قضايا وآراء

فهم حرب "توكارق" بين "صومالي لاند" و"وبونتلاند" الحليفتين للإمارات

1300x600

لقد انتابنا حزن عميق، وشعرنا بأسي كبير، كيف صارت الحرب قبل شهر في "توكارق" بإقليم سول، وهو الذي كان يتمتع بدرجة عالية من الاستقرار والأمن، مقارنة ببقية الأراضي الصومالية الجنوبية؟..

نعم أنا آسف، ومعي طبعا كل غيور صومالي، تجاه ما حدث في هذه المنطقة من مشاهدة جثث صومالية مسلمة في شهر العصمة والخير، شهر الإحسان والبركة، إنه شهر رمضان الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "ينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر".. فبدلا من أن يكف الناس عن شرهم، ها هم قد ألَّبوا بين الناس لكي يقتل بعضهم بعضا، إرضاء لشهواتهم السياسية، والأدهى من كل ذلك أن ادعى كل طرف الانتصار وإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر وهم صائمون، تبَّا لهم...!! على تفاخرهم بقتل إخوتهم في الدم والدين.

فلماذا كل هذا القتل؟ ألم نكن دائما إخوة رضعوا من ثدي واحد، متعايشين، متصاهرين، متجاورين، نقتسم لقمة العيش الكريمة، لا نعرف الفرقة؟ فلماذا يستعبد السياسيون عقولنا ونحن أحرار، ويجرون شبابنا إلى ويلات الحرب والتخلف؟ لماذا ينفخون في كير الفتنة القبلية في كل مكان حتى نشبت نارها أخيرا؟

حتى في أروقة الجامعات.. سمعنا بتلويح بعض السياسيين للجامعات بطرد طلابها من غير أبناء "صومالي لاند" من جامعاتهم.. لماذا كل هذا الحقد والكره؟ هل وراء الأكمة ما وراءها؟ هذا ما أخشاه.

فبعدما رجع رئيس ولاية بونتلاند، عبد الولي غاس، من الإمارات، بدأت الحرب بعد شهر، لأسباب معلنة، وأخرى خفية، فالسبب المعلن، كما يردده الرئيس غاس، هو أن شعب إقليم سول ينتمي عشائريا إلى ولاية بونتلاند، وعلى هذا المنوال يجب أن تعترف صومالي لاند بذلك، وأن تنسحب من جميع مناطق إقليم سول التي تسيطر عليها، ومن ضمنها عاصمة الإقليم (لاسعانود).

والسبب المخفي هو أن غاس يريد أن يُدخل المنطقة في حرب مفتوحة، علما أن الانتخابات الرئاسية للولاية على الأبواب، وهو متأكد من أنه يخسر هذه الانتخابات بسبب فشله الإداري والاقتصادي والأمني خلال السنوات الأربع من ترؤسه للولاية.

فأمنيا، تعرضت ولايته في عهده إلى عدة حروب مع ولاية جلمدج الجنوبية، وصار بينه وبين جلمدج اتفاقيات تهدئة، يمكن أن تنهار في أي لحظة. ولا زالت هذه المنطقة خطرة، وأخص بالذكر مدينة جالكعيو (التي ينحدر منها غاس)، بسبب عدم الاستقرار وانعدام الأمن، حيث اغتيل عضو برلماني من بونتلاند، وقتل رجل وابنه في وضح النهار.. كل هذا حصل قبل شهر.

كما أخفق "عبد الولي غاس" في دحر حركة الشباب من جبال جلجلة، وهي التي أغارت قبل أسابيع في ثكنات تابعة لجيشه، مستفيدة بانشغاله في حرب توكارق، وقتلت العديد من جيشه، باعتراف بعض وزرائه أمام الإعلام.

واقتصاديا، لم يحقق الرئيس غاس وعود الإعمار والتنمية التي وعدها قبل الانتخابات، وصدقه الشعب كخبير وأستاذ اقتصادي في جامعات أمريكية. فهو لم يؤمّن إلى الآن صرف مرتبات أفراد الجيش، حتى استقال الرجل الثاني في قيادة الجيش الجنرال دير حاج عبدي إثر هذه الأزمة، كما شرح ذلك أمام شاشات التلفزة، دعك عن إنجاز آخر اقتصادي.

أما رئيس صومالي لاند، فرئيسها موسي بيحي؛ يعاني هو الآخر من التبعيات السلببية لآخر الانتخابات الرئاسية التي فاز بها، حيث الانقسام ظاهر في مدن صومالي لاند، وفي جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن القتال القائم بين قبيلتين في "عيل افوين"، والذي إن لم يتوقف سيؤثر على جميع أراضي صومالي لاند، وهو ما دفع رئيسها موسي بيجي لشن هجوم مباغت على توكارق والسيطرة عليها، وادعائه أنه كان يعمل على بلوغ حدود صومالي لاند التي رسمها الإنجليز.

كما أن اقتصاد البلد في مرحلة حرجة بسبب التضخم وانهيار الشلن في صومالي لاند. ويمكن أن نضيف أيضا الغيرة التي أصابته، بزيارة فرماجوا إلى جراوي، وترحيب الشعب الحار له، واقترابه من حدوده المزعومة.. كل هذا دفعه إلى جنون الحرب، ليظهر عضلاته، ولإشغال الشارع في صومالي لاند وتوحيده بطريقته.

ولكن العجيب الغريب في الأمر، أن صومالي لاند وبونتلاند، كلاهما حليفتان مهمتان للإمارات، وعلاقتهما مع الحكومة الفيدرالية الصومالية ضعيفة. فالسؤال: لماذا لا تتدخل دولة الإمارات بالإصلاح بينهما، كما فعلت من قبل بين بونتلاند وجلمدج عام 2016؟
أليست الإمارات هي التي ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية مع الطرفين، دون إذن من الحكومة الفيدرالية ؟ فالسؤال الذي طرحه المراقبون في صحف المحلية هو: لماذا على الأقل لم نر إدانة صغيرة من الإمارات لما يجري في المنطقة من حرب، بدلا من كيل التهم من بعض مواقعها الإلكترونية ضد قطر والحكومة الفيدرالية الصومالية، وهو ما أغضب إقليم بونتلاند الذي رأى أن دولة الإمارات تغرد خارج السرب وتصدق رواية صومالي لاند؟!

هذ التخبط الإعلامي الإماراتي وعدم التحرك نحو الإصلاح؛ أثار شكوكا تجاه نوايا الإمارات في المناطق الآمنة، كما كتب بعض المحللين.

من هنا نعاتب الحكومة الفيدرالية التي اقتصرت فقط بالإدانة والمناشدة بوقف الحرب، وكان من واجبها على الأقل أن توفد بعض الأعيان المنحدرين من الإقليم، في مجلسي الشيوخ والبرلمان، لكي يساعدوا على الأقل في وقف إطلاق النار، وحل الأمور بالمنطق والمفاوضات، حتى لا نصدق رواية الإمارات وصومالي لاند بأن فرماجو هو المسؤول الأول عما يجري في الإقليم.

كما لا بد أن يتمسك جميع الأعيان من شيوخ القبائل ومثقفين (وما أكثرهم)؛ بعدم السماح باللعب في أمن إقليمهم الآمن طوال الحرب في جنوب الصومال.. وأن يتحرك علماء الصومال جميعا بفتاوى تحرم دم الأخ المسلم، وأن يتعاضدوا ضد الذين يفسرون نصوص الدين حسب أهوائهم، ويوهمون للعامة أن هذا القتال جهاد نفس.

عليكم يا أهل سول، وأنتم التاريخ الكبير لجميع الصوماليين (حيث هناك ضريح المناضل الكبير السيد محمد عبد الله حسن)، أن لا تسمحوا لأي كان بأن يعكر التعايش فيما بينكم، وأنتم أبناء الإقليم الواحد حتى لو كانوا من بني القحطان الأقحاح.

قال الشاعر معروف الرصافي:

خابَ قومٌ أَتَوا وغى العيشِ عُزْلاً ... من سلاحي تعاونٍ واتحادِ
قد جَفَتْنا الدنيا فهلا اعتصمنا ... من جفاءِ الدنيا بحبل ودادِ