مقالات مختارة

لن يجدوا الشريك الفلسطيني ومؤامراتهم لن تمر

1300x600

ذكرت صحيفة «الأخبار» اللبنانية في تقرير لها مطلع الأسبوع، أن دولا أوروبية تقدمت عبر جهة دولية بعرض لحركة حماس، يقضي بإدارة أوروبية لشؤون قطاع غزة. والسبب وراء هذا العرض، حسب الزعم، مواجهة خطوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إذا واصل فرض المزيد من العقوبات على القطاع، وذهب نحو التخلي عنه كليا.


ووفق العرض، ستتولى دول أوروبية مسؤولية النواحي الإنسانية الإدارية كافة في القطاع، بما في ذلك مسؤولية دفع رواتب جميع الموظفين (التابعين للسلطة أو لحكومة غزة السابقة) والتنمية والتعليم والصحة. 


ولتجميل العرض، أضيف بند آخر يتعلق بتخصيص الدعم الأوروبي الذي يرسل للسلطة إلى غزة، لا سيما في البنود السالفة الذكر عبر اللجنة نفسها، إضافة إلى بدء مفاوضات لتبادل أسرى.


في المقابل يتضمن العرض شروطا أولها، أن تحصل اللجنة الأوروبية التي ستشكل لهذا الغرض، على إيرادات القطاع التي تجبيها دولة الاحتلال لمصلحة السلطة الفلسطينية. وتشترط أيضا أن تتعهد حركة حماس بعدم اللجوء للسلاح لسنوات عدة أقلها خمس سنوات، ومنع أي تصعيد مع إسرائيل إضافة إلى ضبط الحدود، يعني باختصار عرض يمكن وصفه بـ«صفقة الأمن مقابل الغذاء». وهو عرض لا يمكن أن يكون إلا عرضا إسرائيليا بامتياز، ولا يخرج عن سياق مؤامرة استعمارية جديدة. وحسب تقرير «الأخبار» فإن حماس لم ترد على العرض وإن وعدت بدراسته، حسب الزعم.


ورغم أن هذا التقرير لم تتحدث عنه سوى قناة تلفزيونية إسرائيلية ومواقع إلكترونية، ولم تؤكده أي جهة رسمية، وشكك في مصداقيته مسؤول في السلطة تحدثت إليه، ووصفه بتسريبات سخيفة لا تمت للواقع بشيء، إلا أنه يمكن القول «لا دخان من غير نار» . وفي هذا السياق سخر المسؤول أيضا مما نشر حول عرض إسرائيلي عبر وسيط ثالث، برفع الحصار كاملا عن غزة مقابل وقف مسيرات العودة التي حملت أمس عنوان «مسيرة الشهداء والأسرى»، التي تخشى إسرائيل انفلات الأمور وخروجها عن إطار سيطرة حماس وبقية الفصائل، خاصة أن هناك مخططا للزحف تدريجيا نحو الحدود واختراقها في الذكرى السبعين للنكبة التي توافق 15 مايو / أيار المقبل، تلك المسيرات التي تقض مضاجع إسرائيل وتنغص عيش سكان المستوطنات القائمة في غلاف غزة. وترهق إسرائيل، أمنيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا.


وتعلم الفلسطينيون عبر تجارب السنين الطويلة، ألا يتعاملوا مع ما ينشر من تسريبات والنظر إليها بعين الشك. وإذا صح ما نشرته «الأخبار» حول العرض الأوروبي، فإن الشيء المؤكد أن هذا العرض لا ينطلق من إحساس أوروبي بالذنب إزاء شعب غزة الذي يعاني من الحصار والحروب والقتل والجوع منذ حوالي 12 عاما، لم يحرك العالم، خاصة الدول الأوروبية خلالها ساكنا. وتجارب الفلسطينيين مع الدول الأوروبية منذ أكثر من قرن، غير مشجعة، وهذا أقل ما يقال عنها. أما تجاربهم مع دولة الاحتلال فقد علمتهم ألا يثقوا بوعودها وآخرها إضراب الأسرى الذي انتهى بوعود لم ينفذ أي منها، وكذلك صفقة شاليط التي أعيد اعتقال عدد كبير من محرريها. وبناء على ذلك، فإن هذا العرض يثير عددا من علامات الاستفهام.


هل يمكن أن يكون محاولة لإجهاض مسيرات العودة ووقف زخمها الموعود؟


هل يمكن أن يكون محاولة يائسة لشق الشعب الفلسطيني بين الضفة وغزة سياسيا وجغرافيا، وترسيخ الانقسام ودق آخر مسمار في نعش المصالحة، التي تزعم القاهرة أو بالأحرى جهاز مخابراتها، المساعدة في تسوية العقبات التي تعترض طريق تطبيق اتفاقاتها؟ وفي النتيجة الحتمية القضاء على حلم الدولة الفلسطينية؟


هل هو جزء من مؤامرة أوسع، الغرض منها تمهيد الطريق لإعلان صفقة القرن «العار»، التي تأجل إعلانها، بعدما رفضت فلسطينيا؛ رسميا وفصائليا وشعبيا، وغياب الشريك الفلسطيني.


واللافت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر قبل بضعة أسابيع، حسب مواقع إسرائيلية، تأجيل مبادرته لأجل غير مسمى، رغم أن هذا الموقف يمكن أن يتغير لمعرفتنا بمزاج ترامب المتقلب الذي لا يثبت على رأي، إلا ما يتعلق بإسرائيل. وحسب المواقع فالتأجيل ربما يطول لسنتين.


وكانت هذه هي الرسالة الرئيسية التي نقلها مبعوث ترامب جيسون غرينبلات لممثلي عدد من الدول العربية، هي مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان، من بين 13 دولة شاركت في اجتماع البيت الابيض في الشهر الماضي، بغياب التمثيل الفلسطيني تحت مسمى «عصف الأذهان» لإيجاد الحلول لمشاكل قطاع غزة، قبل الانفجار الذي تهل علينا بشائره. وهو بالمناسبة اجتماع الغرض منه الترويج لصفقة «العار». وهذا ينقلنا إلى مؤامرة أخرى تحاك توطئة لإعلان صفقة «العار»، إنها مؤامرة البحث عن شريك فلسطيني يقبل بما لم يقبل به أبو مازن، الذي حسب قوله إنه لا يريد أن ينهي حياته بخيانة للشعب الفلسطيني بالقبول بصفقة العار.


وها هم الأمريكيون يجربون حظوظهم من خلال بعض الأنظمة العربية بالتواصل مع بعض المنبوذين، أو ما يسمى بشخصيات فلسطينية مستقلة؛ في محاولة لإيجاد شريك يقبل بالتنازل عن القدس والدولة الفلسطينية والسيطرة على الخطوط والأمن وحق اللاجئين بالعودة. وزادت هذه المحاولات من غضب الفلسطينيين إلى درجة ملاحقة أي وفد أمريكي يزور الأراضي الفلسطينية وطرده، وآخر تلك التحركات المطالبة بإغلاق كل المكاتب الأمريكية العاملة والناشطة تحت أسماء مختلفة.

 

عام كامل مر على قمم الرياض الثلاثة التي عقدها الرئيس ترامب (قمة سعودية أمريكية تمخضت عن توقيع عقود بقيمة 450 مليار دولار، وقمة أمريكية خليجية والثالثة قمة أمريكية – إسلامية لم يتخلف عنها أي من الدول الإسلامية، طمعا في قطعة من الكعكة أو خوفا من العقاب)، وبضعة أشهر مرت على تسريبات «صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية التي خطط لها جاريد كوشنر صهر ترامب والمشرف العام على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ووضع خطوطها العريضة خلال زيارة غير معلنة للرياض، مع ولي العهد السعودي، ولم تنجح المؤامرات لا في إقناع الجانب الفلسطيني الذي شعر بتخلي إدارة ترامب عنه، بعدما توسم بها خيرا بعد اللقاءات الثلاثة بين الرئيس محمود عباس، ووعوده بالتوصل إلى صفقة، وهي المصطلح الذي يحلو لترامب استخدامه فهو رجل الأعمال، وانفضاض العرب الرسمي عنه فعلا لا قولا، فأقوالهم المؤيدة للموقف الفلسطيني (دولة فلسطينية على حدود1967 وعاصمتها القدس الشرقية) لا تعكس مؤمراتهم، بل تعكس هلعا من مجرد الإفصاح عن تنازلاتهم، وهذا يؤكد بما لا يقبل الشك أن القضية الفلسطينية لا تزال قضية الشعوب العربية الأولى، رغم مشاكلهم ومصائبهم. ولو كان الوضع غير ذلك لما ترددت هذه الأنظمة الزائلة عن الإفصاح عن دواخلها. 


فحتى دولة مثل الإمارات المتورطة بالتنسيق الأمني مع إسرائيل ، لم تستطع الخروج عن الخط العام. فعندما سئل وزير خارجيتها عبد الله بن زايد عن أعداء العرب، لم يكن أمامه خيار إلا أن يذكر اسم إسرائيل إلى جانب تركيا (السنية) وإيران (الشيعية)، رغم اختلافه مع رئيس تحرير جريدة «الرياض» الذي دعا قبل أيام للتحالف مع إسرائيل ضد إيران.


وأخيرا، هناك شيء واحد ثابت وواضح يعرفه جيدا المخططون والمتآمرون العرب معهم، وهو أن مؤامراتهم لن تمر مهما حاولوا، وأن الشريك الفلسطيني الذي يبحثون عنه لن يجدوه. ولم يعرف عن الشعب الفلسطيني يوما وعلى مدى قرن من نكبته، أنه قبل بقيادات مفروضة عليه، سواء كان ذلك إبان الانتداب البريطاني أو الاحتلال الإسرائيلي. وقد جربت دولة الاحتلال أكثر من مرة حظها، وحظيت محاولاتها فرض ما سمي في السبعينيات روابط القرى كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية وفشلت فشلا ذريعا. ولن يختلف اليوم عن الأمس.


وفي الختام، ليخططوا كما يشاؤون، وليتآمروا كما يحلو لهم، لكن هذه المخططات التآمرية لن تنطلي على الشعب الفلسطيني، ولن يقع في شركها وهو كفيل بإسقاطها.

 

القدس العربي