قضايا وآراء

السيسي وتأسيسه للاقتتال الأهلي بمصر

1300x600
قد يبدو العنوان صادما للكثير جدا من المهمومين في مصر، ولكن عندما ننظر نظرة ثاقبة للسياسات التي تُطبق وتُنفذ على أرض الواقع منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو، ستتيقن تماما بأن ما أتحدث عنه "صحيح"، فهو واقع كارثي ومأساوي تعيشه مصر على يد السيسي الذي يأخذها إلى الهاوية عن عمد، ينفذ مخططا ممنهجا "بنجاح ساحق" للوصول إلى "اقتتال أهلي".

منذ فترة طويلة جدا، عنون المفكر السياسي "أمين المهدي" وذيل الكثير مما يكتب عن مصر بمقولة "الطريق لسوريا". في بداية الأمر كنت أنظر للموضوع على سبيل المبالغة، ولكن بعد التفكير بعقل بارد في ما يكتب، تيقنت تماما بأننا ذاهبون إلى ذلك المصير.

لا توجد في مصر طوائف (سنة - شيعة - أكراد - يزيديون - علويون) كي يعاد إنتاج نفس المسلسل الذي أسفر ببعض البلدان العربية عن احتراب أهلي باستغلال الدين، فكان لزاما على السيسي أن يستعيض بذلك عن تصرفات وممارسات منحطة ترسخ لما يؤدي إلى احتراب أهلي، بل وأبشع من ذلك.

أفسد القضاء الذي أصبح أسيرا "للمن والكرمشة" (الرشاوى)، وصار أضحوكة العالم بأحكام في منتهى الغرابة. وذهب إلى ضباط الشرطة، وقال لهم نصا في تسريب شهير: "لن يحاكم ضابط يقتل بعد اليوم". وأسكر الجيش بالاقتصاد، بعد أن احتل السياسة وأمم المجال العام.

ووصل الأمر إلى أن تندر البعض على مصر قائلا:" الجيش اللي طلع له دولة"، إمعانا في التعبير عن وصول الأنشطة الاقتصادية للجيش إلى أكثر من 70 في المئة من اقتصاد هو حق أصيل للمجتمع، وأجهز على الإعلام وقام بتأميمه بعد صفقات علنية للمحطات الفضائية والوكالات الإعلانية لصالح الأجهزة الاستخباراتية، كان نصيب الأسد منها "للمخابرات الحربية".. الجهاز الذي يدير مصر الآن بمعاونة "أمن الاتحادية"، الجهاز الذي يرأسه عباس كامل مع احتفاظه بالإشراف على المخابرات العامة..

كما أغدق على رجال الدين في المؤسسات الرسمية كي يتفننوا في شرعنة البطش والظلم والقهر الذي يمارسه نظام السيسي بحق الشعب المصري، لتكون المحصلة خمس فئات تنعم وترغد، ومعهم بالطبع حكومته ووزراؤه الذي وافق برلمانه على الزيادة الأخيرة لمرتباتهم، والتي استفزت الجميع بعد التوقع بأن تكون هذه الزيادة للملايين بالمعاشات الذين يعيشون "فقرا مدقعا"، طبقا لتقارير كل المنظمات المعنية المحترمة.

ولكي تمضي الأمور في هذا الاتجاه، اخترع حربا وهمية على الإرهاب في سيناء لتفريغها وإخلائها تماما من أهالينا السيناوية لأجل "صفقة القرن". وألهب الصعيد بحوادث طائفية تتم باستغلال المخبرين التابعين لحزب النور والدعوة السلفية في القرى والنجوع.

وأخيرا وليس آخرا، اتخذ قرارا يُنفذ منذ فترة؛ بهدم كل المباني المخالفة. قد يبدو الأمر هينا، ولكن سأستعرض لحضراتكم التقارير والإحصائيات الرسمية التي أصدرتها وزارة التنمية المحلية في هذا الشأن:

تتحدث الإحصائية عن الفترة من كانون الثاني/ يناير 2000 إلى أيلول/ سبتمبر 2017 عن عدد المباني المخالفة في جميع محافظات مصر، والبالغ مليونين و878 ألف عقار، فيما عدد قرارات الإزالة الرسمية لها يبلغ مليونين و644 ألف قرار، تم تنفيذ 633.500 عقار، ويتبقى حوالي مليوني عقار سيتم إزالة تعدياتها في الشهور القادمة.

تخيل بأن الأمر توقف عند مليوني قرار، كل قرار بعدد أفراد الأسرة، أي على الأقل في المتوسط خمسة أفراد.. إذن أنت أمام 10 ملايين مصري قد تحولوا إلى قنابل موقوتة كارهة للبلد، بعد ضياع تحويشة العمر أو فلوس الغربة أو الاقتراض لتملك الحلم وحدة سكنية تمليك بمباركة الدولة وجنرالات ولصوص الإدارة المحلية المتربحين، ولهم "معلوم" معروف طبقا للوحدة والمنطقة السكنية، ثم بجرة قلم تُهدم هذه الوحدة لتعيش الأسرة كابوس التشرد والضياع: فماذا هم فاعلون تجاه من فعل بهم ذلك؟

سيظل السيسي يوميا يفتك بمصر ويتفنن في رهن قرارها ومقدرتها (مياه النيل - الغاز - الجزر - أرض مشروع نيوم - الكيانات الاقتصادية الناجحة التي طُرحت للبيع مؤخرا) وسيبقي القوس مفتوحا.. ولم لا؟ فالرجل يعتمد على دعم غير محدود من نتنياهو، مسوقه ووكيله الحصري، واليمين اليهودي العالمي.

ليس أمام كل مهموم تجاه هذا البلد المنكوب في "عصابته الحاكمة"، إلا العمل على تنمية الوعي لدي جموع المصريون ليوم آت عما قريب تعود فيه مصر وطنا لشعبها.