قضايا وآراء

هل حان الوقت لتوقي الحماقات وإنقاذ العرب والمسلمين من أبشع حملة بالتاريخ؟

1300x600
هل حان الوقت للتخلي عن حماقاتنا وسياسة حكامنا التي زرعت في شعوبنا شعورا باليأس والاستسلام، وقبول الابتلاء والصبر على الظلم؛ سعيا لدخول الجذنة الذي يبشرنا به شيوخنا المعممون منذ قرون عديدة، وترك الحاكم الظالم ليعذب في جهنم والحض على طاعة الحاكم وطاعة ولي الأمر؟

يبدو أن ذلك نتيجة لسوء الإدارة، وخاصة التربية الطائفية والعشائرية تحت حكام يسعون لاسترضاء القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا؛ طمعا في الاحتفاظ بكراسيهم، والسماح لهم بالقمع الوحشي الشديد لشعوبهم حتى القرن الواحد والعشرين.

ولننظر في تقويم ما يجري في العراق واليمن وسوريا؛ هي حروب طائفية نندفع إليها في غباء شديد نتيجة لخداع شيوخ وحكام العرب والمسلمين، وتأجيج مشاعر الطائفية الغبية بين أبناء الدين الواحد والمصير الواحد، لنقوم نحن بتدمير ذاتي لديننا وهويتنا، مما يحقق ما قاله السيد فلين، المستشار السابق للرئيس ترامب، علنا، وفي خطاب مسجل، من أن الإسلام دين خبيث شبهه بالسرطان، ودعا إلى تدميره واختزال 1.6 مليار مسلم حتى يعيش الغرب في أمان وسلام.

ومن الواضح أن الطائفية تقتل التطور الديمقراطي الذي حض عليه الدين الإسلامي في آية كريمة تقول "وأمرهم شورى بينهم"، والذي أكده رسول الله بالامتناع عن تحديد خليفة له ليتفادى التوريث، والذي أسفر عن اختيار أبي بكر الصديق خليفة للمسلمين في اجتماع سقيفة بني ساعدة؛ والذي قال فيه أبو بكر: "وليت عليكم ولست بخيركم". وقام أعرابي مشيرا إلى أنه لو اقتضى الأمر لقومه المسلمون بسيوفهم.

ففي العراق الذي كان يتعايش فيه السنة والشيعة والأزيدية والصابئة، حرص الغزو الأمريكي على إذكاء نيران الطائفية، فشكل مجلس الحكم الذي اعتمد فيه على المحاصصة وتغليب مقاعد الشيعة على السنة، وأتوا بالزعيم الشيعي محسن الحكيم من منفاه في إيران إلى العراق. ودخل العراق في حرب طائفية جنونية يقتل فيه المسلم أخاه المسلم ويقول الله أكبر.

وفي سوريا قامت ثورة شعبية ضد الدكتاتورية، ولكنها انحرفت إلى طائفية بإثم شيوخ الطوائف؛ حفاظا على عروشهم وأموالهم التي لا يراها أحد.

وانتشر سعار الطائفية إلى اليمن، حيث قام الحوثيون الشيعة باحتلال صنعاء والانقلاب على الحكم. وفي لبنان طائفية متفق عليها، ليس فقط بين السنة والشيعة، بل أيضا بين المسيحيين المارونيين والدروز والعلويين.. طوائف تعايشت بعد فشل انتصار إحداها في الحرب الأهلية اللبنانية. وما زال حزب الله يمثل مشكلة كبيرة في لبنان، ولكنها أقل خطورة؛ لأن الحزب يلتزم بتقاليد انتخابية يحرص الجميع عليها.

وفي سوريا لجأ بشار الأسد إلى إذكاء نار الطائفية؛ حفاظا على كرسيه، مما أسفر عن هجرة ملايين السوريين ومقتل مئات الألوف منهم. كما تمثل الأقليات الشيعية خطرا على أمن بعض دول الخليج، مثل السعودية والبحرين.

ولم تبتعد نار الطائفية الغبية والبغيضة عن باكستان وأفغانستان، والتي أسفرت عن ضعف مثل هذه الدول وقبولها للضغوط الأمريكية بإغلاق ما يسمى بالمدرسة التي يتعلم فيها الصغار قراءة القرآن الكريم.

ولم يأت من فراغ قيام دونالد ترامب بأول زياراته الخارجية للسعودية، رغم قوله صراحة بأنه يكره المسلمين ويتهم الإسلام بالإرهاب. وبالفعل، توصل إلى تعهد السعودية بقمع وسجن الناشطين الداعين إلى تحديث الدين والدولة. وإرضاء لترامب، قبلت السعودية إنشاء مركز الاعتدال بحجة مقاومة التطرف.

ولن يكتمل تحليلنا إذا تجاهلنا الدور الإيراني الذي وضع سياسة توسعية في المشرق العربي؛ تحت ستار الحض على التشيع واستغلال الأقليات الشيعية في الدول العربية والإسلامية.

بهذه الإشارات السريعة، نتبين أن العالم الإسلامي والعربي متجه إلى طريق الانتحار من داخله، وليس بغزو يعرّض فيه أعداؤهم جنودهم للخطر، فليقتتل العرب والمسلمون حتى يجني أعداؤهم الثمار، ويتخلصون مما يشعرون به من خطورة الإسلام التي كان الرئيس الأسبق، نيكسون، قد أشار إليها في كتابه بعد تقاعده، وأيدته أبحاث علمية في أهم مراكز علمية وبحثية، ونشير منها إلى كتاب وهنتينجتون (صراع الحضارات) وفوكوياما (نهاية التاريخ)، وقبل ذلك كيسنجر وغيره من الغرب وروسيا.

وفي رأي البعض أن ما يجري ضد شعوب المنطقة؛ هي حرب إبادة جماعية تمولها حكومات إيران، فهدفها تحرير العراق واليمن وسوريا وليبيا من سكانها، وتركها أرضا جرداء، كما حصل مع الهنود الحمر في أمريكا، والفلسطينيين. وهكذا يدمر ولاة أمورنا حياتنا ومستقبلنا.

وتحت ستار الطائفية، تُقطع رؤوس الناس دون ذنب، وتسرق أموالهم وتستحيا نساؤهم. وهذا ما يفعله حكامنا بقطع الرؤوس بدون وجه حق. فالمواطنون يطالبون بحقوقهم كمواطنين، وبالمشاركة في صناعة القرار، وبحقهم في الحياة وتأمين مستقبل أولادهم. فرغم الميزانيات الضخمة من النفط وغيره، تصاعدت نسبة الفقراء في العالم العربي إلى أعلى معدلات الفقر في العالم، بينما تزداد حسابات ملوكنا وزعمائنا إلى أرقام خيالية.

وبلغت مشتريات السلاح، لحفظ حياة الحكام وجلاوزتهم وبافتعال حروب دموية، إلى أرقام خرافية تصل إلى مئات المليارات، بينما يبحث فقراؤنا عن لقمة العيش في القمامة.

ولعل آخر ما نستشهد به هذه الأيام لإثبات حقيقة الأخطار التي تواجه العرب والمسلمين والمسيحيين الشرقيين؛ هو إعلان ترامب أن القدس بكاملها هي عاصمة إسرائيل، والذي فصله وأيده ما جاء - بكل بجاحة وصراحة - على لسان السيد بنس، نائب الرئيس الأمريكي، في 21 كانون الثاني/ يناير الجاري، في الخطاب الذي ألقاه في الكنيست.

وقال إن "التحالف بين بلدينا أقوى من أي وقت مضى، والصداقة بين شعوبنا أعمق من أي وقت مضى. وأنا هنا لنقل رسالة بسيطة من قلب الشعب الأمريكي: أمريكا تقف مع إسرائيل؛ لأن قضيتها هي قضيتنا، قيمكم هي قيمنا، ومعركتكم هي كفاحنا". وقال إنه سيقف تكريما لستة ملايين يهودي قتلوا في المحرقة، "وسنحتفل في نيسان/ إبريل بالذكرى السنوية السبعين لولادة إسرائيل"، وأنه فخور بأن الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف بدولة إسرائيل.

وزعم أن الحقوق اليهودية في هذه المدينة المقدسة تعود إلى أكثر من 3000 سنة. "كان هنا، في القدس، على جبل موريا.. إبراهيم عرض ابنه إسحق، وكان الفضل في البر لإيمانه بالله".

وأكد أن" الولايات المتحدة الأمريكية لن تضر أبدا بسلامة وأمن دولة إسرائيل. وأي اتفاق سلام يجب أن يضمن قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها بنفسها".

وعن زيارته لمصر والأردن خلال اليومين الماضيين، قال: "سافرت إلى مصر والأردن، وهما دولتان تتمتع إسرائيل معهما منذ فترة طويلة؛ بثمار السلام. تحدثت مع صديقي أمريكا العظيمين، الرئيس السيسي في مصر، والعاهل الأردني الملك عبد الله، عن شجاعة أسلافهم الذين وضعوا حدا للصراع مع إسرائيل في وقتهم. وهذان الزعيمان يثبتان كل يوم أن الثقة والاطمئنان يمكن أن يكونا حقيقة واقعة بين الدول العظيمة في هذه الأراضي القديمة".

وعن مشروع القرن، قال: "لقد ناقشت معهما التحولات الملحوظة التي تحدث في جميع أنحاء الشرق الأوسط اليوم، والحاجة إلى إقامة عهد جديد من التعاون في عصرنا هذا. يمكن أن نشهد رياح التغيير بالفعل في الشرق الأوسط.. أعداء منذ فترة طويلة أصبحوا شركاء. فالأعداء القدماء يجدون أرضية جديدة للتعاون".

وأشار إلى زيارة ترامب للسعودية، في تجمع غير مسبوق لقادة أكثر من 50 دولة، في القمة العربية الإسلامية الأمريكية. وحث شعب هذه المنطقة على العمل معا على نحو أوثق، "والاعتراف بالفرص المشتركة ومواجهة التحديات المشتركة. وحث الرئيس جميع الذين يسمون الشرق الأوسط وطنهم، في كلماته، على تلبية اختبار التاريخ العظيم لضرب التطرف وقهر قوى الإرهاب معا.. الإرهاب الإسلامي الراديكالي لا يعرف حدودا، ويستهدف أمريكا وإسرائيل والدول في الشرق الأوسط والعالم الأوسع". وزعم أنه لا يحترم "أي عقيدة سرقت حياة اليهود والمسيحيين"، وخاصة المسلمين. والإرهاب الإسلامي الراديكالي لا يفهم أي واقع سوى القوة الغاشمة".

وقال: "سنواصل توفير القوة الكاملة لقوتنا لدفع الإرهاب الإسلامي الراديكالي من على وجه الأرض. وقد استجاب القادة العرب أيضا لنداء الرئيس؛ بعمل غير مسبوق للقضاء على التطرف وإثبات فضول وعوده المروعة. ولذلك أعادت الولايات المتحدة توجيه التمويل من جهود الإغاثة غير الفعالة (للفلسطينيين). ولأول مرة نوفر الدعم المباشر للأقليات المسيحية والأقليات الدينية الأخرى؛ في إعادة بناء مجتمعاتها بعد سنوات من القمع والحرب. وستواصل الولايات المتحدة العمل مع إسرائيل، ومع الدول في جميع أنحاء العالم، لمواجهة الدولة الرائدة الراعية للإرهاب، جمهورية إيران الإسلامية. وإن النظام الوحشي في إيران هو مجرد دكتاتورية وحشية تسعى للسيطرة على العالم العربي الأوسع".

وقال أيضا: "إنني اليوم أتعهد رسميا في إسرائيل، وإلى جميع الشرق الأوسط، وإلى العالم: إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح أبدا لإيران بالحصول على سلاح نووي. وبعيدا عن الاتفاق النووي، لن نتسامح مع دعم إيران للإرهاب، أو محاولاتها الوحشية لقمع شعبها".

هذه هي الصورة بكل وضوح، فإما نمضي في عدائنا وحروبنا الطائفية لننتهي للمذبحة، أو أن نسعى إلى صياغة مشتركة لإنقاذ بلادنا وديننا. ولا صعوبة في ذلك، فنحن جميعا مسلمون، وليسري بيننا التسامح والتوافق لمجابهة الحرب التي يعدونها لإيران وخلخلة تركيا ضمانا للقضاء على أسس وهوية العقيدة الإسلامية، ولو بمنطق عدو عدوي صديقي.