ملفات وتقارير

ما أسباب انهيار اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري؟

قضى اتفاق خفض التصعيد في 2017 بوقف كافة الاشتباكات داخل مناطق محددة من بينها الجنوب السوري- جيتي

لم يمض عام واحد على اتفاق خفض التصعيد الذي أعلنته روسيا في أيار/ مايو 2017، حتى بدأت قوات النظام السوري بإسناد من الجيش روسي هجوما كبيرا على مناطق الجنوب السوري، رغم أنها إحدى أربع مناطق آمنة بسوريا بضمان دولي.


وقضى اتفاق خفض التصعيد بوقف كافة الاشتباكات داخل تلك المناطق، وإتاحة المناخ المناسب لوصول المساعدات الإنسانية والطبية وعودة النازحين لمنازلهم وإصلاح البنية التحتية، مع وجود قوات مشتركة من روسيا وتركيا وإيران لحفظ الأمن بالمناطق التي تشملها "خفض التصعيد".


الجنوب السوري كان أحد هذه المناطق الأربع، لكنه سرعان ما خرج منها، حينما بدأت قوات بشار الأسد هجومها قبل أسبوعين، في محاولة للسيطرة على المدن والبلدات في الجنوب وعلى رأسها محافظة درعا، وتواصل قوات النظام قصفها وجهودها للتقدم، وسط نزوح الآلاف من السوريين.

 

الضوء الأخضر


وأمام التطورات الميدانية الأخيرة، يدور تساؤل حول الأسباب الحقيقية لانهيار اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري، ودوافع النظام في مواصلة هجماته في مناطق تعد مركزية بالنسبة لفصائل المعارضة.


بدوره، أرجع الكاتب والإعلامي السوري سامر خليوي انهيار اتفاق خفض التصعيد في الجنوب، إلى وجود "اتفاق بين روسيا وإسرائيل من أجل إعادة قوات بشار الأسد إلى الحدود، لأن إسرائيل لا تثق إلا بقوات النظام الموثوقة والمجربة، وطالبت بإبعاد المليشيات الإيرانية وعدم مشاركتها بالمعركة وهذا ما تم".


وأضاف خليوي في حديث خاص لـ"عربي21"، أنه "لولا الضوء الأخضر الإسرائيلي لما كان لروسيا والنظام وغيرهم الحق بالبدء في هذه العملية بالجنوب"، مشيرا إلى أن "اتفاق خفض التصعيد جاء باتفاق أمريكي روسي أردني إسرائيلي العام الماضي".

 

اقرأ أيضا: تصعيد عنيف للنظام جنوب سوريا وسقوط مزيد من المدنيين


وأوضح أن "الولايات المتحدة انسحبت من هذا الاتفاق، استجابة للرغبة الإسرائيلية، نظرا لأن واشنطن تسعى دائما لمصلحة إسرائيل"، متسائلا عن توقيت سماح إسرائيل بعودة قوات الأسد إلى الحدود، كاشفا في الوقت ذاته أن "هناك رسالة من بشار الأسد لإسرائيل بالتنازل كليا عن الجولان المحتلة، ولن يطالب بها مجددا في سبيل بقائه في الحكم، وهو ما أشارت إليه الصحف الإسرائيلية قبل أيام".


وحول المفاوضات الدائرة حاليا لوقف المعارك في الجنوب السوري، قال خليوي إن "روسيا لا تريد أن تفاوض، إنما تريد فرض شروطها المذلة على الفصائل، وتطالب بتسليم السلاح الثقيل دون مقابل، ودون ضمانات من أي دولة أخرى".


من جهته، رأى الكاتب الصحفي فهد الخيطان، أن "قوات النظام السوري المدعومة من سلاح الجو الروسي تأخرت صوب الجنوب لعاملين اثنين؛ الأول الانشغال في معركة الغوطة الشرقية وتأمين محيط دمشق، وقد بلغت نهايتها، والثاني إنجاز التفاهمات المطلوبة مع إسرائيل حول الوجود الإيراني، وقد أبرم الطرفان الصفقة بوساطة روسية".

 

صفقة مع الكرملين


وأضاف الخيطان في مقال اطلعت عليه "عربي21"، أن "الطرف الثالث في اتفاقية خفض التصعيد في الجنوب الغربي (الأردن)، أخذ علما بالتطورات المحتملة قبل أسابيع من الهجوم الأخير"، لافتا إلى أن "المعارضة السورية التي تسيطر على مساحات واسعة من مدينة درعا وريفها، تلقت مع بداية العام الحالي إشارات صريحة عن نية واشنطن التخلي عن دعمها".


وذكر أنه "في ذلك الوقت كان البيت الأبيض يعكف وبتنسيق مباشر مع إسرائيل على إنجاز صفقة مع الكرملين، تقضي بإبعاد القوات الإيرانية والمليشيات المذهبية التابعة لها، مسافة كافية عن الحدود مع إسرائيل والأردن، مقابل السماح للقوات السورية باستعادة سيطرتها على المناطق الجنوبية".

 

واستكمل الخيطان قائلا: "إسرائيل فضلت أن تكون العملية العسكرية على مرحلتين لاختبار صدق الوعود السورية"، مبينا أن "المرحلة الأولى تتقدم فيها قوات الجيش السوري نحو المناطق المحاذية للحدود الأردنية، وبعد التأكد من عدم وجود إيرانيين ضمن تشكيلاته، يصبح ممكنا التوجه غربا نحو المناطق المتاخمة لهضبة الجولان المحتلة".

 

اقرأ أيضا: بعد الخسائر في الجنوب.. ماذا تبقى من الثورة السورية؟


وتابع: "على مدار الأسابيع الماضية تبادلت عمان وموسكو الأوراق النقاشية حول ترتيبات الوضع لمرحلة ما بعد خفض التصعيد، وكان هناك تصور مشترك يقضي بتسهيل إنجاز المصالحات بين النظام والمعارضة في درعا، والأخذ بمبدأ الانتقال التدريجي للسلطات المحلية بالاعتماد على الإدارات المحلية من أهالي المحافظة، وبوجود رمزي للشرطة العسكرية الروسية، مقابل تمكين الجيش السوري من السيطرة على كامل الحدود مع الأردن".


وأكد أن "هذا السيناريو لم يكتب له النجاح، فقد استعجل الروس ومعهم النظام السوري الزحف صوب الجنوب وتسوية الوضع باستخدام القوة العسكرية"، معتبرا أن "اتفاقية خفض التصعيد في الجنوب لم تكن ضمن مخرجات أستانة، بل كانت مسارا مستقلا فرضته اعتبارات جيوسياسية متعددة".


واستدرك قائلا: "لكن أهم ما فيه من دلالات، أن المعارضة المسيطرة على درعا مثلت العنوان الأبرز للقوى المعتدلة في الخريطة السورية، التي حافظت على طابعها الوطني، ولعبت دورا محوريا في محاربة التنظيمات الإرهابية، وكانت الأكثر استعدادا لإبرام صفقات سياسية تنتشل سوريا من أزمتها".


وشدد على أنه "لا يمكن لأحد أن يتنبأ بسير العملية العسكرية في الجنوب السوري ونهايتها، فالتقديرات من أطراف المعارضة تراهن على مواجهة طويلة، فيما النظام يطمح لحسم عسكري سريع"، مرجحا أن "تنهار التفاهمات الروسية الإسرائيلية قبل أن تكتمل العملية العسكرية".


وقال الخيطان إن "اتفاق إسرائيل مع روسيا في الأصل لا يقيد حقها في استخدام القوة ضد إيران في عموم مناطق سوريا، وقد صرحت تل أبيب بذلك بكل وضوح"، موضحا أن "اتفاق استعادة الجنوب مجرد خطوة تكتيكية مقيدة بشروط واضحة لن تمنع إسرائيل من توجيه ضربات في سوريا، كان آخرها قصف مخازن أسلحة بمحيط مطار دمشق الدولي".