وعدم رضا عن مواقف السلطنة خاصة من قبل السعودية والإمارات، ورغم ذلك لا زالت عمان تبقى على خطوطها ممدودة مع الأطراف كافة في الخليج، وتلزم نفسها بالحياد وعدم الاصطفاف". بحسب العتوم.

من جهته قال الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد عز العرب، إن سلطنة عُمان لا تريد أن تكون طرفا في أي صراع في منطقة الخليج، وفي هذا السياق، ظلت وسيطا قادرا على الحوار مع جميع الأطراف، ولا يبني تحالفات مع طرف ضد مصلحة طرف آخر أو على حسابه.


ويرى عز العرب في مقال منشور له اطلعت عليه "عربي21" أن عمان تحولت من حالة العزلة التي كانت تعيشها في السابق، إلى حالة الوساطة لحل الأزمات ويفسر ذلك بالأسباب التالية:

مراجعة مبدئية للسياسة الخارجية العُمانية، فحصيلة سياسة "تصفير المشكلات" التي اتبعتها السلطنة طوال فترة حكم السلطان قابوس بن سعيد جيدة، لاسيما مع تجنب سياسة المحاور وعدم التورط في الصراعات الإقليمية. وهنا، حاولت سلطنة عُمان تحقيق مصالحها الوطنية وفق تصوراتها الداخلية دون الدخول في أي نزاع، ما جعلها مؤهلة للتدخل في بعض المشكلات الداخلية والإقليمية، نظرا لعلاقتها بكل الأطراف المتنازعة.

التخوف من مردودات الفوضى الإقليمية، وهو ما يفسر إبقاء السلطنة بوابة مفتوحة لكل أطراف الصراع، وهو ما يشير إليه جليا الصراع الداخلي اليمني بما يجعلها عقب انتهاء العمليات العسكرية؛ معبرا لأي مفاوضات متوقعة، التي يفترض أن تجمع الأطراف المختلفة، فلا يمكن أن يطلب أي طرف من عُمان التوسط لإنهاء الصراع، إذا كانت ضمن التحالف الموجه من طرف ضد طرف أو أطراف أخرى. 

ولا يعني عدم مشاركة سلطنة عُمان في العمليات العسكرية ضد الحوثيين أنها خارج منظومة دول الخليج، بل قد تكون ضمن مساره، لتؤدي دور "الكارت الأخير" بعد أن تسكت المدافع على الجبهات. وفي هذا السياق، قال مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير، على هامش مؤتمر الدول المانحة لسوريا في الكويت، في نيسان/ أبريل 2015، "أن بلاده تدعم مساعي السلطان قابوس بن سعيد لبداية الحوار بين الأطراف اليمنية". ويدعم من ذلك أن سلطنة عُمان سبق أن حاولت القيام بدور الوساطة بين أطراف الصراع، وخاصة توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد فتح قنوات تواصل بين السعودية والحوثيين.

مجاراة التحولات الانتقالية الإقليمية. فثمة عدم تناسب لسياسة الحياد والعزلة التي اتبعتها السلطنة في فترات تاريخية سابقة مع التفاعلات الإقليمية المتسارعة، وهو ما برز مثلا في حالة اليمن، لاسيما مع الحدود الجغرافية المتلاصقة لعُمان مع اليمن من الجنوب، فالسلطنة هي الدولة الخليجية الثانية بعد السعودية التي تجمعها حدود مباشرة مع اليمن، وهو ما يورطها في حرب مباشرة مع الحوثيين، الأمر الذي لا تريده مسقط، لاسيما أن هناك اتجاها في الأدبيات يشير إلى أن عُمان من المحتمل أن تكون بوابة للتيارات الجهادية المتطرفة، خلال المرحلة المقبلة، بعد انتشار متزايد أنصار الشريعة والقاعدة وداعش في أجزاء ليست قليلة من اليمن.

 

اقرأ أيضا: وثائق مسربة تكشف جهود الإمارات في إخضاع عُمان.. لماذا؟

مقاومة الهيمنة السعودية. فثمة خلافات عُمانية سعودية برزت على السطح، خاصة على خلفية التحول من مجلس التعاون الخليجي إلى الاتحاد الخليجي، وتحاول عُمان إرسال رسائل للمملكة بأنها قوة إقليمية لا يستهان بها

دعم العلاقة الاستراتيجية العُمانية الإيرانية. إن الدور الإقليمي لسلطنة عُمان في منطقة الخليج مرتبطة بعلاقة استراتيجية مع إيران. وقد أوضح وزير الدولة للشؤون الخارجية العُماني يوسف بن علوي في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في 10 كانون الثاني/ نوفمبر 2014، ذلك المعنى بقوله "ليس من المصلحة أن نجتمع نحن العرب في الخليج لمعاداة دولة مثل إيران، لأن المعاداة خسائرها علينا تكون هائلة". واعتبر أن "التنوع في العلاقة مع إيران ربما فيه فائدة للطرفين، ونحن نؤمن بالحوار في علاقاتنا مع الآخرين، والحوار يأتي نتيجة لوجود تباين، وبالتالي يعني هذا أن الحوار يستمر".